الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

براميت بال شودوري: الهند تنشق على المهووسين بأوباما

الفشل الذي قد يكون وحيداً

إن الهند من بين بضع عشرات من البلدان، التي تتركز في آسيا وإفريقيا إلى حد كبير، حيث ارتفعت المشاعر لمصلحة الولايات المتحدة أثناء إدارة جورج دبليو بوش. ومع ذلك فإن عدد الهنود الذين أيدوا انتخاب باراك أوباما كان أكبر من عدد أقرانهم الذين أيدوا جون ماكين. ما الذي يفسر هذا التناقض الظاهري؟
إن السبب الرئيسي وراء نجاح إدارة بوش في التعامل مع الهند يكمن في اعتقاد مفاده أن نهضة الهند كانت مفيدة لمصالح الولايات المتحدة. ولقد دفع ذلك الاعتقاد بوش إلى السعي نحو تعديل النظام الدولي لمصلحة الهند، خصوصا عن طريق التفاوض للحصول على إعفاء للهند من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وكانت النتيجة الخالصة علاقات أوثق بين الهند والولايات المتحدة، ونظرة إيجابية إلى بوش تجاهلت تصرفاته غير الشعبية، مثل غزو العراق.
الحقيقة أن انتخاب أوباما- أو بمعنى أدق نجاح أحد أفراد الأقلية غير البيضاء في التنظيم السياسي الديمقراطي الأقدم في العالم- أَسَر مخيلة العديد من الهنود. ولقد احتفت به وسائل الإعلام وطبقات المفكرين. ومن بين أشد مؤيدي أوباما حماساً في الولايات المتحدة كان أفراد الجالية الهندية القوية التي يصل تعدادها إلى ثلاثة ملايين نسمة. حتى أن أحد مستشاري أوباما قال: «لا يمكنك أن تنظر حولك في معسكر أوباما دون أن يقع نظرك على أميركي من أصل هندي».
أثناء فترة الإعداد للانتخابات، لم يكن بوسع العديد من الهنود أن يصدقوا أن أميركي من أصل إفريقي قد يُـختار للإقامة في البيت الأبيض. ولا شك أن انتخابه كان سبباً في تعزيز مكانة الولايات المتحدة باعتبارها أرضاً للفرص الحقيقية، والأمة التي كانت مؤهلاتها ككيان متعدد الثقافات لا تقل عظمة، أن لم تكن أعظم، من مؤهلات الهند المتعددة اللغات والأعراق.
إن أعظم الشكوك التي تحيط برئاسة أوباما تكمن بين أهل النخبة الاستراتيجية الهندية، الذين يركزون جهودهم كافة على دعم المصالح الاقتصادية والسياسية للهند في العالم. فقد وجدوا في بوش حليفاً قوياً لهم في هذه القضية. وأياً كانت مؤهلات أوباما العرقية فقد استشفت حكومة الهند من تصريحاته ما دعاها إلى الاعتقاد بأنه سوف يكون أقل دعماً من بوش لقضيتها.
فالهند في المقام الأول تشعر بالقلق لأن أي إدارة ديمقراطية في أميركا سوف تضم أنصار منع الانتشار النووي أنفسهم الذين عارضوا إعفاء بوش للهند. كما صرح أوباما علناً بأنه يعتزم الدفع نحو التوصل إلى معاهدة شاملة لحظر الاختبارات النووية، وهي المعاهدة التي تعارضها الهند لأنها ترى أن استعداداتها للردع النووي لم تستكمل بعد.
والأمر الثاني أن أوباما هاجم الاستعانة بالخدمات في الخارج في بلدان مثل الهند، وهاجم انتقال وظائف التصنيع إلى آسيا ككل. كما ألمح مستشاروه إلى أنهم سوف يسعون إلى إدراج شروط اجتماعية، مثل معايير العمل، ضمن أي مفاوضات تجارية دولية مقبلة. ورغم أن المرشحين يميلون إلى التراجع عن مواقف الحماية بمجرد تسلمهم لمقاليد السلطة، فإن سيطرة الديمقراطيين على مجلسي النواب والشيوخ قد لا تعطي أوباما أي مجال للتراجع.
ثالثاً، أعلنت الإدارة الديمقراطية أنها سوف تضع قضية تغير المناخ على رأس اهتماماتها السياسية العالمية. وإذا انصب التركيز على التخفيف من إنتاج الكربون بالاستعانة بسبل تكنولوجية فلن يكون هناك من الأسباب ما يدعو إلى الانزعاج الشديد. أما إذا امتد الأمر إلى فرض المزيد من التدابير القسرية مثل تعريفات الكربون وما إلى ذلك، فمن المرجح أن تتحول مسألة تغير المناخ إلى صراع حول أمن الطاقة. وهذا من شأنه أيضاً أن يؤلب البلدان التي ستصبح في المستقبل من أضخم مصادر الانبعاثات الكربونية، مثل الهند والصين، ضد مصادر التلوث الحالية مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
أخيراً، تشير المحادثات التي جرت مع عدد من مستشاري أوباما، والتصريحات التي أطلقها هو ذاته، إلى أن الهم الأمني الأول لدى واشنطن أثناء السنوات القادمة ينصب على أفغانستان وباكستان. منذ عدة أسابيع قال أحد مستشاري أوباما أمام جمع من الهنود: «لقد أصبحت العراق من مشاكل الماضي».
يقول مستشارو أوباما إن الاضطرابات العصبية الوظيفية التي يعانيها النظام الباكستاني تكمن في قلب هذه المشكلة. فباكستان تعاني الصراع الداخلي وتميل إلى رؤية مؤامرات تحاك ضدها في كل مكان، من جانب كل جيرانها تقريباً، ومن جانب الولايات المتحدة في كثير من الأحيان. وعلى هذا فإن الولايات المتحدة حريصة في هذه الأيام على تهدئة هذه المخاوف. ومن بين عناصر هذه السياسة الرامية إلى طمأنة باكستان، والذي تكرر كثيراً على لسان أوباما، وفي مقابلة تلفزيونية جرت أخيراً: «محاولة حل أزمة كشمير حتى يتمكن الباكستانيون من التركيز على تلك المجموعات المسلحة، وليس على الهند».
وهو في الحقيقة هدف معقول، ولابد أن يعترف زعماء الهند بأن تحقيق هذه الغاية يصب في مصلحة بلادهم. ولكن أي عملية سلام في كشمير يُـنظَر إليها باعتبارها نتيجة لضغوط من جانب الولايات المتحدة فهذا يعني وفاتها قبل وصولها إلى الهند. إن كشمير عبارة عن حقل ألغام دبلوماسي. وأي خطوة خاطئة من جانب إدارة أوباما الجديدة من شأنها أن تسفر عن تجميد عميق للعلاقات بين الهند والولايات المتحدة لسنوات.
في نهاية المطاف نستطيع أن نقول من خلال المؤشرات إن إدارة أوباما الجديدة سوف تسعى إلى استعادة الوضع الدولي «الراهن» الذي كان سائداً قبل رئاسة بوش. وهذا يتضمن استعادة العلاقات مع أوروبا، وإحكام نظام منع الانتشار النووي، وربما استعادة الصين كمركز لسياسة الولايات المتحدة في آسيا. وإن كان الأمر كذلك فإن السؤال المطروح أمام الهند هو ما إذا كان تحقيق هذه الغايات سوف يتأتى على حساب تقليص المساحة الدولية التي اكتسبتها الهند في عهد بوش.
إذا حدث ذلك فهناك احتمال قوي أن تكون المنطقة التي ستفشل إدارة أوباما في إحراز أي تقدم في إطارها هي دفع العلاقات بين الهند والولايات المتحدة إلى الأمام في أي مجال يخرج عن الشراكة الاقتصادية البحتة.


* كبير محرري صحيفة «هندوستان تايمز» وعضو المجلس الدولي لجمعية آسيا.



«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .