الخميس، 6 نوفمبر 2008

بلال خبيز: هازمو اميركا الانتحاريون

الانهيار يطاول طموحات اميركا ووقائعنا
اميركا تعاني من ازمة اقتصادية، وهي ايضاً متورطة في حربين لا يبدو ان ثمة نهاية قريبة لهما. النتيجة المنطقية التي يخلص إليها كثيرون، وبعضهم له باع طويل في الافكار والفلسفة: حتمية انهيار الامبراطورية الاميركية. ويذهب اكثرهم تفاؤلاً بمستقبل الأمة الاميركية على غرار المفكر الأميركي ايمانويل فالرشتاين، إلى تأكيد حتمية النهاية، لكنه يضيف وليس ثمة من يخلفها.
هذا في الظواهر. لكن الظواهر لا تمنع اقتراح اسئلة محددة، فربما بتحديد الاسئلة نستطيع ان نخلص إلى اجابات دقيقة، ومعرفة ما نريد التدليل عليه. قد يكون السؤال الأكثر بداهة هو التالي: لنسلم جدلاً ان الامبراطورية الاميركية مقبلة على انهيار شامل، هل يعني هذا انها ستصبح دولة اضعف من ايران او سوريا او سويسرا؟ الارجح ان احداً ممن يملك الحصافة ويتمسك بأهداب المنطق لن يجيب على مثل هذا السؤال بالإيجاب. فالانهيار الذي يجري الحديث عنه، هو انهيار الطموحات، وليس انهيار الوقائع. فأميركا الوقائع بثرواتها الداخلية، البشرية والجغرافية والثقافية والعسكرية والنووية طبعاً، دولة لا يمكن قياس اهميتها بأهمية سويسرا او البانيا او السنغال. تبقى دولة كبرى، لكن احتمال الانهيار يتمثل في انهيار سعيها إلى التحكم المباشر بالعالم كله على نحو ما ظهرت عليه ادراة بوش الاولى بعد عمليات 11 سبتمبر. لكن مثل هذا السعي نحو الانكفاء إلى الداخل الاميركي، مثلما هو معلوم، كان يحتل المتن في خطاب جورج بوش اثناء حملته الانتخابية الأولى في مواجهة نائب الرئيس كلينتون آل غور. وهو سعي لم ينفك مقرراً في السياسة الاميركية منذ ان نشرت اساطيلها التجارية في بحار العالم في منتصف القرن الثامن عشر.
في هذه الحال ما الذي يمكن ان ينجم عن التخلي الاميركي عن التدخل في العالم بسبب انشغال اميركا بشؤونها الداخلية؟ هل ثمة ما يبدل في موازين القوى الحالية بين الدول الصغيرة، وفي منطقتنا العربية خصوصاً؟ الجواب البديهي ان ليس ثمة ما يمكن عمله في هذه الحال لتغيير موازين القوى، ذلك ان انكفاء اميركا إلى قارتها لن يعني ان مصانع اسلحتها ستتوقف عن البيع، وان رأيها العام سيكف عن دعم اسرائيل، وان مختبراتها ستتوقف عن تطوير الصواريخ. إلا إذا كان احد يظن ان الدول على غرار اميركا تنهار دفعة واحدة ولا يتبقى منها غير غبارها، تماماً كمباني القاهرة المغشوشة في الثمانينات.
سؤال أخير، لئلا نطيل الإقامة في العبث اللفظي. هل يفترض المبشرون بانهيار الامبراطورية الاميركية ان هجرة معاكسة ستحصل من ارض الاحلام إلى اراضي المنشأ والمصب. فتعود اميركا مثلما اكتشفت يوم القى على شواطئها كريستوف كولمبس اول مرساة مهاجرين؟ ام انه ولأجل غير مسمى وغير معلوم، ما زالت الهجرات تتم نحو اميركا من انحاء العالم وليس العكس. والحق ان هذه الهجرات في العقود الاخيرة باتت هجرات منتقاة، اي ان الدول الصغيرة تعلّم ابناءها وتصنع منهم علماء ومهندسين، لكنهم لا يستطيعون ايجاد عمل مكافئ لخبراتهم إلا في مصانع كرايزلر وجامعات اميركا. مما يعني ان الهجرات التي تتوجه نحو اميركا من انحاء العالم كله هي هجرات منتخبة ونخبوية. وان اميركا تستقبل مقدمي العالم واذكياءه وعلماءه حين لا تعود بلادهم تتسع لهم. والأرجح ان الهجرة المعاكسة لا مكان لها ولا مستقر من الآن وحتى وقت غير معلوم.
لكن ما يجدر بنا ان نسجله للمبشرين بنهاية اميركا يتلخص بالأمل. فما زال في بعض العالم من يأمل في تغير الاحوال. لكن الآمال، منذ عقود في عالمنا العربي، ترسو على خيبات ومرارات. حتى انتصاراتنا حملت معها خيبات ومرارات اكثر مما حملت بشائر وامالاً. مقاوماتنا التي يتبجح البعض بإنجازاتها ليل نهار، لم تحمل اكثر من الخيبات والمرارات، وما ان تحقق نصرها حتى تبدو زائدة خطيرة ينبغي استئصالها من جذورها. اليوم ثمة في العراق اجماع وطني ودولي وعربي على ضرورة هزيمة الارهاب. هذا الإرهاب الذي نشأ بوصفه مقاومة للاحتلال، ودافع عنه كثيرون ممن يبشرون بهزيمة اميركا اليوم. وإذا ما نجح العراق في سعيه هذا، قد يتحرر من الاحتلال الاميركي ويبدأ رحلته من صفر الاستقرار إلى ايجابيات الازدهار. وثمة في لبنان حديث مماثل، لقد اخرجنا اسرائيل المحتلة من البلاد، فما الذي سنفعله بمقاومة مسلحة، شاءت ام ابت ستبقى خارجة على منطق الشرعية والدولة؟ وكذا الحال في فلسطين. وحيث ان الصراع الذي يخاض ضد اميركا يتخذ هذا المنحى الانتحاري، سيبقى هازمو اميركا والمتصدون لهيمنتها هم اكثر من يشكلون خطراً على استقرار بلادهم وازدهارها.

عن الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .