السبت، 15 نوفمبر 2008

نصير الاسعد: استراتيجية لأي بلد؟

اضفاء هيبة نصرالله على خيبة عون
ثمة في خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس عناوين ومواقف «مفاجئة» الى حد معيّن من ناحية وأخرى «مفهومة» و»متوقعة» بمعنى أنها من ضمن النسق العام لخطابات السيد و»أدبيات» الحزب من ناحية ثانية.أبرز العناوين «المفاجئة» تمثّل في إثارة نصرالله احتمال عدم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة والردّ على هذا الاحتمال في الوقت نفسه بتأكيد وجوب حصول هذه الانتخابات في موعدها وبالتشديد على الخطر الذي سيواجهه لبنان في حال العكس.يطرح «عدم التأجيل»: مَن المخاطب؟«المفاجئ» هنا هو أن أحداً في فريق 14 آذار لم يطرح في يوم من الأيام إحتمال التأجيل، بل على العكس تماماً فإن 14 آذار لا تكتفي بالإصرار على حصول هذا الاستحقاق في الموعد الدستوري في أيار 2009، لكنها تدعو الى توفير الضمانات لجعل ذلك الاستحقاق يتم في سياق آمن ونزيه وديموقراطي، باعتباره استحقاقاً مفصلياً لها وللبلد ككل. كذلك، إن أحداً على المستوى العربي أو على الصعيد الدولي لا يطرح إحتمال التأجيل، بل يصرّ المجتمع الدولي ـ العربي على إنجاز العملية الديموقراطية في مواقيتها بأمن وأمان ونزاهة ليعبّر اللبنانيون عن ذاتهم وعن التوازن في حياتهم السياسية والوطنية.«المفاجئ» إذاً أن نصرالله يطرح إحتمال التأجيل ويردّ عليه ولا ينسبه الى أحد ولا يحدّد من المخاطَب من جانبه داخلياً وخارجياً بهذا العنوان. و»المفاجئ» أيضاً أن إثارة نصرالله لهذا الأمر تأتي في وقت تعبّر 14 آذار عن قلقها من ممارسات قد يقدم عليها «حزب الله» أو حلفاؤه أو أي من أطراف 8 آذار تؤدي الى إلغاء الانتخابات، وذلك بالاستناد الى تهديدات أطلقها بعضهم في هذا الفريق وصلت الى التلويح صراحةً باللجوء الى السلاح. «المفاجئ» تالياً هو أن السيد يُقلق حيث أراد أو لم يرد أن يطمئن. فما هو تفسير ذلك؟تنصّل أو تغطية مسبّقان؟ثمة من أبدى اعتقاده أن نصرالله يترقّب حدثاً ما في مكان ما من شأنه أن ينعكس على لبنان واستحقاقه الانتخابي فأراد مسبقاً أن يتبرأ من تبعة عدم حصول الانتخابات. غير أن ثمة من رأى أن الأمين العام لـ»حزب الله» يعلم أن هناك من سيضغط بكل الوسائل غير المشروعة لمنع حصول العملية الانتخابية واكتمال نتائجها، فأراد مسبقاً أن «يغطي» حزبه ويعفيه من المسؤولية، سيما أن «المرشحين» للإقدام على هذه «الجريمة» هم من حلفائه.إذاً، في أثارته لهذا الموضوع، وضع نصرالله أجراء الانتخابات النيابية في دائرة الخطر الحقيقي. ولا يغيّر من هذا الاستنتاج كون السيد شدّد على المفصل الانتخابي أو كونه «تظاهر» بالاستعداد لقبول نتائج الصناديق مهما كانت تارةً أو «تظاهر» بالثقة بقدرته وفريقه على تحقيق فوز «عظيم» في الانتخابات المقبلة تارةً أخرى.المشروع السياسي لـ»حزب الله» فائضعل كل حال، وفي ما يتجاوز خطاب نصرالله في هذا المجال، لا بد من تسليط أضواء كاشفة على جانب مهمّ من معنى إعتبار الانتخابات النيابية المقبلة «مفصلاً».لم يعُد خافياً أن «المشروع السياسي» لـ»حزب الله» وعدد من حلفائه «يفيض» عن لبنان كياناً وصيغةً وطنية ونظاماً سياسياً.ولم يعد سراً أن الحزب بوصفه «قائداً» لهذا المشروع، ضاق ذرعاً خلال السنوات الأخيرة من عدم التلاؤم بين المشروع الذي يحمل والنظام السياسي القائم. ضاق ذرعاً من قدرته المحدّدة «فقط» في مجال تعطيل الحكم عندما لا يكون قادراً على امتلاك أكثرية تؤهله للحكم وتمكّنه منه. لا يريد إذاً تكرار تجربة السنوات الماضية منذ 2005. إمّا أن يربح الانتخابات أي أن يحصل مع حلفائه على الأكثرية فـ»يفرض» ما يريد بـ»غطاء» أكثرية برلمانية. وإما فانتقالٌ الى «خطة» أخرى.لذلك، فمن المنطقي تماماً النظر الى عدم إجراء الانتخابات بوصفه خياراً لفريق «حزب الله» بعضه أو كلّه. أي إذا كانت الانتخابات ستُفضي الى تجديد أكثرية 14 آذار، لن يكون هذا الفريق مستعداً لـ»الانضباط» بنتائجها وحتى لـ»العودة» الى «تجربة» السنوات الماضية. أي إما أكثرية كافية تريحه في تنفيذ مشروعه وإمّا لا عملية ديموقراطية. ذلك أن عدم حصول الانتخابات، في إطار النظام اللبناني القائم، يعني سقوط المؤسسات الدستورية. وسقوط المؤسسات الدستورية يعني ظروفاً مؤاتية لفرض أمر واقع أو لإعادة «تأسيس» نظام آخر.ووفقاً لهذه المعاني جميعاً، يغدو «المفاجىء» في كلام نصرالله غير مفاجىء البتة.هيبة نصرالله لـ»إنتشال» عون في هذا السياق بالتحديد، ينبغي وضع ورقة الإستراتيجية الدفاعية التي تقدم بها الجنرال ميشال عون في الجلسة الثانية لمؤتمر الحوار الوطني في بعبدا الأسبوع الماضي.أول من أمس قال السيد في خطابه إن الجنرال «ولدنا العزيز»، وأعلن انه هو مرجعية ورقة عون. إعتمد إجراء إختبار على إستراتيجيته الدفاعية بالجنرال. جاءت النتيجة إستخفافاً بـ»مقدم» الورقة وليس صاحبها وإستهزاءً به على ما قال نصرالله بنفسه. لم «يُقبض» الجنرال ولا ورقته بجد. أراد نصرالله إضفاء هيبته كي يتم التعامل مع ورقته المرسلة بواسطة عون بجدّ.وبما أن الأمر كذلك بالفعل، فان أخطر ما في ورقة «حزب الله» التي «تليت» من جانب عون، هو أنها لا تناقش في «إستراتيجية دفاعية» للدولة، بل هي تطرح تغيير الاجتماع اللبناني وتغيير الصيغة وتغيير الدولة وتغيير النظام.«ورقة الجنرال»: ليست إستراتيجية دفاعيةنعم إن نقاش الورقة على أساس أن عون هو صاحبها سيكون نقاشاً ساخراً وهازئاً. لكن الجدية في التعاطي معها على أساس انها ورقة «حزب الله» تفرض القول إنها خطيرة. يمكنُ التفصيل. بيد أن الإجمال في القول يفرض الإشارة الى نقطتين رئيسيتين. الاولى هي ان «الورقة» النسخة الجديدة لورقة «مار مخايل» إذ تدعو الى تنشئة «شعب مقاوم» و»ثقافة مقاومة» و»اقتصاد مقاوم» و»دولة مقاومة» و»جيش نظامي ـ عصاباتي».. و»مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ»، إنما تتحدث عن بلد آخر غير لبنان وعن نظام آخر غير نظام الطائف. والثانية هي أن «الورقة» تُسقط القرارات الدولية وأبرزها القرار 1701 في معرض إعتبارها ان المجتمع الدولي لا يطبق إلا القرارات المريحة لإسرائيل، وقد أسقط نصرالله القرارات الدولية هو أيضاً ومنها الـ1701 في معرض إسقاطه دور أي قرار دولي في حماية «حق أي شعب وأي دولة».. أي تجعل من لبنان بلداً خارج الشرعية الدولية...بل تغيير للنظام وإسقاط القرارات الدوليةطبعاً النقاش يطول. لكن على خلفية ما تقدم، من الواضح أن البلد أمام مشروع تقول كل مندرجاته انه لـ»وضع» آخر. وفي هذا «الوضع الآخر» لا قيمة للإنتخابات. بل لا قيمة للحوار وقد شكك نصرالله في جدواه إن لم يدُر على الأرضية التي يريدها هو.وبما أن كل معني بالحوار بات مطالباً بأن يقرأ «حزب الله» في الأوراق التي لا يُحسن الجنرال حتى قراءتها، فإن على كل معني تالياً أن ينتبه الى النظرية في «الورقة» حول الوحدة الوطنية. هذه النظرية تقول ما مفاده إن «المقاومة» بحاجة الى وحدة وطنية وإلا جرى إستدراج سلاحها الى الداخل.إذاً الرسالة التي لا يريد «حزب الله» قولها مباشرة لأن المصالحات «ملزمة» لبعض الوقت(!)، يقولها الجنرال: إما وحدة وطنية «حول» سلاح «حزب الله» وإما 7 أيار. فكرة جديدة! تعريف جديد ومبتكر وخلاّق للوحدة الوطنية!عن أي انتخابات يدور النقاش والبحث؟ عن أي لبنان؟.. عن أي وقع آتٍ؟.

عن المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .