الخميس، 20 نوفمبر 2008

بلال خبيز: اوباما يستلهم تجربة لنكولن


تحقق الاجماع الوطني لا يلغي الحاجة إلى حسن التخطيط

يجهد الرئيس الاميركي المنتخب في محاولة ارساء عصر تعاون بين القوى المؤثرة في الولايات المتحدة. وقد جاء البيان المشترك مع منافسه الجمهوري جون ماكين اثر لقاءهما معاً في مكتب اوباما الانتقالي في مدينة شيكاغو، ليعلن بوضوح عن هذه الرغبة التي يهجس الرئيس المنتخب بها دائماً، الا وهي، محاولة توحيد الجهد الوطني الاميركي لتخطي الصعوبات. واشار البيان الذي صدر عن الجانبين إلى رغبتهما بالتعاون من اجل مواجهة المسائل التي تواجه اميركا على اصعدة الاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية، وابدى البيان رغبة واضحة في تخطي "عادة واشنطن السيئة" التي تقضي ان يتسلم الحزب المنتصر في الانتخابات الرئاسية زمام الامور في البيت الابيض وحيدأً ويعزل الحزب المنافس عن التقرير ويطرده من اروقة السلطة.
ورغم ان شكل التعاون بين الحزبين او على الأصح بين بعض قادة الحزب الجمهوري المبرزين والرئيس المنتخب لم يتضح بعد، إلا ان المراقبين يرون ان مثل هذا التعاون في ظل ازمة الحزب الجمهوري المعلنة، والتخبط الذي تعانيه اعلى حلقاته القيادية، يعني في نهاية الامر انشقاقاً ملطفاً عن الحزب الجمهوري من قبل هؤلاء القادة، وليس افتتاح عصر جديد في تاريخ الولايات المتحدة على مستوى السياسة الداخلية، رغم ثقل واهمية ما يحصل من نزوح قيادي من الحزب الجمهوري نحو الحزب الديموقراطي او تقرباً منه. لكن الرئيس المنتخب لم يكتف بمحاولة التعاون مع خصمه الجمهوري، بل عمد إلى الاجتماع بمنافسته على ترشيح الحزب الديموقراطي هيلاري رودهام كلينتون، والارجح انه عرض عليها تولي منصب وزارة الخارجية في الإدارة الجديدة، وهذا امر يعتبر في تقاليد السياسة الاميركية من الامور غير المرغوبة، إذ لم يسبق ان تعاون رئيس منتخب مع رئيس سابق، إلا في حالات نادرة، قد يكون اقربها إلى الذاكرة محاولة رونالد ريغان ترشيح الرئيس الاسبق جيرالد فورد كنائب للرئيس، والتي انتهت برفض الاخير لهذا المنصب. والتعاون مع هيلاري كلينتون في هذا المجال يفتح الباب واسعاً على إدارة علاقات قوة وسلطة بين الرئيس الحالي والرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي ما يزال يستثمر علاقاته السياسية في العالم كله، وتشير بعض التقارير انه يستغل هذه العلاقات لتمويل المؤسسة التي يديرها والتي حصلت على تبرعات مجزية من مصادر مشكوك في نزاهة الاسباب التي دفعتها اي هذه المصادر إلى تمويلها والتبرع لها.
لكن بعض الاعتراضات الصحافية على توزير كلينتون لم يردع اوباما عن استمرار محاولاته في تجميع عناصر القوة الأميركية في البيت الابيض، اقله في ولايته الاولى، وكان ان عبّر هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق واحد ابرز مستشاري الرؤساء الأميركيين على مدى عقود، عن تأييده لتولي كلينتون منصب وزارة الخارجية، بالقول انها ستكون من وزراء الخارجية البارزين في التاريخ الاميركي. وفي هذا التأييد ما يعني مواربة ان الوزير الجمهوري الأسبق يميل إلى تأييد اوباما ايضاً.
الرئيس المنتخب، في اطلالاته الإعلامية في الايام الماضية ردد مراراً رغبته في محاكاة تجربة ابراهام لنكولن، وهو اهم رئيس اميركي عبر التاريخ. ومعروف ان لنكولن كان يحركه هدف وحيد، هو الوصول إلى توحيد البلاد من المحيط إلى المحيط تحت راية فيدرالية واحدة. وعلى هذا الأساس خاض جل معاركه، ويمكن القول انه الرئيس الأول الذي نجح في تثبيت دعائم السلطة الفيدرالية على الولايات، وجعل هيمنتها على الحياة العامة في الولايات المتحدة من الامور المرغوبة. حيث لا تستقيم هيمنة ولا تعمّر من دون رغبة المهيمن عليهم بالخضوع لسلطانها.
لكن بعض السياسيين في الولايات المتحدة اليوم يرون ان استلهام تجربة لنكولن لا محل لها واقعاً. فليس ثمة ما يطفو على سطح الحياة السياسية الأميركية مما يشير إلى معضلات تواجه الوحدة الاميركية الفيدرالية على هذا الصعيد. بل ان بعضهم ينصحون الرئيس الجديد باستلهام تجربة روزفلت الذي واجه في بداية عهده ازمة اقتصادية اشبه ما تكون بالازمة التي تعاني منها اميركا حالياً. فالمشلكة في اميركا ليوم ليست في الروح بل في ما يغذيه ويعينه على التعبير عن نفسه. وأغلب الظن ان استلهام هذه التجربة قد يكون اعم فائدة من استلهام تجربة لنكولن، ذلك ان المؤشرات الرقمية في المجال الاقتصادي لا توضح طبيعة المشكلة الحقيقية. حيث ان نسبة البطالة مثلاً لم تتجاوز بعد السبعة بالمئة، وهو رقم قد يعني في معنى من المعاني الدخول في حالة ركود اقتصادي، لكنه لا يوحي بحجم الهبوط الحاد الذي قد يتعرض له الاقتصاد الاميركي والاقتصاد العالمي من ورائه، ذلك ان المشكلة الفعلية التي يعاني منها الاقتصاد اليوم ان المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال والفاعليات الاقتصادية الاميركية، لا يملكون اي خطط فردية او جماعية للخروج من الازمة، وهم حتى الآن لم يهتدوا إلى السبيل الانسب للخروج منها، مما يعني ان الأرقام تشير إلى ركود عادي، لكن استحالة التخطيط تعني ان الولايات المتحدة دخلت في مرحلة الكساد العظيم الذي يبدو ككرة ثلج لا يمكن ايقاف مسارها او تعاظم حجمها.

عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .