الاثنين، 10 نوفمبر 2008

سامر القرنشاوي: الطاغية ومطأطأ الرأس (خاص بالقراء)

حوار
كنا وقوفاً على الباب نتأمل المغيبُ حينما سألني: " تُرى، أراودك أبداً شعورٌ بالذنب؟"
أخذني السؤالُ على حين غُرة فتلّفتُّ حولي. أقربُ الناس كانوا بعيداً، وقوفٌ عند منتهى الدهليز؛ البعدُ أراحني، وإن قليلاً. رددتُ عليه: "لا،لم يكن مما فعلتُ بُد، لم أكن إلا يدُ القضاء."
حدق في لبرهة. "لكن لماذا كل هذا الدم؟ كلهم؟ أكان يتوجبُ فعلُ ذلك بالجميع؟"
التقريظ المبطن أثار حنقي. رددت عليه: "هل نسيت أنك أيدت أوامري آنذاك؟ الآن تلومني؟" صمت ثانيةً بينما كنت أختلسُ النظر للمتحدثين آخر الممر، حتى الآن لم يصوب أي منهم نظره تجاهي.
"لكنني تصورتُ المسألةَ أقلُ كثيراً مما صارت إليه."
"حنقي الآن قريبٌ من قذفِ الحمم"، حدثتُ نفسي. " قلت لكم ساعتها أن هؤلاء عينُ علينا، ومن ثم، عن قريبٍ عدوٌ لنا بين ظهرانينا فأيدتموني. صرخت بأن النبتةَ الشيطانية إما تٌقتلُ أو تقتُلنا فصرختم "الدم الدم"، وحينما أصدرتُ الأمرَ بإبادتهم صفقتم وقوفاً؛ أحدث ذلك كُله أم لم يحدث؟"
"نعم سيدي نعم ( "الآن يعودُ ليجعلني سيده بينما يسائل أفعالي التي نصر،" حدثتُ نفسي) "لكن أنى لنا أن نعلم ..."
قاطعته: " تقول " لنا" و " أن نعلم" ، من أنتم؟" تلعثم، وتصبب عرقاً، " أتحدثُ عن نفسي سيدي، لكنني أتحدثُ عما كان معلوماً للجميع آنذاك."
أظنه ساعتها أدرك أي مهلك أورد نفسه، لكنه أيضاً لا بد تيقن أن ساعة التراجع قد ولت. علي إذا أن أعرف من " هم" ، أو على الأقل فيما يفكرون.
" أكمل إذا،" أمرته.
"نعم سيدي نعم، صرخنا وصفقنا وأيدنا، ولكن أنى لنا أن نعلمَ أن كلَ هؤلاء كانوا ليُقتلوا؟" "كان أمري بالإبادة والسحق لا الحساب، الآن تقولُ أنكم لم تعلموا ما تعنيه الإبادة؟"
"قطعاً كنا نعلمُ سيدي (كان تلعثمه وعرقه المتصبب آخذان في الإزدياد) لكن المدى فاق كل تصور، قُرىً..."
عرفت ما سيقول فعاجلته بنبرة المَلول: "نعم نعم! قُرىً بأكملها سويت بالأرض، وبأهلها مدفونون في ما كان مساكنهم ... هذه هي الإبادةُ يا عزيزي. وتركُ البعض كان يعني بقاء الراغبين في الإنتقام، و من ثم تعريض وحدتنا للخطر مرة أخرى." واصل التلعثم بينما كنتُ أحدقُ به.
"لكن سيدي حتى الأطفال والنساء؟ لماذا؟"
"أخبرتكم أنني سأبيد العدو من بيننا فأيدتم، ما الفارق بين إبادة الذكور وذبح الأطفال والنساء؟ بين هؤلاء وأولئك هناك أبرياءٌ جرى القضاءُ بقتلهم، أم كنت تودُ أن ننتظر الثأر؟ أم أن أرد صراخكم ساعتها: الدمُ الدم؟" ساعتها بدا لي أن تلعثمه و عرقه المتزايد لم يكن فقط خوفاً من سيفي الذي يكاد يهوي برأسه، بل من يده الغارقة في دم من يبكي. عاجلته ثانيةً: "وعدتكمُ الإبادة فهللتم، ألم تعرفوا معنى هذه الكلمة؟"
صمتْ لبرهةٍ ثم طأطأ رأسه، وكأنما انتظاراً لقطعها، "نعم سيدي كنا نعلم."
لم أعد النظر إلى آخر الدهليز، أدرتُ ظهري له وابتعدت و أنا على يقينٍ من أن رأسه ما زال مُطأطأً. قبل الفجر كان مقطوع الرقبة، هو وكلُ من قد يعنيه أمره.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .