السبت، 15 نوفمبر 2008

بلال خبيز: استراتيجية الجنرال الرئيس

عودة سوريا ام تهجير لبنان؟
قلة من السياسيين اللبنانيين يجمعون مجدين في شخص واحد. الجنرال عون من هذه الفئة القليلة، فهو على ما نعرف من تجربته زعيم سياسي له باعه الطويل حكماً ومعارضة، وهو ايضاً كان قائداً عسكرياً. وهذا جمع قد يكون في حد ذاته مصدر قوة للجنرال وتياره، بمقدار ما هو مصدر ندرة وتفرد. لكن هذا الجمع لخاصيتين مميزتين في شخص واحد قد يغش الكثيرين، فبعض السياسيين من ذوي الباع الطويل في السياسة، وممن ليس له باع طويل في الحروب وقيادة الجيوش او الميليشيات، قد يحسب ان مصدر قوة الجنرال الفعلية والنبع الذي تتغذى منه شعبيته يتصل بخبراته العسكرية، خصوصاً وأنه يكاد يكون السياسي الوحيد بين سياسيي الصف الاول الذي يصعب ان يقول كلمة لا تتعرض للنقد من الجهات كافة. اما العسكريون الذين يفتقدون خبرة دهاقنة السياسة في البلد، فربما يحسبون ان الجنرال عون يستمد قوته من طول باعه في السياسة والزعامة. والحق ان الورقة التي قدمها الرئيس الجنرال ميشال عون على طاولة الحوار بوصفها استراتيجية دفاعية تكشف ان كلا الفريقين على خطأ.
لكن كون الفريقين اللذين يظنان الظنون بالجنرال الرئيس على خطأ لا يعني ان الجنرال الرئيس، او الرئيس الجنرال على صواب. ذلك ان مناقشة هادئة مع ما تضمنته الورقة قد يوضح ان اعتماد مثل هذه الاستراتيجية الدفاعية قد يكون انسب السبل لإغراق البلد في حمام دم اهلي لا قيامة له بعدها.
يصيب الرئيس الجنرال كبد الحقيقة حين يقول ان سلاحنا الامضى في مواجهة العدو الإسرائيلي هو وحدتنا الوطنية. هذا يقع في عين الصواب ولا جدال فيه. ليس ثمة في فريق 14 اذار من ينكر هذه الحقيقة، وليس ثمة في سوريا او ايران من ينكرها ايضاً. لكنها حقيقة تفرض علينا البحث عن إمكان تحققها. فهل ثمة من يوافق الرئيس الجنرال من اتباعه على اعتبار الوحدة الوطنية من نوافل السياسة اللبنانية؟ ام ان الرئيس الجنرال يعتبر ان هذا المطلب سابق لأوانه، وانه وبوصفه غير متحقق فعلاً في متن الاجتماع السياسي اللبناني، فلا بد لنا من الاستعانة بالاصدقاء للحماية والانتداب لمنع من يجب منعه وتجويز ما يجب جوازه؟ وفي هذا الإطار وما دمنا نتحدث عن عدوين خطيرين، استناداً إلى ما جاء في الورقة: العدو الداخلي، ويتضمن فضلاً عن الشقاق الوطني، الذي يشير الرئيس الجنرال إليه، السلاح الفلسطيني. والعدو الإسرائيلي وهو العدو الخارجي، مدعوماً من بعض اصدقائه في الغرب، وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية. والحق ان حشر السلاح الفلسطيني في هذه الزاوية يبدو غريباً بعض الشيء، إذ ربما وجب علينا ان نذكر الرئيس الجنرال، ان السلاح الفلسطيني هو بقايا سلاح كان يساجل في الداخل اللبناني مدعوماً من شطر واسع من اللبنانيين منذ الستينات من القرن الماضي بضرورة استمرار القتال غير المتكافئ بين لبنان واسرائيل، وهو ما قامت عليه اعتراضات من فئات لبنانية واسعة، بدءاً من الجبهة اللبنانية وصولاً إلى حركة امل في اواخر السبعينات. على اي حال، هذه ملاحظة عابرة، إذ ان الملف الفلسطيني في لبنان لم يعد ملفاً داهماً على هذا المستوى، منذ 1982 على اقل تقدير، وقد تغيرت اولويات معالجته من حدود اقامة دولة ضمن الدولة في لبنان، إلى حدود التخوف من العبث بالأمن. لكن تصنيف العدوين على هذا النحو يفرض علينا ان نتفكر ملياً في ما يريده الرئيس الجنرال. إذا كانت الوحدة اللبنانية غير متحققة وهي عدو خطير بحسب الورقة ويداني في خطره خطر العدو الخارجي، فما المقترح في هذ الحال؟ تعود سوريا او ما يشبهها إلى لبنان؟ والعودة السورية لا تعني هنا عودة الجيش السوري حرفياً، بل عودة الوضع الذي كان قائماً في ظل انتدابها. فما الرأي؟ لقد جربنا الهيمنة الفلسطينية المسلحة وانتهينا معها إلى ما انتهينا إليه، وجربنا الهيمنة السورية بيدها الثقيلة وانتهت إلى ما انتهت إليه. وحيث ان وحدتنا لم تتحقق بعد، هل يقترح علينا الرئيس الجنرال ان نستدعي جيشاً ايرانياً يضبط فروق وحدتنا ويمنعها من الانفجار؟ ام ان جيش حزب الله يكفي وحده لأداء هذه المهمة؟
لا احسب ان الجنرال الرئيس، وتقديم الجنرال على الرئيس في هذه اللحظة ليس مصادفة، يريد عودة سوريا إلى لبنان، او ما يشبه سوريا. هذا على الاقل ما نأمله. لهذا لا بد وان الجنرال يريد تحقيق الوحدة الوطنية. وتالياً لا بأس من جعل لبنان بكافة طوائفه ومناطقه مقاوماً ومسلحاً. هذا ما تقوله الورقة. إذاً، وبصرف النظر عما يتم اقتراحه من طريقة في التسليح والتدريب والانتشار للجيش اللبناني، فهذا امر نتركه لجنرالات الجيش انفسهم، يقررون فيه ما الصالح من الطالح، بصرف النظر عن هذه النقطة تقترح الورقة على اللبنانيين ان يتحولوا جميعاً إلى شعب مقاوم. والحق ان بعض الناس قد تغتبط ايما اغتباط بمثل هذا الاقتراح. ذلك ان الورقة، إذا شئنا التفصيل فيها وتسمية المسميات بأسمائها، تقترح على اهل طرابلس وعكار مثلاً ان يتسلحوا بأسلحة خفيفة وثقيلة ووسائط دفاع جوي ومضادات للدروع. ممتاز! لكننا على ما نعلم، نعرف ان الجنرال لا يكف عن ابداء الخشية من التغلغل الاصولي الإرهابي السني في شمال لبنان وبقاعه، متبعاً الادعاء السوري ومصدقاً الاعترافات المتلفزة. وحيث اننا لا نستطيع ان نكذب الجنرال، نريد ان نسأل، كيف يوافق الجنرال على تسليح سنة الشمال المشكوك بأصوليتهم على هذا النحو، وإذا تسلحوا، فضد من سيستعمل هذا السلاح؟ ثم ان الجنرال، ولزمن قصير مضى كان لا يكف عن موافقة حزب الله على ادعاءاته في ان وليد جنبلاط ومروان حماده وهما من ابرز زعماء الطائفة الدرزية، هما عميلان لأميركا وحبيبان لغوندوليزا رايس. فهل يجوز ان يشمل التسليح، بحسب رأي الجنرال، اتباع هذين، ام يجدر بنا ان نطردهم جميعاًً من البلد؟
من هنا نصل إلى بيت القصيد. ذلك ان امين عام حزب الله اعتبر الورقة العونية ورقة جدية وذات مصداقية. ولنصدق ان ذلك صحيح، وان ما يقال علناً هو نفسه ما يقال سراً: إذاً من المفروض ان يطالب سمير جعجع ايضاً بتسليح قواته اللبنانية لمواجهة اسرائيل. هل ثمة ما يمنع سيدي الجنرال؟
الأرجح ان هذا كله لا يغيب عن بال الجنرال، ولا حزب الله. وإذا كان هذا الامر صحيحاً، فذلك يعني ان خطة الجنرال التي وافقه حزب الله عليها، تقضي لتنفيذها بتهجير السنة الاصوليين والموارنة العملاء والدروز المتعاملين، وبعض الشيعة ممن يتبع هؤلاء من لبنان مرة واحدة وإلى الابد، فلا يبقى فيه غير الشيعة المقاومين ومن كان على شاكلة العماد عون من جرأة وقوة شكيمة ورغبة في القتال حتى الاستشهاد او النصر.

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .