الخميس، 20 نوفمبر 2008

سمير التنير: اميركا من الداخل 4


الإعلام والميديا
أصيب الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بالدهشة عندما تصفح كتاب »حالة نكران« الذي كتبه الصحافي المشهور بوب وودوارد. دهش جورج بوش لأن الصحافي كشف بالأرقام والوقائع، وفي مقابلات مع أقرب المقربين منه، كيفية تخبطه وإدارته في حرب العراق. تمعن الرئيس في التحقيقات الاستقصائية التي أجراها وودوارد مع موظفين كبار في الادارة يراهم يوميا، فضحوا فيها تجاوزه الدائم لآرائهم، وتشبثه (وقتذاك) بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. يشبه التحدي القائم بين الصحف الاميركية، التحدي القائم بين فرق القدم. وكذلك التحدي القائم بينها وبين محطات التلفزة والانترنت. فالصحافة تلتقط كالمغناطيس الجرائم وقضايا الفساد في مختلف الميادين. وهي الخبز اليومي للأميركيين في المطبوعات وعلى الشاشات. لم تكن نشأة الصحافة الاستقصائية سهلة، بل جاءت ثمرة نضال. منذ ٥٠ عاما كان الفساد يعم اميركا والرشى قائمة حتى رجال الشرطة كانوا يقبضون الرشوة. ويروى دافيد كابلان من جريدة »يو اس نيوز« التي تطبع مليوني عدد يوميا فيما يصل عدد قرائها الى ١٠ ملايين كما يضيف كابلان انه في عام ١٩٧٦ كتب الصحافي دون بولز في صحيفة بولاية ايريزونا تحقيقا عن المافيا. فقتل اثره في انفجار في سيارته في سياق الجرائم المنظمة التي كانت تقوم بها المافيا هناك. من قبل ذلك اطلق الرئيس الاميركي السادس والعشرون تيودور روزفلت على الصحافيين بعد كشفهم مساوئ ادارته وفسادها لقب »ملوثو السمعة القذرون«. ومنذ ذلك الوقت صار هذا اللقب مرادفا للصحافي المتميز والجريء. والصحافة في اميركا هي رديف للشفافية في الادارة والحكم وفي المحاسبة وإحقاق الحق. هذه الصحافة كانت وراء استقالة الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون في عام ١٩٧٤ اثر فضيحة »ووتر غايت« التي كشفها الصحافيان كارل برنشتاين وبوب وودوارد من جريدة »واشنطن بوست«. تتمتع الصحافة في اميركا بحماية القانون وبقدرة على الوصول الى المعلومات الحكومية وسواها في شكل تلقائي ومباشر ومن دون حواجز. ويستطيع ان يطلب من صاحب شركة ان يكشف له عن رواتب موظفيه متسلحا بضرورة الشفافية، التي يحميها القانون تسهيلا للمحاسبة ومحاربة الفساد. ولشدة التسهيلات التي يتمتع بها الصحافيون الاميركيون، صاروا مغيبين عن مشاكل الصحافة في العالم. ومن البرامج الاستقصائية الشهيرة في أميركا هنا »٦٠ دقيقة« وبرنامج نانسي غرايس التي تحقق يوميا في جرائم وقضايا الفساد. هذا في ما يتعلق بداخل الولايات المتحدة، أما في الخارج فالأمر مختلف كليا، اذ ان الانحياز في المحطات التلفزيونية في تغطية الشؤون الخارجية يبرز بقوة في تغطية »سي ان ان« العالمية التي لا يشاهدها المواطن الاميركي، اذ تحل مكانها »سي ان ان دومستيك«. يدور جدل واسع في الاوساط الصحافية الاميركية حول تحديد مفهوم الامن الوطني او القومي. »كيف نتوصل الى ذلك«؟ يتساءل الصحافي جين ستين فيما اعضاء الكونغرس لا يعرفون الحقائق عن شعوب المنطقة العربية، ومع ذلك يوافقون على قرارات الحرب. هذه المواضيع وسواها لا تتناولها المحطات التلفزيونية المحافظة وفي طليعتها »فوكس نيوز« التي تشكل بوقا للادارة الاميركية الحالية وللمحافظين الجدد. هؤلاء ينتابهم القلق من توجه الجيل الشاب (بين ١٨ ـ ٢٩ سنة) الى الابتعاد عن قراءة الصحف، ومشاهدة الاخبار الرصينة التي يفضلون استقاءها من الانترنت او من البرامج الاخبارية الكوميدية، وأشهرها اليوم على الاطلاق، برنامج »ذي ديلي شو« الذي يقدمه جون ستيوارت على محطة »السي ان ان« ويثير امتعاض المحافظين الجدد لأنه ينتقدهم في شكل سافر. لا تمول الحكومة الا تلفزيون الدولة، والمحطات التي تتوجه الى الخارج مثل قناة »الحرة« وراديو »سوا«. وذلك كي تبقى الصحف مستقلة تماما عن التمويل الحكومي. كما تبرر حجة »الامن القومي« حملات التضييق على الصحافيين بشكل غير مسبوق. واللافت ايضا ان كثيرا من الصحافيين ممتعضون من ادارة بوش الحالية، التي يقولون عنها انها كانت من اكثر الإدارات التي ضيقت عليهم. وتعد جريدة »واشنطن بوست« من اكثر الصحف صدقية في العالم، اذ ان فيها اقساما خاصة لملاحقة قضايا الفساد، وكيفية صرف الاموال الحكومية. وقد قام الصحافي سكوت هيغام بكشف فضيحة سجن »ابو غريب« في العراق، وممارسات الجنود الاميركيين ضد السجناء العراقيين. وقد صارت قضية التعذيب من بعد ذلك على كل شفة ولسان. صارت الحرب على العراق جزءا من القضايا الداخلية التي تتناولها الصحافة والاعلام بكثافة. وقد افردت جريدة »الواشنطن بوست« في عددها الصادر في ٢٦ ايلول عام ٢٠٠٦ ست صفحات نشرت فيها كل صور الجنود الذين قتلوا في العراق. لذلك تحتل الحرب على العراق، المرتبة الاولى في تفكير الامـيركيين وفي حياتهم اليومية. لا نرى ضرورة لاعادة نشر الاكاذيب حول الاسباب الملفقة والمزورة التي ادت الى احتلال العراق. مثل اسلحة الدمار الشامل العراقية، وتعاون الحكم السابق في العراق مع تنظيم »القاعدة«. اذ ظهر بالدليل القاطع كذب تلك الادعاءات. وذلك على لسان المراجع العليا في الولايات المتحدة الاميركية. اما الجديد في الأمر فهو ما كشفته جريدة »نيـويورك تايمز« عن تجنيد وزارة الدفاع الاميركية »البنتاغون« لبعض الشخصيات الكبيرة العسكرية المتقاعدة، للعمل كمحللين عسكريين لدى شبكات التلفزيون الاميركية المعروفة. ووراء ستار الموضوعية الكــاذب أخذ الخبراء المــشار اليهم بتغطية اخبار الحرب بشكل يخدم اهداف الدولة وليس الحقيقة. ان ذلك النشاط بدأ قبيل الغزو الاميركي للعراق ويتواصل حتى يومنا هذا. يرتبط معظم الخبراء العسكريين بروابط متينة مع الشركات الامنية التي تعمل في العراق. وهذا الارتباط نادرا ما يشار اليه في الاعلام، اذ ان معظمهم يشغل مناصب في تلك الشركات مثل المدراء التنفيذيين والمستشارين. وتظهر مئات التقارير والمقابلات كيف استعملت ادارة بوش »الميديا« كحصان طروادة لتبرير الحرب على الارهاب، والذي شمل كافة شبكات التلفزيون الاميركية. وقد نظمت الادارة للخبراء مئات الرحلات الى العراق، كما امنت لهم الوصول الى التقارير المخابراتية العسكرية. كما قابلوا كبار المسؤولين امثال ديك تشيني نائب الرئيس، ووزير العدل آنذاك البرتو غونزاليس ومستشار الامن القومي ستيفان هادلي. وقد تبنى الخبراء كافة ادعاءات الادارة، حتى ولو ثبت بعد ذلك كذبها. وبعد مضي اكثر من خمس سنوات على الحراب في العراق، فإن الاستعدادات وعمليات التنفيذ العسكرية لم تعرف ابدا. وذلك على الرغم من بث شبكات التلفزة لأكثر من آلاف الصفحات من التقارير التي تصف الرحلات الى العراق ونتائجها. ان وسائل الاعلام تبقى مصدرا هاما للمعلومات. ويلاحظ هنا ان الصحافة الغربية والاميركية على وجه الخصوص، تبقى مملوكة في معظمها لمجموعات اقتصادية كبرى تبيع منتجاتها الى السوق. وقد تتحدى وسائل الاعلام السلطة القائمة مع التقيد بحدود معينة. فهم يتحدثون جزئيا عن السجون السرية والفظائع المرتبطة بممارسة اختطاف الاشخاص الى البلدان التي يسمح فيها بالتعذيب للحصول على اعترافات. ولذلك يبقى الانترنت وسيلة رائعة للحصول على معلومات موضوعية وغير منحازة.

عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .