الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

بلال خبيز: حراس الدم

اميركا ليست عدواً إلا حين تزور كوندوليزا رايس لبنان

لا اعتراض على حوار الأديان في ذاته. الإعتراض في الحقيقة على دعوة اسرائيليين تلطخت أيديهم بدماء العرب ويبدو أنهم عقدوا النية على تلطيخها أيضاً بدماء الإيرانيين. لكن حوار الأديان في ذاته أمر محمود ومشكور لولا هذه المشكلة. والحال، على الدول الإسلامية ان تحاور من اليهود من يستطيع أن يثبت بالشواهد والقرائن، أنه لم يلطخ يديه بدم عربي أو اسلامي، وإذا ما وجدنا سجله نظيفاً وناصعاً، فيمكننا ان نحاوره أو نسمح له بإلقاء كلمة على منبر الأمم المتحدة. ذلك اننا نحاور من موقع القوة، ألم يقل الرئيس أحمدي نجاد إن العد التنازلي لزوال اسرائيل قد بدأ، إذاً لماذا ننقذها من المأزق التي هي فيه، ونقبل أن نكون تحت سقف الأمم المتحدة مع بعض قادتها، بل وفي قاعة واحدة؟ والحال، ليس محموداً أبداً ان نغذي محطات الكهرباء الإسرائيلية بالوقود، فلتبق غارقة في الظلام، وايضاً ليس من الحكمة، ما دامت حال اسرائيل على ما هي عليه، أن نفك الحصار البحري والجوي والبري عنها، وان نسمح للسفينة التي تقل بعض دعاة السلام بالوصول إلى شواطئ إيلات. والأهم من ذلك كله، يجب ألا نسمح لقادتها بالخروج من ملاجئهم، والتنقل كما لو انهم يعيشون في بلاد آمنة.إسرائيل، ستزول، فما الحاجة إلى عقد حوار مع قادتها؟ في وسعنا الانتظار بضعة شهور أخرى، وعند ذلك نحاور من تبقى من الشعب اليهودي، ولا مانع من أن نضع شروطاً معقدة. من قبيل ألا يكون المدعو إلى الحوار واحداً ممن سبق أن خدموا في الجيش الإسرائيلي، أو يحمل الجنسية الإسرائيلية. وإذا ما توافرت فيه هذه الشروط، فعليه أن يعلن جهاراً نهاراً، انه نادم على ما فعله بنو دينه، وانه يريد التكفير عما ألحقوه من أذى بالشعوب العربية والإسلامية. من دون اعتماد مثل هذا المنطق لا يمكن ان يستقيم الهجوم على العاهل السعودي لأنه استمع إلى كلمة شمعون بيريز في نيويورك. ذلك ان المهاجم يحسب أن نهاية اسرائيل باتت وشيكة، وليس ثمة سبب يدعونا إلى القبول بها عضواً في الأمم المتحدة أصلاً. وكان حرياً بنا ان نطردها من عضوية هذه الهيئة الدولية، وإذا لم ننجح في ذلك فعلينا أن نطرد أنفسنا.والحق ان طرد انفسنا من كل مكان جار على قدم وساق، فليس ثمة مكان تحت شمس هذا العالم، يرى فيه المعزول دولياً انه منتصر سوى تحت شمس هذا المنطق. وليس ثمة مكان في العالم، يقول فيه عرب (أقحاح) إنهم انتصروا على الأميركيين في العراق في وقت جاوز عدد الضحايا العراقيين مئات الألوف، فلو كنا مهزومين كم كان ينبغي على العراقيين ان يموتوا بعد؟والحق ان اعتبار الدم حائلاً لا يجوز مع إراقته الحوار، هذا إذا اعتبرنا الدعوة التي وجهت إلى رئيس دولة اسرائيل لحضور المؤتمر بمثابة عقد حوار، يوجب علينا ان نسأل حراس الدم، ما العمل حيال سوريا، بعدما ثبت ان أيديها مغمسة بدم لبناني، وان رائحة المساجين اللبنانيين ما زالت عالقة على جدران سجونها. ينبغي علينا ان نسأل، لأن المهاجم في هذه الحال، يريد احلال الدم محل كل عمل سياسي، وإقامة الثأر مقام كل خطاب. لا أحد يريد ان يسامح إسرائيل على جرائمها. إنما ايضاً لا احد يجدر به ان يسجن نفسه بين جدارين، واحد سوري وآخر ايراني، هذا إذا كان الجدار السوري لا يزال جداراً.معذور من نذر نفسه للمقاومة، حين لا يرى اي نتيجة ايجابية يمكن ان تنجم عن عمل دبلوماسي او مفاوضات مباشرة او غير مباشرة. لكن ذلك يعني بالضرورة انه كان المفترض أن نقتحم سجون إسرائيل ونحرر أسرانا منها، لا أن نخرج عميد الأسرى اللبنانيين، سمير القنطار بصفقة، هي وليد تفاوض، مباشر او غير مباشر.في وسع المفوهين ان يقيموا الحد الفاصل بين التفاوض المباشر وغير المباشر: هذا حرام وذاك حلال. انما ايضاً يجب ان نتذكر ان اي تفاوض غير مباشر هو اعتراف لا يرقى إليه الشك، بأن الخصم والعدو ما زال يملك من القوة ما يمكّنه من حماية سجونه، وما زال يملك جيشاً يستطيع ان يحتل سماءنا، نحن اللبنانيين، إذ ان السماء السورية مصونة ولا تنتهك، بيوم واحد، وان يفرض علينا حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً ساعة يشاء. ولا يعصمه من ذلك إلا بعض الضغوط الدولية الفاعلة. وما زال حتى اليوم يمنع قادتنا وزعماءنا من التنقل بحرية المحرر والمحرر، بالكسر والفتح على التوالي.كان محمود درويش يقول: من حسن حظنا نحن الفلسطينيين اننا ابتلينا بعدو على هذا القدر من الحضور الدولي، ذلك ان حضوره القوي يعني ان ضحاياه تحضر معه، لأنه يقع في دائرة الضوء. ويقول أيضاً من سوء حظنا البالغ اننا ابتلينا بعدو على هذا القدر من الحضور الدولي، لأننا في هذه الحال لا نستطيع ان نصل إلى مرتبة الضحايا من دون شلالات دم فلسطينية.ومعنى هذا كله، ان حضور قضيتنا الدولي كان ولا يزال، خطاً نعلقه على ساعة العدو الإسرائيلي. فنحن نحضر بوصفنا ضحاياه، وليس بوصفنا نوازيه في الحضور. ذلك يعني اننا نحضر موتى وهو يحضر قاتلاً. مع ذلك، لم يدعَ هذا العدو الواضح الحضور إلى قمة العشرين.وفي هذا التجاهل الدولي ما يعلمنا بعض الدروس الصغيرة والمتواضعة: المملكة العربية السعودية دعيت إلى قمة العشرين، بوصفها من الدول التي ينبغي أخذ مصالحها الاقتصادية في اعتبار العالم. هل يعني هذا لأحد شيئاً؟مع ذلك، ثمة من يظن ان حضوره الدولي المتأتي من اعتماده سياسة قطاع الطرق، يجعله دولة عظمى. هذا وما زال في ايران وسوريا من يغذي أملاً في ان يلحظ الرئيس الاميركي المنتخب اطلاق مفاوضات مباشرة معهما. اميركا ليست عدواً إلا حين تزور كوندوليزا رايس لبنان!

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .