الجمعة، 21 نوفمبر 2008

ياسر عبد ربه: باراك اوباما والآمال الفلسطينية

لئلا نظل نحصد غباراً
كانت الحملة الانتخابية الجريئة التي شنها الرئيس المنتخب باراك أوباما من أجل التغيير سبباً في بث الأمل ليس فقط لدى الملايين من الأميركيين الذين صوتوا لمصلحته، بل لدى آلاف الملايين من الناس في أنحاء العالم المختلفة أيضا، والذين لم يكن بوسعهم أن يدلوا بأصواتهم. وفي منطقة الشرق الأوسط، كما في أي مكان آخر، انعقدت الآمال والتوقعات على أن تكون رئاسته للولايات المتحدة بشيراً بعهد جديد للدور الذي تضطلع به أميركا في العالم.
إن الفلسطينيين يتعاطفون بقوة مع حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. والعديد منهم يتذكر الأيام المظلمة حين كان المجتمع الأميركي يفرض سياسة العزل العنصري. وأن ينتخب المجتمع نفسه رئيساً من أصل إفريقي بعد بضعة عقود فقط من الزمان لهو أمر يحيي آمال الفلسطينيين في أن تكون لهم الغلبة في النهاية في كفاحهم المتواصل من أجل العدالة والحرية.
إن انتصار أوباما الانتخابي يأتي في لحظة رمزية في التاريخ الفلسطيني. إذ إن هذا الشهر يصادف الذكرى السنوية العشرين لإعلان الاستقلال الفلسطيني، الذي صاغته القريحة الشعرية لصديقي الراحل محمود درويش، فجاء نصه عامراً بالرؤى. فبعد أن كانت منظمة التحرير الفلسطينية تنادي فيما سبق بدولة واحدة علمانية ديمقراطية على كامل أرض فلسطين أيام كانت تحت الانتداب، جاء إعلان الاستقلال ليتبنى الحل القائم على دولتين.
والحقيقة أن هذا الحل الوسط لا يمكن تقديره بشكل كامل إلا في سياقه التاريخي. ففي غمار الحرب وأعمال العنف التي أحاطت بتأسيس دولة إسرائيل، كانت خسائرنا هائلة. فقد أجبرت الميلشيات الصهيونية أكثر من 726 ألف فلسطيني مسيحي ومسلم- الذين كانوا يشكلون غالبية السكان العرب تحت الانتداب الأجنبي لفلسطين- على الفرار أو ترك ديارهم، كما دُمِرت أو أخليت من سكانها أكثر من أربعمئة قرية فلسطينية فيما أصبح إسرائيل بعد ذلك.
كان تبني الحل القائم على دولتين يعني الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أكثر من 78% من وطننا، وممارسة حقنا في تقرير المصير على 22% فقط من الأراضي الفلسطينية المتبقية، والتي احتلتها إسرائيل عسكرياً منذ عام 1967: الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة. ورغم ذلك فقد تبنينا هذه التسوية التاريخية انطلاقاً من إيماننا بأن ذلك من شأنه أن يقودنا إلى عتبات الحرية.
وبطبيعة الحال لم يكن ذلك ما انتهت إليه الأمور: فمازال الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 41 عاماً. وبينما يستعد أوباما لدخول البيت الأبيض، فنحن على ثقة من أنه سوف يضع في حسبانه الدور البنَّاء الذي تستطيع أميركا أن تلعبه في البحث عن السلام والأمن الدوليين.
تستطيع الولايات المتحدة أن تتخذ أربع خطوات عملية للمساعدة في دفع المفاوضات إلى الأمام على الفور. وتتلخص الخطوة الأولى في المشاركة المبكرة. لقد تعثرت الجهود التي بذلتها إدارة بوش لمساعدتنا في صنع السلام لأن صراعنا كان مهملاً أثناء القسم المبكر من ولاية هذه الإدارة. والسماح لهذا الصراع بالتفاقم لن يؤدي إلا إلى تفاقم إحساس شعوبنا بانعدام الأمان وانتشار عدم الاستقرار في منطقتنا.
ثانياً، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على إنشاء آلية تنفيذ جديرة بالثقة من أجل ضمان امتثال الأطراف كافة بالتزاماتها، خصوصا فيما يتصل بالتجميد الفوري لأنشطة الاستيطان الإسرائيلية في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة جميعها. إن إسرائيل لم تكتف بالتقاعس عن بذل أي جهد لوقف أنشطتها الاستيطانية منذ أنابوليس فحسب- وذلك في انتهاك واضح للقانون الدولي والتزامها المتجدد بخارطة الطريق- بل لقد عمدت إلى تصعيد تلك الأنشطة والتعجيل بها.
فقد ارتفعت معدلات بناء الوحدات السكنية في المستوطنات الآن إلى ما يزيد على 45% عما كانت عليه أثناء الأشهر التسعة التي سبقت أنابوليس. كما تزايدت عمليات هدم المنازل الفلسطينية، وخصوصا في القدس الشرقية المحتلة. ولا شيء يقوض ثقة الفلسطينيين في عملية السلام بقدر مشاهدتهم لمنازل أسرهم وهي تسوى بالأرض، بينما يتعزز بنيان قامعيهم ومضطهديهم.
ثالثاً، يتعين على الإدارة الجديدة أن تشجع عودة شركائها في اللجنة الرباعية إلى الاضطلاع بأدوارهم من جديد- الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا- في عملية الوساطة. إن التعاون الدولي يشكل عنصراً أساسياً في تأمين الشرعية للمفاوضات، ولسوف يكون ذلك التعاون حاسماً حين يأتي وقت فرض وتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه. ولا يجوز لنا أن نتوقع من الولايات المتحدة أن تتحمل أعباء حفظ السلام وحدها بعد انتهاء الصراع.
رابعاً، يتعين على الولايات المتحدة أن تجدد احترامها للقانون الدولي بالاعتراف بمبادئ ثلاثة: ضرورة احترام حدود ما قبل احتلال عام 1967 في أي مفاوضات؛ وضرورة الحفاظ على السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، مع ضمان وصول المسلمين والمسيحيين واليهود إلى أماكنهم المقدسة؛ وضرورة الاعتراف بالمحنة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، الذين ظلت معاناتهم تشكل رمزاً للمعضلة الفلسطينية طيلة ستين عاماً، وإيجاد حل عادل لهذه المحنة.
وما يدعو إلى التفاؤل أن إطار العمل الذي يخاطب هذه الأمور موجود بالفعل. إن مبادرة السلام العربية التي طُـرِحَت في عام 2002 تعرض على إسرائيل فرصة فريدة من نوعها: التطبيع الكامل للعلاقات مع 57 دولة عربية وإسلامية في مقابل اتفاق سلام شامل، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والاتفاق على حل عادل لمشكلة اللاجئين.
لقد بلغ إعلاننا للاستقلال العشرين عاماً من العمر الآن، ولم تحصد مبادرة السلام العربية إلا الغبار طيلة ستة أعوام. إن صبر الفلسطينيين ليس بلا نهاية، ولقد وطَّن بعض الفلسطينيين النفس بالفعل على أن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمر مستحيل. بيد أن آخرين، مثلي، يؤكدون أننا يتعين ألا نفقد إيماننا. ولكن إذا كان لنا أن نحقق حلمنا في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية- والبرهنة على خطأ المتشائمين- فلابد أن يعيننا الرئيس أوباما على ذلك.


* أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .