الخميس، 13 نوفمبر 2008

حازم صاغية: تمرد بلا قضية

صلوخ اجمل من ليفني نكاية بالمطبعين
ماذا لو قال أحدنا، أو أحدهم، إن تسيبي ليفني، كوزيرة خارجيّة لإسرائيل، أجمل من فوزي صلّوخ، كوزير خارجيّة للبنان؟
هل يُعدّ كلام كهذا تطبيعاً مع «العدوّ» إيّاه؟
المثال أعلاه الذي لا يخفي السخرية يدلّ الى الحدود العبثيّة التي يمكن أن تبلغها موضوعة «التطبيع» ومحاربة «التطبيع»، وهما تعبيران لم يعمل مرور الزمن وكثرة الضجيج على التوصّل الى تعريف لهما.
لكنّ ما يُلاحَظ اليوم ان احتدام الصراخ ضدّ التطبيع يترافق مع خواء كامل للقضيّة التي يُفترض أنها سبب معاداة التطبيع. فكأنّنا حيال «ألبوم صور العائلة الموسّعة» كما وصفته سوزان سونتاغ: «غالباً ما يكون الألبوم كلّ ما تبقّى من العائلة تلك».
والحال ان هذه الاستعاضة بـ «الثقافيّ» عن ضمور القضيّة تضع المسألة برمّتها في خانة العبث، ان لم يكن الهزل، بحيث يغدو من الجائز إجراء مقارنات «جماليّة» بين ليفني وصلّوخ تُبنى عليها خلاصات «سياسيّة».
غالب الظنّ ان القضية الفلسطينيّة ترحل عن عالمنا الى عالم آخر لا يزال غامض الطبيعة والمكان. يُستدلّ على ذلك بتطوّرات ووجهات عدّة قد يكون أكثرها مباشرةً وحضوراً نزاع «فتح» و «حماس» والانشطار الى ضفّة غربيّة وقطاع غزّة، مع انسداد محاولات المصالحة وآخرها «حوار القاهرة» العتيد.
بيد أن ذلك ليس العلامة الوحيدة على ما تؤول إليه القضيّة من خواء. فعن ذلك تتوالى إشارات في عدادها ان الكلام على إسرائيل لم يعد يقترن بالكلام على فلسطين. فنحن بتنا نقرأ ونسمع ألف مرّة اسم الدولة العبريّة في معرض الهجاء أو الإدانة، مقابل كل ذكر واحد لفلسطين. والأمر ليس لغويّاً، إذ هو يشير الى استقلال العداء لإسرائيل بذاته وانفصاله عن كل هدف يُفترض بهذا العداء أن يخدمه. وإذ يعرّف الناشطون المحليّون أنفسهم بـ»معاداة إسرائيل»، يُلاحَظ أن أكثر من يردّد كلمة فلسطين اليوم الناشطون الإنسانيّون والسيّاح الثوريّون خارج فلسطين، وهم يردّدونها بكثرة تتناسب مع مدى البُعد الجغرافيّ عن ساحة المواجهة المفترضة.
لكن خواء القضيّة له وجه آخر هو أنه بات في وسع أيّ كان تمثيلها والنطق باسمها. وإذا كان الإسلاميّون هم راهناً شيوخ هذين التمثيل والنطق، بحيث جعلوا القضيّة الفلسطينيّة نوتة في سيمفونيّة إسلامويّة، فالأمر مشاع للنظام الإيرانيّ، وللنظام السوريّ، على رغم انخراطه في تفاوض غير مباشر مع اسرائيل. ويبلغ الهزل مرتبة متقدّمة جداً حين يعبّر ميشال عون، الذي يبزّ الإسرائيليّين عداءً للفلسطينيّين، عن غيرته على القضيّة الفلسطينيّة من خلال خطّة دفاعيّة تعيد الاعتبار لمحاولة سابقة في جعل لبنان «هانوي العرب».
واستطراداً، لم يعد هناك من «قضيّة العرب الأولى» إلا توظيفها في صراعات المحاور الاقليميّة، وفي رغبة هذه الدولة أو تلك تحسين شروطها التفاوضيّة مع الولايات المتّحدة. ولمّا كانت الأخيرة قد اقترعت لرئيس جديد موصوف بالاعتدال والاستعداد للحوار في ما خصّ المنطقة، فلنتوقّع احتدام المباراة في زعم التمثيل وادّعائه.
من هنا يجيء التركيز على التطبيع تمرّداً بات يفتقر الى السبب أو القضيّة، على ما عُنون فيلم شهير لجيمس دين. ويزداد مناهضو التطبيع صراخاً كلما ازدادت القضيّة ضموراً وتعرّضاً للذوبان. لكن لما كانت البيئة الأكثر تشدّداً في مناهضة التطبيع هي البيئة الأقلّ انتاجاً للإبداع، بتنا أمام كرماء من جيوب غيرهم، لا يفضي سخاؤهم إلاّ الى الإمعان في إفقار مجتمعات فقيرة أصلاً.

عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .