الخميس، 13 نوفمبر 2008

بلال خبيز: افتتاح عصر التعاون؟

لهجة اوروبية واثقة واحلام روسية
هل كان من سوء طالع باراك اوباما ان تنفجر الفقاعة المالية في اميركا في منتصف سبتمبر الماضي قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الاميركية؟ بعض المحللين والمراقبين يقولون نعم، انه لسوء حظ بالغ. رغم ان انفجار هذه الأزمة ساهم إلى حد بعيد في تطلب الشعب الاميركي التغيير الذي لطالما تحدث عنه اوباما والذي، في اعمق المعاني، كان يمثله فعلاً. لكن الانتخاب المرفوع على راحات الأمل بالتغيير امر يختلف اختلافاً بيناً عن ممارسة الحكم في ظل صعوبات متراكمة قلما واجهت الولايات المتحدة مثلها في العصر الحديث. 15 سبتمبر 2008 يشبه في تداعياته الخطيرة على المجتمع الاميركي 11 سبتمبر 2001. مما يدفع المرء إلى الظن ان الوصول إلى البيت الأبيض، والاحوال على ما هي عليه، يشبه في نواح متعددة ما كان يقوله الاقتصادي الاميركي المرموق لستر ثارو عن رؤساء افريقيا الوسطى في الثمانينات من القرن الماضي: انه لسوء حظ بالغ ان يكون المرء رئيساً لدولة من هذه الدول في هذا الوقت بالذات. ذلك، انه مثلما بات معروفاً لم ينج رئيس من رؤساء تلك الجمهوريات، على وجه التقريب، من انقلاب عسكري او محاولة اغتيال ناجحة او فاشلة او حرب اهلية لا تبقي ولا تذر. لكن باراك اوباما يقود الولايات المتحدة، وهذا امر يحسب له حساب كبير في ميزان الفروق بين رئيس اميركي ورئيس من افريقيا الوسطى. مع ذلك يجدر بنا ان نتفكر ملياً في المسار الذي سيخطه انتخاب اوباما إلى البيت الابيض.
يستطيع اي كان ان يلاحظ ان الرئيس الاميركي الجديد يواجه بتحديات هي الاولى من نوعها على المستوى العالمي، حيث وللمرة الأولى، تجد اوروبا نفسها في موقع من يستطيع ان يصدر بياناً قوي اللهجة وثابت العبارات على لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مطالبة الولايات المتحدة الاميركية بالتجاوب مع مطالبها، اي اوروبا، القاضية بتقييد حركة سوق الاسهم المالية التي كانت حرة إلى وقت قريب، فضلاً عن تدابير اخرى تساهم في عقلنة الاسواق التجارية وترشيد الاقتصاد. وهذا مما يمكن وصفه بالكلام المسؤول الذي يصدر عن قوة اقتصادية هائلة توازي اميركا اتساعاً وقدرة وتطوراً، وتتحرك ضمن كتلة نقدية هائلة لا يمكن العبث بها بسهولة مثلما كان يحصل مع الدول الاوروبية قبل اقرار التعامل بالعملة الاوروبية الموحدة. من جهة ثانية، لا يكف المسؤولون الروس عن التبشير بنهاية زمن اميركا كقوة مهيمنة على العالم، وضرورة العودة إلى نظام متعدد الاقطاب تلعب فيه الدول الكبرى في اقاليم الارض ادواراً حاسمة. وكان آخر ما صرح به هؤلاء ان النمو السالب في الدول الغربية سيقابله نمو موجب في دول اربعة، هي الصين وروسيا والهند والبرازيل، وهذه الدول ستكون إلى اجل غير معروف قاطرة الاقتصاد العالمي في المقبل من الايام.
من جهته لا يبدي باراك اوباما رغبة بالتفرد في القرارات الحاسمة على المستوى العالمي. ويطمح إلى ايجاد شراكة تقوي عود حكمه على المستويين الحاسمين: الداخلي والخارجي. فيدعو الحزبين الكبيرين في اميركا إلى تعاون بنّاء في الحكم وخارجه، من دون اقامته والعمل بموجبه قد تواجه اميركا اخطاراً لا قبل لأحد بردها. هذا على المستوى الداخلي، اما على المستوى الخارجي، فإن ملامح التنسيق مع اوروبا واليابان، على الاقل، باتت مرئية تقريباً، والأرجح ان صيغة ما ستخرج إلى النور في وقت قريب مقبل بعد تسلم اوباما مهامه كرئيس للولايات المتحدة الاميركية.
لكن هذا التعاون المرجح وإن كان يأكل من سطوة اميركا ويقضم من تفردها في القرارات العالمية، إلا انه يخفي امراً آخر لا بد من ملاحظته والعمل على اساسه.
لطالما كانت اميركا حاجة ملحة للعالم كله، اقله في الاقتصاد الحديث، هذا فضلاً عن ضرورات الأمن العالمي، بل ان الانتشار العسكري الاميركي في اوروبا والذي اعقب الحرب الباردة لم يكن انتشاراً مرغوباً اميركياً اكثر مما كان مرغوباً اوروبياً. ذلك ان اوروبا التي خرجت من حربها الثانية مهمشة ومقطعة الاوصال لم تكن تستطيع حماية نفسها بنفسها من دون القدرات الاميركية الهائلة في المجالين العسكري والامني. واغفال هذه النقطة يصور اميركا كما لو انها قررت رغم انف اوروبا المنتصرة ان تنشر قواعدها العسكرية في انحاء اوروبا لمواجهة الاتحاد السوفياتي يومذاك. وواقع الامر ان الأحوال لم تتغير منذ ذلك الحين، فما زالت اوروبا والديموقراطيات الغربية تعتمد اعتماداً كبيراً في امنها السياسي على قوة جيش الولايات المتحدة. اما المسألة الاخرى التي لا بد من مقاربتها فتتعلق بقوة السوق الاميركية واهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمي، وفي هذا المجال فإن شيئاً لم يتغير، وما زالت اميركا تستطيع ان تقود العالم على هذا الصعيد، ولو اصبحت القيادة مشتركة ومتنوعة.

عن الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .