الاثنين، 10 نوفمبر 2008

ايمن جزيني: العلاقات الأخوية: الكبير يرث الصغير

الإستقلال الموقوف
تحفظ النظرة الجامعة والمطارحات والمناقشات السورية التي أطلقها وزير الخارجية وليد المعلّم خلال الإعلان مع نظيره اللبناني فوزي صلّوخ عن تبادل العلاقات الديبلوماسية بين بيروت ودمشق أضداداً ونظائر لا تنفكّ عن هذر شعارات حقبة الوصاية التي تطاولت زهاء ثلاثين عاماً. فالرجل لم يتأخّر في الاستدلال بمضامين "الاخوة" للإسترشاد بها سبيلاً إلى المرحلة المقبلة. هكذا يفترض الديبلوماسي السوري المفوّه أن "الاخوة" تحلّ أصلاً محل القانون الدولي ومندرجاته، وتحلّ مكان الأصول الديبلوماسية المفترَضة بين البلدين. وتنهض روابطها (الأخوة) بإزاء العلاقات الدولية وشرعيتها وأصولها. وتقوم قيداً على أي أصول إجرائية. وتوجب حقوقها ومطاليبها لمصلحة نظام بعثي عتيق لم يعترف باستقلال لبنان، إلا إثر خضوعه خضوعاً مطلقاً لضغوط دولية ما انفكّت تلوّح له بعظائم الأمور، فيما هو يتلفّع بموجبات القومية وهذيانها ويصم النوازع الاستقلالية للبنانيين بالعمالة والتآمر على حكمه الذي طاله عقوداً. فلغة المعلّم وتوسّله بـ"الاخوة" تشي بتحفّظ وتسعى في مجانبة كل تجريب أو اختبار حصل بين البلدين، أُخضع الأصغر فيهما لجبروت الأكبر وتسلّطه. وهي لا تنضح بمعنى غريب عن سنوات "سورنة" البلد وتعريبه على مثال حزب البعث ومنابته الشعبوية والعامية المنشأ. ومحاولة الناطق باسم النظام نسب الديبلوماسية إلى مفاهيم عائلية قرينة جليّة على ضلوعه ومَن يمثّل في مقدّمة واحدة وُضعنا فيها قبل ثلاثة عقود ونيّف، وفي أفق واحد. فلا يجد جواباً عن بقاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري، إلا أن العلاقات الديبلوماسية لا تؤدي إلى إلغاء هذا المجلس، وهو كلام لا يتفق وأصول القانون الدولي، وينمّ عن نوازع مستترة تاريخياً لتفريغ الإعلان من مضامينه السيادية ومفهوم قيام العلاقات بين الدول المستقلّة. وينبغي ألاّ تكون هذه الحال غريبة ولا عجيبة. فالعقود الثلاثة التي وقع فيها لبنان أسيراً للوصاية والهيمنة السوريّتين أرست سياقاً سياسياً نهض على وأد مطاليب الاستقلال والسيادة والحريّة. والحال هذه، فإنه لا سند سياسياً أو قانونياً لاستنكاف هذا النظام طوال العقود المتعاقبة عن التبادل الديبلوماسي إلا تلفعه الشعارات القومية ووحدة الأمة العربية على مثل حزبه وجماعاته. وحين يستقوي السيد وليد المعلم بمفاهيم "الاخوة" مدرسةً للعلاقات الديبلوماسية رداً على أسئلة صحافية، فإنما هو يستنجد فعلاً وفكراً بتراث يعرفه ويقرّ به سبيلاً للعودة إلى السيرة الأولى التي كان عليها لبنان من إخضاع وإذلال. والحال هذه، فإن ديبلوماسياً هذه لغته وهذا إجماعه المضمر وسعيه المعلن، وانقاد لمفاهيم أرستها الاستخبارات طويلاً، لا يُتوقَّع منه أن يتداول في القوانين وهيئاتها وأبنيتها. وما قد نقع عليه منه لا يتجاوز الثقافة السياسية لآداب الإشتراكية والثورة والتوحيد القومي. وهو يحسب انه ملزم تمييز منطق الديبلوماسية من منطق العائلات وسطوتها وتقاليدها، الذي يقوم على القوّة والتسلّط والاستبداد، ومن خارج السياسة وعلمها وتسييرها. ويسع اللبنانيين أن يسألوا القائمين على تدبير أمورهم عموماً وموالي سوريا خصوصاً أسئلة يبعث إغفالها على الهذيان. والسؤال الأول الذي يمكن طرحه: من يصرّ على بقاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري؟ وهو يتناول الاستخفاف بطبيعة العلاقات الديبلوماسية التي تقوم بين الدول، لأن التهوين من أمر بقائه هدفه التستّر على قنوات لتسرّب نفوذ الهيمنة مجدّداً إلى البلد. ويتناول السؤال الثاني شطراً من السؤال الأوّل ويدخل في بابٍ مباشرة النظام السوري لنظم علاقاته مع الدولة اللبنانية بناظم القانون الدولي، ويُسأل (النظام السوري) عن سبب الإصرار على معارضة إجماع لبنانيين غير مسبوقين تجاه الاستقلال والانعتاق من قيود الوصاية المديدة؟ أمّا السؤال الثالث فموضوعه: لماذا يُضعف النظام السوري الجهد اللبناني للقفز فوق ماضي الهيمنة السوريّة وما أفضت إليه من اغتيالات واعتقالات ومفقودين وتدمير للدولة تدميراً لم تقم منه بعد؟ ولماذا يصرّ أيضاً على التسريب والإيحاء عبر بعض الصحف العربية، وعبر مواليه عندنا، على أن سفيره المزمع تعيينه في بيروت قد يكون واحداً من قادة استخباراته الذين أقاموا مديداً في مقار التعذيب ورسم سياسة لبنان جماعات وأبنية سياسية ودستورية وهيئات؟
الواقع انه يتعذّر على النظام السوري صوغ الإجابات في لغة سياسية تدل على وقائع وحيثيّات، فمن ينيط بنفسه تأجيل القرارات الدولية وتدبير العلاقات الديبلوماسية تدبيراً أهلياً وأخوياً مضطرباً، انّما يهجس بعالم ينفرد به وحده، ولا يعكّر صفو انفراده به ضياع الأرض على ما هي الحال في الجولان، ولا عزلة دولية عاشتها بلاده لسنوات ثلاث مضت. ولا يأبه رجال النظام السوري وموظّفوه، ممّن تربّعوا على لبنان لتعليل سياستهم، فهم يفترضون ان الدول ومنها لبنان لا تكون إلا متى صارت على مثال سوريا قيادةً وشعباً وحزباً، وان السياسة حرفة مقصورة على مَن يوالي رأس النظام. ومن اليسير على هؤلاء أن ينقلبوا من سياسة إلى أخرى ومن حالٍ إلى نقيضها، وأن يزعموا لأنفسهم تمثيل الدول والمجتمعات مجتمعةً، وأن يضربوا عرض الحائط بمصالح الجماعات الأخرى خصوصاً اللبنانيين بذريعة تمثيلهم هم وحدهم الهمّ القومي والعروبي. وبإزاء كثرة الدواعي التي يسوقها هؤلاء، يبدو أن إقامة علاقات نديّة بين لبنان وسوريا لا تزال عصيّة المنال على اللبنانيين، الذين تتوارى بعض جماعاتهم الأهلية خلف لغات وشعارات رتيبة وخائبة. ولا يني يُنيط هؤلاء، ومواليهم عندنا، صون وحدة البلد وسلمه المضطرب اضطراب جماعاته، بعدم المسّ بهيمنة سوريا والمسمّاة "مصالح سوريا"، أما كيف حصلت هي على توكيل بتدبيج سياسة لبنان، وعن طريق أي علاقة وتعامل مع المجتمع الدولي، وكيف أمسكت بوجهة البلد، فمسائل لا مجال للخوض فيها، وهي مسائل إن سار اللبنانيون وبعض سياسييهم في مسالكها ومعارجها فقد تفجّر اجتماعهم وتذرّره. ولم تعدم سوريا عذراً أو سبباً إلا تذرّعت به لتبرير سطوتها وتدخّلها في الشأن اللبناني، ما أفضى دائماً إلى تسلّط وقهر نزلا على اللبنانيين بما لا طاقة لهم على احتماله. وأدى التعويل السوري على تلقائيّة المجتمع الدولي وكُثُر من اللبنانيين في قبول الهيمنة، إلى اعتبار الدولة وأبنيتها السياسية والدستورية والحقوقية والديبلوماسية تحصيلا حاصلا. ولعلّ إعجاب وزير الديبلوماسية اللبنانية المفوّه كثيراً أيضاً فوزي صلوخ بـ"الاخوة" لتعزيز العلاقات بين البلدين من دون الانتباه إلى ما هو مأمول لدى اللبنانيين، أو الاستقلاليين منهم، قرينة على ضعف سياسي وهشاشة أصليين.
الحقّ ان استقلال البلد لن يكون ناجزاً، إلاّ متى توقّف النظام السوري عن اختراق السيادة الداخلية عبر ميليشياته ومواليه الفلسطينيين واللبنانيين. فـ"الاخوة" التي يفترضها المعلّم ويبتسم لها منتشياً نظيره صلوخ تفترض صدوع السفيرين المزمعين، في دمشق وبيروت، عن مهامهما وعما يوجبه عليهما القانون الدولي، لصالح الاضطلاع بمهام بروتوكولية والابتسام أمام الكاميرات التلفزيونية والصحافية. فلا شيء قانونياً أو سياسياً يبرّر استمرار وجود المجلس الأعلى اللبناني - السوري، إلا إذا كانت النوازع السورية على حالها وتتجه إلى تنفيذ الإعلان عن التبادل الديبلوماسي "تنفيذاً معلّقاً" على حسابات أمنية وعسكرية مستقبلية تجعل استقلال البلد "إستقلالاً موقوفاً". ولم يسبق أن قدّم المجلس إنجازاً أو بادر إلى فعل سياسي يطمئن اللبنانيين أو يحدّ من قلقهم وهواجسهم على هويّتهم. وعلى خلاف المأمول منه في الحفاظ على استقلال البلد، فقد نظّم هذا المجلس ورعى توقيع 142 معاهدة واتّفاقا لم تترك شيئاً من الجمهورية الثانية إلاّ ربطته بسوريا. ولا يحميه قول بعض موالي النظام السوري ان المجلس الأعلى يمكن أن يتحوّل إلى مؤسسة على غرار مجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد الأوروبي، فذلك يفترض أولاً وجود علاقات طبيعية بين دول ذات سيادة واستقلال تام وتقيم علاقات ديبلوماسية طبيعية في ما بينها، أسوة بالاتحاد الأوروبي الذي تتشابه أنظمة حكم الدول الأعضاء فيه لجهة ديموقراطيتها.لعلّ الوصف الأكثر صوابيّة في وصف معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" كان لعميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون ادّه عندما قال: "النظام السوري يريد تحويل لبنان ولاية سوريّة في عملية تبعية مذلّة، وان المعاهدة مجرّد عملية احتلال مقنّع ألقت ظلال العبودية على لبنان". آنذاك ردّ وزير الخارجية فاروق الشرع الذي اعتبر ذات مرة ان القرار 1559 موجّه ضد إسرائيل ولا علاقة لسوريا به "ان سوريا لا تسعى إلى الوحدة الآن مع لبنان، لكنّها تكتفي في الوقت الحاضر بالتنسيق والتعاون معه".
عن ملحق النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .