الأحد، 2 نوفمبر 2008

حسن منيمنة: تغيير اميركي في الشكل؟

أوباما بين ضبابية الشعار والأداء المرتقب
يصعب تصور الأمر الطارئ الذي من شأنه أن يحقق ما هو أقرب للمعجزة، أي تفوق المرشح الجمهوري جون ماكين على خصمه الديموقراطي باراك أوباما، في ما تبقى من الوقت لحصد أصوات الناخبين والفوز بمنصب الرئاسة. ولهذا فإن الولايات المتحدة، بل العالم، على مشارف مرحلة جديدة، رمزياً على الأقل، مع تبوؤ رجل «أسود» سدة الحكم. ولا شك أن تداعي الحزب الجمهوري والانفراط البنيوي لعقد التحالف بين الفصائل المحافظة المختلفة عامل رئيسي في الوصول إلى هذه الحال، وكذلك طبع المرشح ماكين التصادمي وافتقاده للجاذبية، ومقامرته باختيار حاكمة ولاية ألاسكا سارة پايلن كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، وضعف الطاقم المسؤول عن حملته الانتخابية، ولجوئه الميؤوس إلى التشهير والتهويل لاقتطاع بعض الأصوات من الخصم، بما في ذلك الإشارة الواهية إلى علاقة ما بين أوباما والأستاذ الجامعي الفلسطيني الأصل رشيد الخالدي، في استجداء مبتذل للريبة التي يضمرها بعض الأميركيين إزاء العرب والمسلمين. والواقع إن عائد هذه الأساليب يتضاءل مقارنة بالثمن الذي يتكبده الحزب الجمهوري من جرائها، معنوياً وانتخابياً في هذه الدورة وفي الدورات المقبلة. ولكن تفوق أوباما لا يمكن أن يحصر تفسيره بالوقائع المستتبة لدى خصومه. فحزب أوباما، أي الحزب الديموقراطي، قد شهد في الأعوام الماضية تحولات هامة، تنظيمية وقواعدية، ساهمت بقدر حاسم في بلوغ أوباما الموقع الطليعي. فكما أن كارل روڤ، المستشار السابق للرئيس جورج دبليو بوش وصاحب خطة التعبئة الانتخابية الواسعة النطاق عام ٢٠٠٠ كان قد استفاد يومها من الامتعاض المتراكم من شرائح واسعة من المجتمع الأميركي تجاه الرئيس السابق بيل كلينتون لفضائحه الأخلاقية، فتمكن من تجييش أعداد غفيرة منهم لصالح مرشح دون خبرة تنفيذية تذكر (أي الرئيس الحالي)، فإن هاورد دين، مدير اللجنة الحزبية الوطنية للديموقراطيين، قد اجتهد في الأعوام الماضية لتأسيس شبكة تعبئة انتخابية في كافة الولايات، وذلك على الرغم من اعتراض بعض الشخصيات البارزة في الحزب، انطلاقاً من افتراض انعدام جدوى هذا التوزيع لتفريطه للطاقات. أما اليوم، فإن هذا التوزيع يجني ثماره مع تفعيل الجهود المحلية للتعبئة والترويج لصالح أوباما.
والواقع أن النهضة الحزبية الديموقراطية قد تجاوزت اللجنة الوطنية واتخذت أبعاداً جيلية جديدة انطلاقاً من معارضة الحرب في العراق وخشية العودة إلى التجنيد الإلزامي. وأبرز معالم هذه النهضة منظمة «موڤ أون دوت أورغ»، والتي شكلت أساساً ثابتاً من الدعم لأوباما. وأوباما، بانتمائه الجيلي والعرقي، أصبح موضوع تحفيز لقطاعات مدينية تقدمية في أنحاء البلاد، وتضاعف هذا التحفيز عبر استعمال تقنيات الاتصالات (الانترنت والرسائل النصية) ليمنحه مستويات غير مسبوقة من التمويل. ولا يمكن بالطبع إعادة نجاحه حصراً إلى عوامل موضوعية خارجة عن شخصه. فهو، دون غيره، ممن قد تجتمع فيهم صفات مماثلة، قد تمكن من بلوغ هذا المبلغ، وأصبح على مشارف تولي المنصب الأول في البلاد. فلا شك أنه على درجة عالية من الفصاحة والحضور والقدرة على الإقناع والصياغة المنطقية الراقية للأفكار، وإن كانت هذه السمات أقل بروزاً في اللحظات العفوية. ولا شك كذلك أنه قد أثبت عن جدارة عالية في اختياره لفريق عمله وفي إدارته لحملته الانتخابية. والحشود التي تجتمع عند كل ظهور انتخابي له دليل واضح على نجاحه. غير أنه لا يمكن الخلط بين هذا النجاح الانتخابي وبين الرؤيا التي تميزت بها القيادات التي اقتحمت المعترك السياسي في الولايات المتحدة وقلبته رأسا على عقب، مثل رونالد ريغان وبيل كلينتون. فريغان جاء إلى الحكم رافعاً شعاراً واضحاً هو أن سبيل تحسين الوضع المعيشي هو في تقليص الدولة وتمكين المواطن والالتزام بالمبادئ المحافظة. وكلينتون تولّى الرئاسة مع الإصرار على أن ثمة سبيلا وسطيا للتوفيق بين الازدهار والمسؤولية الإنفاقية. وكلاهما حقق إنجازاً هاماً، إذ دفع ريغان الاتحاد السوڤياتي باتجاه الانهيار منهياً بذلك الحرب الباردة، وتمكن كلينتون من تحقيق فائض في الميزانية بدلاً من العجز المزمن الذي أنهكها. طبعاً، ما كان ذلك ليتحقق لكل منهما لولا الظروف الموضوعية، فريغان استفاد من هرم الاقتصاد السوڤياتي، وكلينتون جنى ثمار ما زرعه ريغان في إنعاشه للاقتصاد الأميركي. أما أوباما، فيبدو وكأنه يشهر شعار تغيير يبحث عن مضمون. فحين كانت المسألة الحرجة الوضع في العراق، كان هذا المضمون الانسحاب الذي تطلبه الأوساط المعادية للحرب. وبعد أفول هذا الموضوع وارتفاع أسعار النفط، أصبح المضمون «الأمن الوقودي». غير أن أسعار النفط انخسفت فيما الأزمة الاقتصادية تفاقمت، فأمسى المضمون الخفض الضريبي وتوسيع برامج الخدمات الاجتماعية. يمكن لأوباما وطاقمه الإشارة طبعاً إلى أن هذه المسائل جميعها مشمولة بشعار التغيير، ولكن الواقع يبقى أنه، وإن استفاد من الأزمات المتوالية التي عصفت بالولايات المتحدة، بقي استدراكياً في خطابه لا إقدامياً، وشعاره، التغيير الباحث عن هدف متحرك وغير المدعوم بأية تجربة تنفيذية، لا يخرج عن إطار العموميات. فنجاحه، لحظة تحققه، ليس إقراراً بظاهرة بقدر ما هو إشارة واضحة إلى أوجه فشل وعجز لدى الخصم. أوباما ليس ريغان جديد، ولا هو كلينتون جديد. ويبقى، رغم الأموال الطائلة التي أنفقها على تعريف الجمهور الأميركي بشخصه وخلفيته، كماً مجهولاً غير مجرب من حيث الأداء. واستعداد الناخب الأميركي لتلقفه، رغم هذه النواقص، مسألة يتوجب على الجمهوريين مراجعتها بدقة. ولكنْ ثمة رئيس آخر، في الماضي الأميركي القريب، شابه أوباما في محدودية خبرته وفي رمزيته، وهو جون كينيدي. وإذا كان الناخب الأميركي يومها قد غامر بانتخاب ذاك الرئيس الشاب، فإن ظنّه لم يخب، بل جابه كينيدي بحزم التحدي السوڤياتي خلال الأزمة الكوبية. ويبدو اليوم أن الجمهور الأميركي قد صمّم على تكرار المغامرة.

عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .