الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

جودي كانتور: اوباما في ضوء اختياراته السابقة

تحويل مكامن الضعف إلى مصادر قوة
تكاد ملكة باراك أوباما تحويل مواضع ضعفه الى مكامن قوة أن تلخص مسيرة بلوغه سدّة الرئاسة الأميركية. فهو أفلح في قلب قصة نشأته من دون والده الى سيرة مؤثرة لانتقاله من الطفولة الى الرشد. وأعمل منصباً بعيداً من الأضواء (سناتور في مجلس الشيوخ الأميركي) في إطلاق مســـيرته السياسية.

وعلى رغم ان غرابة اسمه، باراك حسين أوباما، غذت شائعات عن أصوله الإثنية وقناعاته الدينية، جعل أوباما أصوله رمزاً لفرادته، ودليلاً على عظمة النموذج الأميركي وتكافؤ الفرص بأميركا. وبرع أوباما في تجييش الشـــباب، وهي شريحة لا تقصد اقلام الاقتراع في الانتخابات ومواردها المالية ضئيلة، واستمالهم اليه. وأسهم هؤلاء الشباب اسهاماً كبيراً في حملة أوباما، واستمالوا أقاربهم وأهلهم الى معسكر أوباما.
ومنذ إدارته مجلة الشؤون القانونية «هارفرد لاوريفيو» الى حملته الرئاسية، التزم باراك أوباما عدداً من القواعد في إدارة اجتماعاته. فهو يدعو الحاضرين في القاعة الى المشاركة في الرأي. وهو يستمع الى الآراء كلها، ويسأل من يقترح فكرة ما عن سبل تحقيقها وتنفيذها. ويعمد الى القاء الضوء على القواسم المشتركة بين الآراء المختلفة، ويعيد صوغ اقتراحات الآخرين بلغته الفصيحة. فينتهي الاجتماع من دون أن يعرف الحضور رأيه هو وقد يفاجئهم لاحقاً بقراراته.
وأغلب الظن أن يواجه أوباما لحظة دخوله المكتب البيضاوي حزمة من المعوقات والعثرات. فخبرته السياسية المحلية، وهو ابن الـ47 عاماً، طرية العود، وخطت خطواتها الأولى قبل أربعة أعوام. وهو لم يسبق له أن بت في قضايا تفوق الحملة الانتخابية تعقيداً وعسراً، ولم يألف شوارع واشنطن بَعد. والتزم أوباما قضايا كبيرة ومتناقضة. فهو تعهد تشكيل حكومة تقدمية واتحاد الأزرق بالأحمر، (أي الحزبين الجمهوري والديموقراطي) معاً، والتزم التغيير وانتهاج سياسة عملانية واقعية جميعاً.
والحق أن أوباما يخرج صورته ورسالته السياسية إخراجاً محنكاً وبارعاً. فيوم قرر خوض العمل السياسي، توسل بسيرته الذاتية، «أحلام والدي» المنشورة في 1995، ليخرج طفولته المضطربة على صورة رحلة وجدانية وشاعرية. وإثر انتخابه سناتوراً في واشنطن، كتب أوباما كتابه الثاني، «شجاعة الأمل»، وخط خطوط فلسفته السياسية. وفي حملته الانتخابية، كلّف اوباما شاباً في الـ26 من العمر كتابة خطبه.
وهو يميل الى التأني في اتخاذ القرارات، ويمتنع عن المسارعة الى فرض آرائه ونظرته الى الأمور، وينصرف الى دراسة موضوع القرار دراسة تفصيلية دقيقة، ويشاور الخبراء الرأي، ويضع لائحة بالاحتمالات المتوافرة، ويرسم خطوط مشروعه، ويستبق اعتراضات الآخرين فيكيّف مشروعه بناء عليها.
ومن بعد هذا يبلور رأياً، ويلتزم ويتمسك به.
ولا يسارع أوباما الى ارتجال الرد على حوادث طارئة. فعلى سبيل المثال، في ختام جولته المنظمة بأوروبا، شنّت روسيا حرباً سريعة على جورجيا. وجاء موقف أوباما من الحرب متأخراً بضعة أيام. ولا يخرج رئيس الولايات المتحدة الـ44 عن طوره إلا عندما يطرأ شيء مفاجئ. ولكنه يمسك نفسه، ويكاد لا يلاحظ المحيطون به تغير حاله. وبحسب رشيد خالدي، خبير شؤون الشرق الاوسط بجامعة كولومبيا، يحسب المرء أن أوباما يوافقه الرأي في أثناء المناقشة. وعندما يعود الى المنزل، ويفكر في الأمر، تساوره الحيرة في رأي أوباما، ولا يعود واثقاً من موقفه.
ويرى مقربون من أوباما أن تأنيه هو أسلوب ثقافي وتكتيكي. فهو يرغب في دراسة الموضوع، وينظر بعين الريبة الى التفسيرات العمومية او المتسرعة. وعاش أوباما في مواضع مختلفة، وأدرك أن حلولاً ناجعة بموضع وحال، قد لا تصلح بموضع آخر وحال أخرى. وعلى خلاف والدته المغامرة، وهي انتقلت الى اندونيسيا في وقت كان يشهد البلد انقلاباً دامياً، يتفادى اوباما المغامرة. ويعلن أنه يريد رؤية العالم من منظار الآخرين، سواء كانوا كينيين أم والدات - مراهقات في شيكاغو، أم ديموقراطيين ريغانيين، ام مزارعين متواضعين جنوب ايلينويس، أم ناخبي اليمين الانجيلي. وهذا ما يفعله في كتبه.
ولا شك في أن انتخابه في 1990 رئيساً لمجلة «هارفرد لاو ريفيو»، هو فوز أوباما الأول، وقرينة على قدرته على تجاوز العثرات. فيومها ألقى خطاباً يؤيد التمييز الإيجابي في الجامعات، ويعرض مخاوف اليمين المحافظ عرضاً وافياً. وأقنع العرض الدقيق والتفصيلي طلاب اليمين المحافظ بأن أوباما يحمل مخاوفهم على محمل الجد. ولطالما رغب أوباما في لعب دور الوسيط بين أطراف متنازعين أو مختلفين في الرأي، وأن يسهم في تذليل الخلافات الأميركية الداخلية على موضوعات دقيقة مثل الحق في الإجهاض والإيمان والعنصرية. فهو داعية حوار يعيد الى أميركا مكانتها في العالم
.


«نيويورك تايمز» الأميركية، 4/11/2008

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .