الأحد، 23 نوفمبر 2008

ماريك بيلكا وايريك بيرغلوف: اوروبا الجديدة تلتقط العدوى من القديمة

شبح الاشتراكية يعود إلى موطنه
بينما بدأت الحكومات جميعها في أنحاء أوروبا الغربية المختلفة في إنقاذ البنوك والمودعين، كان الأوروبيون الشرقيون يراقبون الأحداث بقدر هائل من التوتر والعصبية، بسبب عدم يقينهم مما قد تعنيه العاصفة المالية العالمية بالنسبة لهم. والآن بعد أن ضربتهم العاصفة بالفعل، أصبحت روابط التضامن الأوروبي الهشة على محك الاختبار. لقد بدأت بالفعل بعض بلدان أوروبا الشرقية، مثل المجر وأوكرانيا، في طلب حِـزَم ضخمة من الدعم. وقد تضطر غيرها من البلدان إلى طلب حِـزَم مماثلة في غضون الشهر المقبل ما لم يذب الجليد عن أسواق الائتمان المجمدة. وإذا ما استمر هذا الوضع حتى نهاية هذا العام، وهو ما لا نستطيع أن نستبعده، فقد تواجه المزيد من البلدان أزمات مصرفية خطيرة.
على مدى العقدين الماضيين، أخذت أوروبا الشرقية على عاتقها تطبيق إصلاحات واسعة النطاق، وتبنت التكامل المالي العالمي. كما دخلت المصارف الأجنبية، وأغلبها أوروبية، هذه الأسواق بقدر لم يسبق له مثيل من السرعة والقوة. ولقد مدت هذه المصارف يد المساعدة للكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم الأكثر تعرضاً لعوامل المجازفة، وأعانت الناس على شراء المساكن وتأسيس مشاريع تجارية جديدة. بيد أن هذه التنمية المالية الناجحة عادت الآن لتطارد هذه البلدان. حتى الآن، تمكنت بلدان أوروبا الناشئة من الصمود في وجه الأزمة المالية العالمية بقدر كبير من النجاح، فتأقلمت مع التباطؤ الذي طرأ على أسواق التصدير المهمة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الإقراض. ولكن أي اقتصاد مفتوح لا يستطيع أن يقاوم الإغلاق الكامل لأسواق الإقراض. وربما أصبحت هذه البلدان معتمدة على الائتمان الرخيص إلى حد مبالغ فيه، إلا أنها لم تكن وحدها في هذا الصدد. تسعى بعض المصارف الأجنبية الآن إلى سحب الأموال السائلة من فروعها في أوروبا الناشئة. وطبقاً لبنك روسيا الوطني فقد سحبت المصارف الأجنبية ما يزيد على عشرة مليارات من الدولارات من روسيا أثناء شهر سبتمبر وحده. كما أكدت بنوك مركزية أخرى المزاعم نفسها. وحتى أكون منصفاً، فقد أعلن بنك Raiffeisen الدولي أنه كان يدعم فرعه التابع في أوكرانيا، وهو بنك Aval، بمبلغ إضافي وصل إلى 180 مليون يورو. وسواء كانت المصارف الأساسية الأخرى العاملة في المنطقة سوف تقف إلى جانب المصارف التابعة لها ام لا، فإن هذا يعتمد على مدى الحدة التي سوف تكون عليها الأزمة في أوروبا الغربية.
بيد أن حُـزَم الإنقاذ التي تقدمها أوروبا الغربية قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع سوءاً في أوروبا الناشئة. فرغم أن أغلب المصارف الرئيسية في المنطقة من المرجح أن تستفيد من هذه التدابير، فإن هذا لن يترجم بالضرورة إلى دعم لفروعها الأجنبية. وفي الواقع، هناك خطر حقيقي في أن تأتي عمليات الإنقاذ هذه على حساب أوروبا الشرقية. فقد أعلنت حكومات عدة أن أموال دافعي الضرائب لا يجوز استثمارها في عمليات بالخارج. يتعين على حكومات أوروبا الناشئة بطبيعة الحال أن تؤدي دورها في ترسيخ استقرار أنظمتها المالية. ولكن في هذه المرحلة هناك حدود صارمة لما يمكن أن تقوم به هذه الحكومات. إذ إن أغلبها لا تملك الثِـقَل المالي اللازم لمواجهة هذه الضغوط غير العادية التي تفرضها الأسواق المالية. والحقيقة أن العرض الذي تقدمت به حكومة المجر لتوفير ضمانة عامة للودائع أو ضمان السيولة في الأسواق المصرفية محدود المصداقية.
إن أوروبا الناشئة تحتاج إلى دعم من الخارج حتى تتمكن من تجاوز هذه الأزمة. وفي المقام الأول، يتعين على زعماء أوروبا الغربية أن يضمنوا حل صُـلب الأزمة، بيد أن العديد من المراقبين يبدون تشككهم في أن يكون هؤلاء الزعماء قد بذلوا الجهد الكافي في هذا الصدد. ثانياً، يتعين عليهم أن يمنعوا التدابير التي اتخذت بالفعل لمواجهة الأزمة من التمييز ضد المؤسسات التابعة في وسط وشرق أوروبا، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت هذه المؤسسات التابعة داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي. ثالثاً، يتعين على هؤلاء الزعماء أن يوحدوا قواهم مع المؤسسات المالية الدولية، كما حدث في حالة المجر، لدعم الاقتصاد في هذه البلدان.
إن تجارب جورجيا في أعقاب الحرب الأخيرة مع روسيا تشكل نموذجاً محتملاً، فقد أقام صندوق النقد الدولي خطاً ائتمانياً طارئاً لدعم العملة، وتولى البنك الدولي عمليات تنسيق جهود الإغاثة (التي تولى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمويل أغلبها)، كما استعان بنك التعمير والتنمية الأوروبي بخبراته وموارده في قيادة الجهود المبذولة لإنقاذ النظام المالي. إن حزمة دعم جورجيا ليست علاجاً لكل داء، فالظروف تختلف في غيرها من البلدان، بيد أن هذه الحزمة تؤكد أن الأدوات المعيارية قادرة على قطع شوط بعيد على طريق حل هذه الأزمة. بيد أن الأمر سوف يتطلب المزيد من الموارد والأدوات الجديدة. وتؤكد حالة المجر أن الاتحاد الأوروبي قادر على تطويع إحدى الأدوات المتاحة- دعم ميزان المدفوعات- واستخدامها على نحو إبداعي. وفي البلدان غير التابعة لعضوية الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا وأوكرانيا، فإن الأمر يتطلب أيضاً الأفكار الإبداعية بصورة مُـلِحَّـة. لا ينبغي للشكوك أن تربكنا فيما يتصل بما هو على المحك. وربما لم يكن ذلك ملحوظاً على نطاق واسع، ولكن في السنوات القليلة الماضية كانت أوروبا الشرقية، بما فيها روسيا، قد تفوقت على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باعتبارها سوق التصدير الأهم بالنسبة لمنطقة اليورو. والعديد من هذه الأسواق تواجه الآن تباطؤ النمو، أو حتى النمو السلبي. فضلاً عن ذلك فقد استثمرت شركات أوروبا الغربية في أوروبا الشرقية على نطاق لم يكن من الممكن تخيله سابقاً. والخطر مازال قائماً في ألا ترى حكومات أوروبا الشرقية بديلاً غير تأميم بعض المؤسسات، وخصوصا بعض المصارف الخاضعة لسيطرة جهات أجنبية، إذا ما استمرت هذه الأزمة في التفاقم. ولكن الأهم من هذا أن عقوداً من التنمية المالية والإصلاحات الاقتصادية الواسعة قد تذهب أدراج الرياح. وكما هي الحال في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فلسوف تعود الحكومات إلى الاضطلاع بدور أضخم في الاقتصاد، بيد أن تدخل الدولة يحمل دلالات مختلفة في هذه البلدان الاشتراكية سابقاً، لا سيما أنها تواجه الآن ردود أفعال معادية للتنمية المالية والإصلاحيين. وكأن ذلك كله لم يكن كافياً، فسوف يكون لزاماً على الحكومات والمؤسسات التجارية الغربية أن تفكر ملياً في العروض التي قد تطرحها مصادر روسية، سواء كانت خاصة أو عامة، لمساعدة المصارف والشركات المنكوبة. فلا شك أن هذه العروض لن تخلو من خيوط معلقة.

* بيلكا رئيس وزراء بولندا الأسبق، وأخيراً عين مديراً للقسم الأوروبي لدى صندوق النقد الدولي. وبيلغروف كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الأوروبي لشؤون إعادة التعمير والتنمية

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .