الخميس، 6 نوفمبر 2008

بلال خبيز: في مجاورة انتصارين

ادمان القلق
يفترض بنا نحن اللبنانيين ان نتعود على القلق. فنحن لا نملك خيارات اخرى. علينا ان نقلق لكل ما يجري حولنا. ونقلق اكثر لكل ما يجري عندنا. كما لو ان القلق هو نظام الحياة الذي يجدر باللبنانيين ادمانه والتعامل معه كما لو انه من تصاريف الحياة اليومية. وحيث ان القلق مقيم ولا سبيل لاجتنابه، يعلق البلد على مشجب الانتظار، مستقبلاً وماضياً واتجاهات.
كل التحليلات والتوقعات تصب في اتجاه واحد. نحن ننتظر كارثة، ولا نعرف من اي جهة ستبدأ عزفها المجنون. يعلق البلد على رصيف الكارثة، لأن في الجوار من يريد البلد جائزة لانتصاراته. وبصرف النظر عن رأينا في هذه الانتصارات، فإن احداً لن يستطيع اقناع الذي يعتبر نفسه منتصراً بأن النصر والهزيمة لا يقاسان بهذه المقاييس التي لا تمت للمنطق بصلة. اسرائيل تقول انها انتصرت في حرب تموز، ذلك ان المقاييس التي تقيس بها انتصارها تتعلق بأمن حدودها الشمالية، التي اصبحت بعد تلك الحرب هادئة ولا يعكر صفوها معكر، لقد ربحت الطمأنينة الموقتة، التي تتيح لها ان تقرر موعد الحرب القادمة، فلا تبقى فريسة انتظار الصاروخ الاول الذي يطلق من الجهة الاخرى للحدود. سوريا تقول انها انتصرت في حرب تموز ايضاً، ذلك انها لم تتعرض لأي تهديد جدي ولم تقصف مدنها الطائرات. فيما اسفرت الحرب عن نتيجة مفهومة للقاصي والداني: اسرائيل باتت تفكر طويلاً قبل ان تبدأ الحرب المقبلة، الامر الذي يعني بالنسبة لسوريا انها تستطيع المجازفة مرة اخرى في ربح الوقت. سوريا انتصرت لأن اسرائيل بعد حرب تموز باتت اقل خفة في رغبتها بإشعال الحروب. لقد ربحت سوريا ثباتها على خساراتها، لم تخسر اكثر مما خسرته اصلاً، لكنها لم تربح شيئاً. ونحن نجاور انتصارين ممتلئين حد الانتفاخ.
لكن الانتصار الاسرائيلي يبدو في جوهره انتصار من كان يهدف لالتقاط الانفاس، تماماً مثله مثل الانتصار السوري. ربح الوقت في انتظار تغير ما في المعادلات. اسرائيل تدرك جيداً انها مقبلة على حرب اكبر من تلك التي خاضتها سابقاً، على الارجح. ليس ثمة من يشك في اسرائيل في ان الضغط الدولي على ايران قد ينجح في منعها من امتلاك القنبلة النووية. وعليه، ليس ثمة مفر من معالجة هذا الموضوع اقليمياً، اي ان يداوي المجروح جرحه بيديه. وفي هذا ما يجعل المنطقة كلها تقبع في انتظار السؤال التالي: متى تصبح ايران قادرة على امتلاك القنبلة؟
التقديرات على هذا المستوى تختلف من لجنة خبراء إلى اخرى، بعضها يفترض ان امام المنطقة خمس سنوات قبل ان تدخل في نفق لا عودة منه، وبعضها الآخر، الاكثر تشاؤماً يرى ان العام القادم هو خط الدفاع الأخير. في الاثناء، ستبذل الاطراف جميعاً جهدها في تحصين مواقعها وتحسين دفاعاتها. لكن مسافة الانتظار هذه لا تبعث لبنانياً على الامل.
هذا في المنطقة، التي تملك وقتاً مستقطعاً. لكن الامر في لبنان مختلف تماماً، ذلك انه البلد الوحيد، اذا ما استثنينا بعض التصريحات العنترية التي لا تغني ولا تسمن، الذي لا يطمع بأراضي جيرانه. لكنه ايضاً البلد الوحيد الذي يطمع جيرانه فيه. في الوقت المستقطع الذي تعيشه المنطقة يريد الاطراف جميعاً تحسين مواقعهم في لبنان. احتلاله على وجه من الوجوه، والسيطرة عليه، بوصفه كميناً متقدماً في مواجهة الخصوم. هكذا ينشط الجميع في محاولة تحقيق الانتصارات على لبنان، يريدون ان يصبح البلد فدائيهم الاول. وانتحارييهم الذي يضحي بنفسه في المعركة الاولى.
مع ذلك ثمة الكثير من العبارات الثقيلة تخرج من تحت اقلام اللبنانيين وتلوكها السنتهم على الشاشات: علينا ان نستجيب للمطالب السورية في لبنان. لكن احداً لا يستطيع ان يعين لنا بدقة ما هي المطالب السورية في لبنان. هل تريد سوريا ان نتوقف عن محاربتها؟ منذ متى كنا نحارب سوريا اصلاً؟ ومنذ متى كنا نرفع السيف في وجهها؟ هل تريد سوريا ان نقاتل اسرائيل عنها؟ منذ متى ايضاً تخلفنا عن قتال اسرائيل نيابة عن سوريا؟
إلى هذا ثمة كلام كثير عن ضرورة تحييد لبنان عن صراعات المنطقة. ايضاً ثمة اسئلة حارقة قد توجه بسهولة إلى اصحاب هذا الرأي: إلى اي حد يصح الزعم ان لبنان هو الذي يتدخل في صراعات المنطقة ويحشر انفه في ما ليس له فيه؟ هل لبنان فعلاً هو من يتوق إلى تغيير احوال المنطقة واوضاعها، فيسعى بمن فيه وما فيه في المساهمة بالتغيير، اكان التغيير الذي يجري الحديث عنه اميركياً او ايرانياً؟
لا شك ان بعض اللبنانيين يحسبون انهم يستطيعون هزيمة العالم كله. لكن ذلك لا يغير في المعادلة السابقة شيئاً. فالبلاد التي تنتصر تعيش تحت شمس العالم لا في المخابئ والملاجئ، والمنتصرون لا يمكنهم ان يحكموا بلادهم من المخابئ المحصنة.
بعض اللبنانيون جذلون وهم يقررون بلا رفة جفن ان اميركا هزمت في المنطقة. اميركا المهزومة هذه لا يقف مرشحها الرئاسي وراء حاجز زجاجي مضاد للرصاص وهو يخاطب الجماهير المحتشدة. المرشحون مطمئنون ويمارسون حيواتهم بكل حرارتها. وتحت خط الطمأنينة هذه يكمن الفارق بين النصر والهزيمة. لطالما عاش المنتصرون تحت نور الشمس، وهذا ما يحصل في اميركا، ولا يحصل عندنا، رغم اننا ندعي هزيمتها.

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .