الخميس، 20 نوفمبر 2008

سيمر التنير: اميركا من الداخل 3


صناعة الموت
كانت التسعينات من القرن العشرين سنوات صعبة بالنسبة لصناعات الأسلحة الاميركية قمع نهاية الحرب الباردة انخفضت اعداد شركات الأسلحة من ١٥ شركة إلى ٥ شركات فقط هي: لوكهيد مارتن، بونيغ، ريثون، نور ثروب كرومات، وجنرال دينماكس. وكان من الطبيعي وقتذاك ان تتقلص موازنة الدفاع الاميركية. ولكن التطور الأبرز حصل بعد ذلك، اذ أصيبت تلك الشركات بالعزلة على الرغم من ان البنتاغون خفف من قيوده الإجرائية، كي تصبح صناعة الأسلحة تجارة عادية. ولكن الشيء الذي حدث كان بعكس ذلك على الاطلاق، اذ اغلقت الشركات التالية صناعاتها الحربية وهي: جنرال موتورز، فورد، كرايسلر، جنرال الكتريك وصناعات تكساس. وبذلك تكون صناعة الاسلحة قد انفصلت عن باقي قطاعات الاقتصاد الاميركي. لم يبق في ميدان صناعة الأسلحة (بعد نهاية الحرب الباردة) الا بضع شركات أميركية وثلاث شركات اوروبية، تتصارع في ما بينها على الأسواق الشرق أوسطية والآسيوية. ولم يكن بالامكان دمج تلك الشركات في شركة عملاقة على غرار الشركات التي نشأت في عصر العولمة. ولكن ذلك لا يعني ان تبقى تلك الشركات بعيدة عن الاسواق التي نشأت في زمن تطبيق العولمة الاقتصادية. اذ ان تجارة تكنولوجيا المعلومات والحواسب الالكترونية كانت قد غزت ايضا شركات الاسلحة. لذا كان الضروري ان تخرج شركات الاسلحة من عزلتها وان تقتحم تلك الانظمة الصناعية. وفي ذلك يقول لورنس فريدمان ان تكنولوجيا المعلومات والأنظمة التقنية المتكاملة الأخرى التي غزت الصناعات المدنية، كان لا بد لها من ان تمتد الى الصناعات العسكرية. وتقع المفارقة هنا من حيث ان تلك الاختراعات المذهلة في ما خص تكنولوجيا المعلومات والأنظمة العلمية المتكاملة اوجدتها في البدء شركات الاسلحة. وفي سيلكون فالي حيث تصنع شركة بوينغ طائراتها المدنية النفاثة من طراز ٧٠٧ وجمبو جت، فهي قد تطورت من خلال برامج الصناعات العسكرية. وقد طورت الصناعات الحربية الأنظمة المعقدة للقيادة والتي اصبحت اليوم عادية في الصناعات المدنية. والشركة الرائدة في مجال التحكم بالرحلات الجوية حول العالم وتنظيم سيرها، هي شركة تالز التي يقع مقرها في باريس، وهي شركة صناعات الكترونية متخصصة في الاستعمال المزدوج للتقنية الحديثة، بحيث تمتد الى القطاع التجاري. ووفقا لاقتراحات وليم كريسبنتيس فإن على الولايات المتحدة ان تزيد من دفق الأموال الى الصناعات العسكرية كي لا تفتقد قيادتها للعالم في العلوم التكنولوجية. اذ ان الاختراعات في تلك المجالات لا بد لها من الحصول على منتجات جديدة مربحة. وقد طورت في سبيل ذلك شركات الاسلحة مثل يوينغ ومارتن لوكهيد ونورثروب كرومان، نفسها كي تكون اكثر من شركات تصنع المقاتلات والصواريخ، بل ايضا لصنع منتجات تباع في الاسواق التجارية. والمثال على ذلك شركة لوكهيد مارتن التي وقعت في أواخر التسعينات من القرن الماضي تحت عجز يبلغ ١٢ مليار دولار، ولكنها الآن تعود الى تحقيق ارباح تبلغ ٤ مليارات دولار من جراء تصنيعها للمقاتلة الحديثة F35. الفت وزارة الدفاع الأميركية عام ١٩٩٩ لجنة علمية لدراسة مصاعب الصناعة الحربية. وقد اقترحت تلك اللجنة عولمة شركات السلاح على غرار غيرها من الشركات المتعدية الجنسية. اذ ان على تلك الصناعة استغلال الفرص والظروف المؤاتية لاعادة بناء رساميلها. ولكن علماء آخرين اشاروا الى ان صناعة الاسلحة لا يمكن لها ان تتعولم. على غرار الشركات العملاقة التي نشأت في عصر العولمة. بل ان العولمة تستطيع ان تؤثر عليها في طرق أخرى. لقد شهد القطاع التجاري طفرة علمية كبرى من جراء استخدام الميكروويف، والتي انبثقت اصلا من الصناعة الحربية. تؤثر العولمة على الصناعات الحربية بطرق عديدة منها المشاركات مع بعض الشركات الاوروبية. اذ تتعامل شركة لوكهيد مع ٣٠٠ شركة اخرى في ٦٢ بلدا، اكثر من نصفها في اوروبا الغربية. ولكن بعض الشركات في اوروبا الغربية تحاول تصنيع مقاتلات نفاثة حديثة تضاهي المقاتلات الاميركية، ومنها الشركات الفرنسية على سبيل المثال. ولكن الانفاق العالي جدا على الاختراع والتطوير والذي تقوده شركات الاسلحة الاميركية يبقى بلا منافس. وخاصة في الانظمة العلمية المتكاملة التي تخاض على أساسها الحروب الحديثة. وبعد احداث ١١ ايلول .٢٠٠١ اصبحت شركات الاسلحة الاميركية حريصة على الاحتفاظ بأسرارها الدفاعية. ويقول احد خبراء الدفاع الاميركيين ان عائدات شركات الاسلحة عادت الى الصعود، بعد ان هبطت جراء انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. وقد صعدت استثمارات شركات الاسلحة حتى قبيل حصول احداث ١١ ايلول .٢٠٠١ والتأييد السياسي الذي حصلت عليه تلك الشركات سهل عليها اعادة العمل ببرامجها للبحث والتطوير والتصنيع. كما أقبل المستثمرون على شراء أسهمها. وقال فاتس كوفمان مدير شركة لوكهيد مارتن، اكبر شركة لصناعة الاسلحة في العالم، ان احداث ايلول ستعيد موازنة الدفاع الاميركية الى ما كانت عليه قبل ذلك، اذ سيفوق الانفاق على التسلح الـ ١٠ بالمئة من الميزانية الفدرالية. تغيرت عقيدة التسلح بعد احداث ايلول، اذ نحيت جانبا سياسة انتاج الاسلحة الثقيلة بطيئة الحركة الى الاسلحة الخفيفة المدارة الكترونيا، والتي تتسم بالسرعة الفائقة في الحركة. وفي عام ٢٠٠٤ وعد جورج بوش الابن برفع ميزانية الدفاع الى اكثر من ٤٠٠ مليار دولار، وذلك لمدة خمس سنوات قادمة. وهكذا صعدت رساميل شركات الاسلحة الى ١٠٠ مليار دولار، بعد ان كانت قد هبطت الى اقل من ٥٠ مليارا. حدثت التغيرات في صناعة الاسلحة حتى قبل عام .٢٠٠١ وقد وجدت تلك الصناعات فرصتها في انهيار الاتحاد السوفياتي والانتصار في حرب الخليج الثانية عام .١٩٩١ وقد اعتمدت تلك الحرب التكنولوجيا الحديثة باستعمال اقمار التجسس الصناعية والاسلحة »الذكية« التي تشمل الصواريخ والقنابل الموجهة. وكانت القوات الحليفة في افغانستان تستخدم ألعاب الكمبيوتر اكثر من استعمالها للخنادق التي عرفتها الحرب العالمية الاولى، او الحرب الخاطفة التي عرفتها الحرب العالمية الثانية. لقد اعتمدت تلك الحرب على الانظمة المتكاملة لاقمار التجسس والمقاتلات في الجو والمشاة على الارض على أنظمة الكترونية تكفل لها الحصول على كل المعلومات وعلى الرد الفوري. عرفت السنوات الخمسون من الحرب الباردة اختراقات علمية مهمة في الاسلحة على اختلافها والتي تشمل ايضا الاسلحة النووية. وعند نهايتها توقف تقدم شركات التسلح في ما خص رساميلها ومبيعاتها. ولكن اليوم تعود شركات الاسلحة الاميركية الى المقدمة تتبعها الشركات الاوروبية. وفي حرب العراق التي بدأت عام ٢٠٠٣ استخدمت تلك الاسلحة التي تعتمد على التكنولوجيا العالية High ? Tech استخداما واسعا. وهي في قسم كبير منها تعتمد على Tactical Internet. ولكن تلك الاسلحة المتقدمة لم تستطع الصمود امام اسلحة تقليدية للمقاومة العراقية، وذلك لتمتع المقاومين بروحية قتالية عالية تشمل الاعمال الانتحارية. وكانت الجيوش الاميركية تبحث عن طرق للانسحاب، لولا استعمالها لأسلحة الفرقة وإثارة الطائفية والمذهبية واعمال القتل والقاء الجثث في الشوارع. وهي نكسة نرجو ان يفيق منها العراقيون.
عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .