الاثنين، 10 نوفمبر 2008

بلال خبيز: ان تكون سلفياً في لبنان

النظام السوري يخترع اعداءه




يستطيع النظام السوري ان يخترع اعداءه. ويستطيع ايضاً ان يخترع التهمة التي توجب العقاب. لقد سجن ميشال كيلو بتهمة انه يضعف الشعور القومي. وبعد سجنه لم يعد احد يعود هذا الشعور ويطمئن إلى صحته التي اضعفها ميشال كيلو. قالوا لنا ان الشعور القومي مريض، وقد اضعفه ميشال كيلو، ووجب عليه ان يدفع الثمن المناسب، سنوات من السجن. وما ان استقر ميشال كيلو في السجن حتى فرح الشعور القومي بمعاقبة عدوه الاول، مضعفه ميشال كيلو كما تعلمون. يومها كان ميشال كيلو ورهط من اصحابه يدعو إلى تحصين الجبهة الداخلية السورية، التعبير ممجوج، انما لا بأس، في مواجهة المخاطر التي تحيق بسوريا من كل جانب. وكان المثال العراقي امامه ماثلاً وحاضراً. لكنه سجن، لأنه يضعف الشعور القومي مما يضعه حكماً في قائمة الاعداء.
النظام يعرف ان يخترع اعداءه. هذا مما لا ينتطح فيه عنزان، كما كانت العرب تقول. لكن النظام الساعي إلى تصليب الشعور القومي، والماهر في اخذ العبر من دروس العراق، يجد نفسه فجأة مستهدفاً من الأصوليين الإسلاميين، السلفيين منهم ايضاً، وهؤلاء، بعكس ما كان النظام يظن حين سجن ميشال كيلو، بدأوا يعيثون خراباً وتفجيراً في سوريا من كل جانب. مستخدمين قدراتهم الخرافية بكل بهائها، مثلما اوضح المعتقل الذي ظهر على شاشة التلفزيون السوري، حيث يستطيعون سرقة السيارة على الحدو العراقية، ثم يفخخونها على الحدود اللبنانية ويفجرونها في دمشق، حيث يقع حد العرب غابراً عن غابر. وهذا كله في يوم واحد. الأصوليون عابرو حدود مهرة مثلما نعرف، النظام القوي نفسه عاجز عن منعهم من عبور الحدود. ما ان اقفل الحدود العراقية بوجههم حتى نبتوا كفطر سام على الحدود اللبنانية. من اين جاؤوا؟ ليس لعاقل ان يسأل مثل هذا السؤال، هؤلاء ينبتون كالفطر في كل بيئة، وليس النظام مسؤولاً عن تدريبهم وتدبير بيئة آمنة لهم. انهم يملكون قدرات خرافية، ولا يلجمها، طبعاً، إلا التدخل السوري العسكري والأمني في لبنان. وهذا ليس جديداً كما نعلم، فالنظام نفسه لمح للإدارة الاميركية طويلاً بأنه قادر على المساعدة في استتباب امن العراق من قبل. اما وان الإدارة الاميركية جاحدة، وهي حين تتكلم سوريا بخصوص العراق تصبح لها اذن من طين واخرى من عجين، فلا بأس من المحاولة في لبنان، عل بعض اللبنانيين يضغطون على الأميركيين فيستجيبون للمطلب السوري الذي لا يبتغي غير تخليص العالم من الأصوليين – السلفيين.
اما التشديد على وصل الاصوليين بالسلفيين، فهذا والحق يقال ليس من عندنا. فالعمى عن التمييز بين السلفيين والاصوليين المتطرفين ليس جديداً، له سوابق كثيرة، وان كان بعضها يعود للقرون الوسطى وعصور الظلام الاوروبية، كمثل ما حدث حين تحصن الهراطقة في جنوى، فسأل قادة جيش الكنيسة رئيس دير سيتو: ما العمل وقد تحصن الهراطقة في جنوى ولم نعد نميز بين اتباعنا واتباعهم؟ فأجابهم بثقة قادة القرن الواحد والعشرين: اقتلوهم جميعاً وسيعرف الله اتباعه. فماذا لو ذهب بعض السلفيين والمؤمنين ضحية صعوبة التمييز بين الأصوليين المتطرفين والسلفيين؟ الا يقرأون جميعاً في كتاب واحد؟ إذاً ليس على النظام السوري ان يميز، اقتلوهم جميعاً وسيعرف الله اتباعه.
رغم ذلك يجدر بنا عدم المبالغة في قدرة النظام السوري على كل تدخل منفلت من كل قيد. لكن مسألة القتل ما زالت واردة. اي ان النظام الذي قد يجد صعوبة في الدخول العسكري المباشر، يريد ان يقتل الجميع معنوياً. فيخلط بين السلفي والاصولي وبين السنة والفرض، ليصل إلى نتيجة حاسمة، مؤداها ان كل تحالف مع هؤلاء او من يمت لهؤلاء بصلة، ولو لم يكن من امره إلا انه يصلي ظهر الجمعة جماعة، يقع حكماً في مرتبة الإرهاب وداعميه ومموليه. والحال، لن يكون ثمة مفر من تجنب التحالفات الانتخابية مع هؤلاء جميعاً. وحين يجمعون هكذا لا يكون المقصود بالجمع من يطلق لحيته ويحف شاربيه، على ما اشار داعي الإسلام الشهال، بل كل من يصلي ويصوم. كما لو ان المطلوب اخراج الناس من جلدها، حتى تبرأ من تهمة العبث بالأمن السوري، وهي تهمة تجاوز في خطرها تهمة اضعاف الشعور القومي بأشواط.
وحيث ان انجاز حركة 7 ايار المتربعة سعيدة على اصولية خيرة وسلفية لا تشوبها من شوائب السلفيات الأخرى اي شائبة، ولم تعمد في وقت من الاوقات إلى توقيع ورقة تفاهم مع هؤلاء المشوبين والشريرين والموسومين بأصوليتهم وتطرفهم - حيث ان انجاز حركة 7 ايار الأكبر تمثل في جعل قانون الانتخابات قانوناً طائفياً بامتياز، فما الذي يمكن ان يفعله تيار المستقبل في هذه الحال؟ هل يخرج من سنيته نحو رحاب الأصولية الشيعية المنفتحة؟ ام يتحالف مع شيطان الأصولية الشمالية ويثبّت على نفسه تهمة التمويل والتدريب والتسليح والتفخيخ؟ ام يخوض الانتخابات وحيداً واعزل؟
وهذا كله، لا يصح ان نتهم النظام السوري بالتدخل السافر في الشؤون اللبنانية. فالرئيس الاسد في خطابه الأخير لم يذكر لبنان إلا في جملة واحدة. اما ما عُرض على التلفزيون السوري، فلا شأن للنظام به. الم تسمعوا عن حرية الصحافة في دمشق بعد؟ من قال ان ميشال كيلو سجين الكلمة الحرة؟ انه سجين اضعاف الشعور القومي، شفاه الله وحماه من كل مكروه.

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .