الخميس، 6 نوفمبر 2008

بلال خبيز: حان الوقت للإقلاع عن صناعة الاوهام

اميركا ستستثمر قواها على افضل وجه ممكن
فاز باراك اوباما على منافسه جون ماكين بفارق كبير وفق المقاييس الاميركية كافة. هذا الفوز في واحد من وجوهه كان تصويتاً اميركياً ضد سياسة جورج بوش والحزب الجمهوري. فور اعلان النتائج انبرى المعنيون المباشرون بالسياسة الخارجية الاميريكة إلى التصريح، من اسرائيل إلى السلطة الفلسطينية فحركة حماس فالرئيس الافغاني فوزير الخارجية العراقي. الجميع يهنئون ويأملون. ثمة مطالب من الإدارة الاميركية وثمة مخاوف ايضاً، والجميع يترقب ما ستسفر عنه السياسات التي سيتبعها باراك اوباما وفريقه في البيت الابيض.
اوباما بدأ حملته الانتخابية مستنداً على وقائع تختلف جوهرياً عن الوقائع الحالية. اقله في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم وسبل معالجتها، فضلاً عن التطورات الدراماتيكية في منطقة الشرق الاوسط، من ايران إلى دول الخليج وصولاً إلى سوريا ولبنان، ومروراً بفلسطين واسرائيل التي تعاني من فراغ دستوري في سدة السلطة التنفيذية. وتالياً فإن برنامج المرشح الذي كان صالحاً في الحملة الانتخابية لم يعد يصلح برنامجاً للرئيس. على اي حال، يمكن لأي مدقق ان يلاحظ ان ما طرحه اوباما حيال القضايا الجوهرية التي تواجه المجتمع الأميركي ما زال غائماً وضبابياً. انه بمعنى من المعاني كلام عمومي، موجه في اصله وفحواه لجمهور يريد ان يسمع الشعار، لكنه لا يملك وقتاً لمناقشة اصل المعضلات. جمهور يراد منه ان يثق بالشخص وحكمته، لا ان يفاصل ويناقش في البرامج والسياسات. هذا الجمهور صوت لأوباما لأنه اعلن انه لا يريد الاستمرار بالنهج الذي يتبعه بوش، لكن التصويت الايجابي لم تتحدد مفاصله بعد.
لندقق قليلاً: ليس ثمة رأي محدد او اتجاه معين يريد اوباما ان يعتمده في موضوع حل الازمة المالية. من المؤكد، وهذا ما يقوله المحللون الاقتصاديون من دون استثناء بمن فيهم اولئك الذين مدحوا حكمة السوق الحرة المنفلتة من كل عقال في ما سبق، ان السوق لن تبقى حرة مثلما كانت. ثمة قيود ستكبل حريتها وقواعد ستوضع لتنظيم عملها. انما تحت هذا العنوان العريض، ثمة اتجاهات لا تحصى، وكل اتجاه يصيب بعض الفئات والدول والسلع بأضرار فادحة ويجعل بعضها الآخر مزدهراً. التركيز على دعم الاقتصاد الحقيقي في اميركا مثلاً وهو ما يدعو له جمهرة كبيرة من المحللين وحائزي جوائز نوبل، قد يؤدي، إذا ما اوتيت ثماره، إلى ضرب اقتصادات صناعية راسخة، من اليابان إلى المانيا وسائر اوروبا، فضلاً عن التنانيين الصغيرة. من جهة ثانية إذا ما ركزت سياسة اوباما الاقتصادية على تنمية اليد العاملة الماهرة في اميركا، وعلى بدائل الطاقة، مثلما اشار في اكثر من خطاب، فهذا قد يؤدي إلى الحاق اضرار فادحة باقتصادات الدول التي تعتمد على النفط وعلى التصنيع المتوسط والخفيف، شأن معظم الدول النفطية، كفنزويلا وايران والعراق، وشأن معظم الدول النامية في الصناعات، كحال الصين وماليزيا والمكسيك والبرازايل والهند. وإذا اعتمد اوباماً على سياسة تشجيع الاقتصاد المعولم ومركزته في اميركا والدول الاكثر تقدماً، فذلك يعني ان دولاً كثيرة متقدمة ستواجه مصاعب لا تحصى في اقتصاداتها في الفترة المقبلة.
واقع الأمر ان التغيير في الاقتصاد بات امراً لا بد منه. لقد استنفدت الخطة الاقتصادية الاميركية السابقة التي قطرت الاقتصاد العالمي وراءها طوال عقدين، كل محاسنها وانتهت إلى الانفجار الذي شهدناه في منتصف ايلول – سبتمبر الماضي. والقول ان اوباما آت للتغيير صحيح، لكنه تغيير فرض نفسه بالقوة وليس في وسع اي رئيس آخر ان يتجنب الخوض فيه.
هذا في الاقتصاد، اما في السياسة الخارجية، فلا بد ان اوباما سيواجه الآن احتمالات متعددة. صحيح ان مصلحة اميركا تقع فوق كل اعتبار. لكن مصلحة اميركا المرشح تختلف عن مصلحة اميركا الرئيس. الرئيس سيجد نفسه مطالباً من حلفاء تاريخيين بالاستمرار في التدخل، لن تدير اميركا ظهرها لإسرائيل، هذا مفهوم، لكنها قد تلتفت للفلسطينيين وقد لا تلتفت. وهذا بالنسبة للفلسطينيين امر جوهري وفي غاية الاهمية. ايضاً لن تستطيع اميركا ان تدير ظهرها للإرهاب الاصولي. خطة اوباما كانت تقضي بتحقيق نصر ساحق في افغانستان والانسحاب التدريجي من العراق في هذا المجال. انما من قال ان ثياب المواجهة مع اميركا تخاط بحسب ما يضع المصمم الاميركي خطوطه على القماش. المسألة سترتب اخذاً ورداً طويلين، وفي الاثناء، قد يحصل مفاجآت لا يمكن التكهن بطبيعة ردود الفعل الاميركية عليها. لكن ما يبدو واضحاً حتى الآن، ان اوباما يريد استغلال ما حققه بوش في هذا المجال من دون ان يكتوي بالنار التي تعرض لها هذا الأخير. بعض العرب يتخوفون من دعوة اوباما إلى التفاوض مع ايران. لكن المسألة لا تقاس بالضبط مثلما كانت تقاس يوم احتلت اميركا العراق. يومها كان ثمة رأي غالب في الإدارة الاميركية يفيد ان الرابطة العروبية هُزمت ولم يعد ثمة ما تبقى منها غير انظمة مهتزة، من مصر إلى المملكة العربية السعودية وصولاً إلى العراق وفلسطين. دخلت اميركا على خط العمل بمقتضى الحال. ثمة قوتان صاعدتان وينبغي التعامل معهما حصراً، هما ايران واسرائيل. اليوم يأخذ المحللون الاميركيون على بوش انه استعدى ايران منذ اللحظة الاولى. انما المسألة لا تؤخذ بهذه البساطة. لمن يريد ان يتذكر، وصلت طلائع الجيش الأميركي إلى بغداد، وكانت طلائع الحملة الإعلامية والسياسية تحاصر مصر والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن محاصرة ياسر عرفات في المقاطعة. لكن المملكة صمدت في مواجهة الهجوم واثبتت انها رقم دولي صعب، وكذلك كان الأمر مع مصر. اما في فلسطين فيعرف القاصي والداني ان اسرائيل لم تربح من اضعاف حركة ياسر عرفات، فالذي ربح فعلاً هو حركة حماس ومن خلفها الداعم الإيراني. اليوم مثلما هو واضح ثمة خيارات متشعبة، وربما تكون اسرائيل هي المعبر عن مدى الحيرة في هذه الخيارات. في المنطقة ثلاث قوى مقررة وحاسمة ولا يمكن تجاوزها، وهي قوى متصارعة في ما بينها على نحو لا يمكن اغفاله: العرب في صراع مع ايران، والعرب في صراع مع اسرائيل، اسرائيل في صراع مع ايران ومع العرب، وايران تصارع الطرفين. الخيارات الإسرائيلية واضحة على الطاولة: هل تعتمد الخيار السوري المودي إلى تسوية ما مع ايران يخسر بموجبها العرب بسبب تكالب قوتين ضدهما، وهل يمكن هزيمة العرب بهذه السهولة؟ ام تختار الخيار الآخر، وهي البحث عن تسوية مشرفة مع العرب لمحاصرة ايران، عبر اعادة تبني مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز للسلام التي اطلقها في بيروت؟ والارجح ان الإدارة الأميركية الجديدة لن تكون في منأى عن هذا كله، ذلك ان الوقت ضيق، وليس ثمة مجال للتردد. في هذه الحال مخطئ من يظن ان انسحاباً اميركياً سيحصل بين ليلة وضحاها. ومخطئ من يظن ان اوباما جاء ليعزل اميركا عن العالم. انه على الأرجح جاء ليعيد ادراجها في العالم كله قوة اساسية لا يمكن تجاهل مصالحها في اي بقعة من بقاع العالم.
اليوم صار باراك اوباما رئيساً. هذا يعني ان الوقت المستقطع في الأمل والرجاء قد انتهى. اميركا اليوم لديها رئيس منتخب، وهذا يعني انها ستستأنف استثمار قواها خارجياً وداخلياً على افضل صورة ممكنة. وبات من الضروري ان يقلع الجميع عن بيع الأوهام وصناعة الخيبات.
عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .