الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

روبرت كابلان: البطء هو السرعة الحقيقية في العراق

اميركا ستحاسب على انسحابها كما حوسبت على اقتحامها

كثرت التعليقات التي تندد برأي نائب الرئيس المنتخب جو بايدن بأن باراك اوباما بعد انتخابه سوف يتم اختباره بأزمة كبيرة في السياسة الخارجية في مطلع حكمه. وفي الحقيقة فإن بايدن في ذلك كان مسئولا وواقعيا. فالرئيس الأميركي المنتخب مؤخرا يمكن بالتأكيد أن يتعرض لاختبار في مطلع أيام توليه السلطة.

مع ذلك فإن التحدي الأول يمكن ألا يكون تحديا مباشرا وواضحا مثل تقدم القوات الروسية في اوكرانيا أو هجوما بقارب انتحاري ايراني على سفينة حربية اميركية في الخليج. لا، بل ان ما اخشاه هو التحدي الذي يمكن ان يكون غير مباشر على الرغم من انه يظهر امامنا بشكل واضح.
وأشير في ذلك إلى العراق، حيث القضية الحقيقية التي يرغب اوباما في تنحيتها جانبا بغية المضي قدما مع التحديات الأخرى مثل افغانستان والتغير المناخي والتي يمكن ان يكون لها القوة لجذبه إليها وتهوي به ويمكن ان يحدث ذلك بعد توليه الرئاسة لأنه يريد ان يخفيها عن الأنظار. فأوباما من الناحية العاطفية غير ميال للعراق فقد كان ضد الحرب فيها وهو يقر على استحياء بنجاح زيادة القوات هناك. وكان بايدن بدوره قد وعد الناخبين بشكل قوي بأنه هو واوباما سوف ينهيان هذه الحرب.
تكمن المشكلة في ان كل من ايران وتنظيم القاعدة-مثلهم مثلنا جميعا- يستمعان للرجلين. وكل من الجهاديين وحكام طهران يسعون إلى استثمار ليس الانسحاب الأميركي فقط بل انسحاب أميركي مهين.
إذاً ما الذي يمكن أن يحدث؟ اخشى من حدوث زيادة كبيرة في وتيرة العنف في العراق حال تولي اوباما الرئاسة. وهي الزيادة التي يمكن ان تكون كافية لتقويض نتائج زيادة القوات وبدلا من ان يرد الرئيس المنتخب بقوة وحسم يمكن ان يميل إلى القول" لقد قلت لكم ذلك" كما يمكن ان تغريه زيادة حدة العنف إلى القول ان هذا معناه انه يتعين علينا الخروج من العراق بأسرع وقت ممكن.
غير أن ذلك سيكون خطأ. وسوف يكون عبارة عن رسالة سريعة بحالة الضعف إلى اعدائنا في انحاء العالم بل إن ذلك يمكن ان يكون شيئا مرفوضا بوصفه ازمة صريحة يتعين على الإدارة المقبلة الرد عليها. إن اخر شيء يمكن ان ترغب فيه الإدارة المقبلة هو ان ينظر إليها على انها تتراجع عن مواجهة خصم. فمن شأن ذلك ان يزيد من جرأة الخصوم. وايضا فإن التراجع بشكل سريع في مواجهة تزايد الضحايا والمعاناة الإنسانية في العراق يمكن ان يعد امرا غير مسئول.
لا اقصد الاحتجاج بأنه يتعين علينا البقاء في العراق حتى نرى الأمور من المنظور الذي كان ينظر به جون ماكين وأنصاره. بل اقصد فقط ان أوضح بأنه يتعين على اوباما وبايدن طالما تم انتخابهما ان يتصرفا كقادة ويتخليان عن تصرفاتهما بوصفهما مرشحين. وهذا يعني التأكيد على ان يهدف اوباما إلى ان يكون الانسحاب الأميركي من العراق هو انسحابا مسئولا وكما تسمح به الظروف. فكما ذكر نائب وزير الخارجية الأميركي السابق ريتشارد ارميتاج فإن الولايات المتحدة كاملة سوف يتم محاكمتها على الطريقة التي ستنسحب بها من العراق بنفس الدرجة التي تمت محاكمتها به عندما دخلته.
كي ينجح كرئيس، يكون على اوباما أن يبعد العراق عن الصفحات الأمامية. وفي الحقيقة فإنه كلما ظل العراق في الصفحات الخلفية في الأشهر المقبلة كلما كان افضل. فعليه ان ينسحب بحذر من العراق ويوجه القوات إلى افغانستان في الوقت الذي يبقي فيه العراق على نار هادئة ويسعر النيران بشكل تدريجي في افغانستان. وهو لا يستطيع عمل ذلك عن طريق الاندفاع إلى الخروج. نعم ان الحكومة العراقية بمقتضى وضع اتفاقية القوات التي تتفاوض عليها مع الولايات المتحدة ملتزمة بانسحاب سريع للقوات الأميركية. غير ان ذلك هو للاستهلاك والاستعراض العام، اما خلف الكواليس فإن مسئولي الدفاع العراقيين يأملون في انسحاب اكثر بطئا واكثر حذرا.
ان الخروج من العراق فن وليس علما ويمكن ان يتطلب من اوباما التخلي عن بعض من ارائه في حملته الانتخابية بشأن العراق. وفي الحقيقة فإن البطء هو السرعة الحقيقية في العراق.
في الوقت الذي يمكن ان تعد رغبة الرئيس المنتخب القوية في الانسحاب هي المقاربة الصحيحة الا انها في الشرق الأوسط يمكن ان تترجم على انها عدم حصانة. ان الرسالة التي على اوباما ان يرسلها الآن من النيل إلى الفرات هي انه شخص غير ذلك الشخص الذي يعتقدون انه هو. فهو ليس جيمي كارتر او حتى بيل كلينتون في اول فترة حكمه الأولى عندما عجز عن التدخل في البوسنة. وهو ليس بالرئيس الذي كان رده فاترا على الغزو الروسي لجورجيا.
ان كسب النقاش المحلي الأميركي بشأن العراق لن يكون له صلة بما بعد الانتخابات عندما يصبح العراق فورا هو حرب اوباما. ومهما كانت عدم مسئولية أداء الرئيس بوش في العراق، الا انه حسن بشكل مذهل وضعنا الاستراتيجي وخفض العنف هناك في الفترة ما بين 2007 إلى2008. يجب ان يكون هدف اوباما هو البناء على مكاسب بوش وليس تبديدها. وبفعل ذلك ستأتي النجاحات الأخرى في المنطقة الأوسع وفي انحاء العالم.

روبرت كابلان
باحث بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن. خدمة لوس انجلوس تايمز-واشنطن بوست خاص بـالوطن

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .