الجمعة، 28 نوفمبر 2008

دلال البزري: لحظة تأسيسية لعصر مقبل

كان الامل غائباً واحياه
نحن، مواطني العالم غير الاميركيين، اشدّ ما يحيي خيالنا السياسي في إنتخاب أوباما، ليس سياسته المحدّدة فحسب، والمقبلة على «مقاومات» او مساومات مريرة... قد تؤدي الى عرقلة تجسيدها، أو حتى الى فشلها. ما يحيي خيالنا ايضا هو ذلك الجانب الرمزي من هذا الانتخاب، والمنطوي على معان ودلالات. كانت البشرية عشية هذا الحدث تتمرّغ في الاجندات البائسة اليائسة، في الفوضى العارمة ووسط إنسدادات الافق. كان الامل غائباً، ووحدها الهويات القاتلة عاملة على الارض. أحيا اوباما الامل. وقياس درجة الاحياء تتمّ، من بين ما تتمّ، بتخيُّل الحال لو فاز خصمه ماكين. فقط تخَّيل: بعدما رفَعنا اوباما المرشح نحو افق محتمل... اليأس الاضافي الذي كان سوف ينتابنا، نحن مواطني العالم غير الاميركي.كانت الكراهية العرقية والدينية والاثنية، فانكسر حاجزها رمزيا وباتَ ممكنا توسّل عولمة لا تتسبّب بتعميم العصبيات الدموية العنيفة. عولمة الهويات الوثّابة حيال بعضها، التواقة للغة اخرى. لو فشل اوباما وفاز ماكين، لكنا عزّينا انفسنا بفكرة الاديب الروسي ماكسيم غوركي، والقائلة بأن الامور سوف تبقى سيئة بما يكفي كي لا ينطفىء في قلب الانسان الامل بحياة افضل.لا نتوقف عن التكرار لأنفسنا وفي سريرتنا: «رئيس اقوى دولة في العالم مكوَّن من نصف كل شيء: اسود وابيض، مسلم ومسيحي، اميركي وكيني... تكرار يُنْبت في مكان ما من مخيلتنا فكرة ان العولمة البدلية التي لطالما نودي بها... قد بدأت ثقافيا، ودشنها اوباما... امل بان نلتقي نحن البشر متحرّرين، قدر ما يفسح الامل، من أوهام القوة وإبتزاز الضعف... وعلى غير الأخروية الكارهة، والمناضلة من اجل القوة او الحقوق.نحن مواطني الدولة العربية، اشد ما يحيي خيالنا السياسي وينعش آمالنا الرمزية الضربة التي وجهها فوز اوباما للديماغوجيا الدينية الممانعة والجهادية الارهابية، وقد بنتْ هذه الاخيرة عزّها بيننا بخيرات سياسة العهد البوشي الهوجاء والصلفة. فالولايات المتحدة ليست ارض الشر المطلق. الاميركيون مثلنا: يختلط فيهم الشر بالخير. طغى الشر البوشي وتغوّل، فردّه الاميركيون على اعقابه. وذلك بفضل نظام يسمح لهم بتصحيح اتجاه سفينتهم الجانحة، ومعها سفننا، نحو اليأس والكراهية والخراب. نظام قام تاريخيا على الابادة والعبودية والعنصرية وها هو يأتي بمن ينقضهم بعد نضال مرير وطويل وتتالي اصلاحات وتحقيق مطالب. ولا ننسى ان الادارة البوشية نفسها كان من بين اركانها كولين باول وكوندوليسا رايس «الملوّنَان» (والاخيرة نعبّر عن عدائنا السياسي لها بتسميتها «رايس السيريلنكية». وفي حالات المغالاة في العداء نقول «رايس العبْدة»!). اما العنيف من هذه المسيرة، فلم يثمر غير الضحايا والقليل من الحقوق.لنذكر ان اولى الحركات المعادية للعنصرية اندلعت بعد رفض امرأة سوداء، روزا وايت، الخضوع لعرف الباصات العنصري والقاضي بالتخلي عن كرسييها ومنحه لأبيض، عام 1955. ومذ ذاك انطلق النضال المؤسساتي والتراكمي والسلمي ونجح. الفرق بين «محورهم» و»محورنا» واضح: اننا نغرق سفننا في «المكْلمات» ونعتزّ بتشبّثنا بـ «الثوابت» وبمبايعة قياداتنا «بالروح... بالدم».اميركا مثل كل قوة متفوقة في التاريخ. تاريخ هيمنتها هو تاريخ هيمنة الرؤساء الذين طبعوا العالم بطابعهم، بالسلب كما بالايجاب. روزفلت وريغان وكلينتون، وبوش مؤخراً. كم من الرؤساء غير الاميركيين، كم من التوجهات العامة قامت على التشبّه ببوش أومناقضته... بالاحرى «ممانعة» سياسته بنفس درجة عنفه ونوعية صلافته. الى حدّ ان «رأس حربة مجابهة المشروع الاميركي في المنطقة...» هي بقيادة احمدي نجاد، توأم بوش، روحا وشكلا ومضمونا. نسخة عالمثالثية عنه. ما يمكن ان ينتجه عالمنا المتخلف من ابطال في مواجهة «محور الشر» أشخاص هم في الواقع من اشباهه. والآن علينا ان نتصور ما سوف تصنعه الهيمنة الثقافية الاميركية قبل الفكرية، من اشباه لأوباما، من تصورات واتجاهات ورؤساء او مسؤولين.الولايات المتحدة استرجعت الهيمنة بمجرد ان ازالت عن جلدها قشرة الكراهية تجاهها. والامل الجديد في هذه الهيمنة انها ضخّت في شرايينها طاقات الاعتدال الخلاقة. وهذه هيمنة، علينا، نحن العرب، ان نفكرها، ان نأخذ بها عبر التثاقف. اي ان لا نقلدها مثلما نقلد برامجها التلفزيونية في غمرة الكراهية لها... بل بالاخذ ايضا من انفسنا، مما نمتلكه من تجارب حية.الاعتدال الذي يبثّه اوباما ويتغذى به خيالنا، لا يتعلق ببرنامجه السياسي الوسطي عموما؛ في التعليم والصحة والمثلية والاجهاض الخ. ولا بالطرق التفاوضية السلمية المؤسساتية التي اعتمدها لبلوغ المنصب الاعلى. لا هذا ولا تلك فحسب. بل ايضا بعطشنا للاعتدال بعد تفاقم التطرف، الديني والزمني؛ التطرف اينما نظرت. وبحاجتنا الملحة لثورة إعتدال. وهذه عبارة مفارِقة، ذات معنى عبثي... على ما اعتدْنا من تطرف للثورات وعنفها الاقصى، حتى في احلامها وفي أحلى ايامها.يفتتح اوباما عصرا جديدا، سوف يعمّ البشرية، كما عمّها سابقا عصر الخراب واليأس. اوباما عصر القوة المحمولة على الاعتدال. ما سوف يعالج مرضنا المزمن: مرض حب كراهية اميركا. كراهية اميركا بالثوابت والغريزة والتطرف. كراهية اميركا بالفشل. فأهلا بهذا العصر.

عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .