الأحد، 2 نوفمبر 2008

جان عزيز: استقالة رالف رياشي

لبرلين قضاتها... لبيروت رالف رياشي



لا تكتم الأوساط المعنيّة بوضع القضاء غصّتها وحسرتها الكبيرتين، إذ تتناول قضية استقالة رالف رياشي. ليست المسألة مجرد خسارة قاضٍ من طراز رياشي، تقول، بل هي قضية انحلال طبقة سياسية وانهيار سلطة دستورية، وانكشاف انعدام الثقافة الديموقراطية... كل ذلك، تحت عنوان رالف رياشي.في الشخصي أولاً، تكتفي الأوساط نفسها باستذكار استحقاق واحد، كمثل ـــــ نموذج، يكفي للاعتبار: 7 آب 2001. يومها كان البلد كله تحت الجزمة. وكانت غالبية سياديي هذه الأيام ومرجعياتها العليا، تبصم على المجزرة، وتزكّيها وتصدّق عليها، وتغطّيها، وتكتب لها الفذلكات والتسويغ والتسويق والتبرير. في تلك الأيام كانت شهيرة طرفة رفيق الحريري، حين يُسأل عن إمكان تغيير حكومته، أو عن الاستحقاقات النيابية أو الرئاسية المقبلة. كان يبتسم قائلاً: لا أعرف مَن سيكون رئيس الجمهورية الآتي. ولا أعرف إذا كنتُ سأبقى رئيساً للحكومة، لكنني أجزم بأمر واحد: عدنان عضوم باقٍ مدّعياً عامّاً...في تلك الأيام، وقف رالف رياشي. خالف كل فرماناتهم وأطلق المعتقلين. كان الياس المر يهوّل بمؤامرة إسرائيلية اخترقت جيش ميشال سليمان. وكان الحريري غائباً عن السمع، وبري محايداً، ولحود مستفيداً، وحتى «حزب الله» مديناً، والبطريرك الماروني في مصيفه... فكان رالف رياشي وحيداً، ووقف، وانتصر للحق.لكن الأزمة التي صار هذا القاضي عنوانها، تتخطّى شخصه الذي بات من العملة النادرة، حتى الفرادة. فخلف الشخصي، ثمّة قضية سلك كامل، لم يشفَ من عورات زمن الوصاية، ولم يبل من تشوّهات خَلقيّة ومسلكية مكتسبة.لماذا عقدة التشكيلات القضائية؟ فلندع التدخلات السياسية والحسابات الكبرى جانباً، تقول الأوساط نفسها. لكنْ للأزمة بعد قضائي داخليّ. إنه بُعدُ تهافت البعض على مراكز النيابات العامة وقضاة التحقيق. ما الجاذب في هذه المواقع؟ إنه جاذب السلطة ومحاباة أصحاب النفوذ ورجالات الزمن، الذين قوّتهم في مدى قدرتهم على طي ملف وإخراج موقوف وإقفال قضية و«فك مشنقة»، باتصال هاتفي مع لقب «رئيس».رحم الله زمن قضاة، كانوا يرفضون تعيينهم في الجزاء والنيابات العامة، وكانوا يهدّدون باستقالاتهم إذا ما حدث ذلك، كي يظل هاتفهم صامتاً، جدول عشاءاتهم فارغاً. نعم، ثمّة «تركيبة» داخل السلك، تتصارع على هذه المواقع، فتشلّ الاتفاق على التشكيلات.ثم هناك أزمة الحسابات الانتخابية. فالتشكيلات القضائية جزء من إدارة العملية الانتخابية. وثمّة طبقة سياسية كاملة، تعتقد أن فتح صناديق الاقتراع في الربيع المقبل، يبدأ بتعيين القضاة، وموازين توزّعاتهم، بما يؤثر منذ الآن في تشكيلة رؤساء لجان القيد والفرز في الاستحقاق الانتخابي. وكثيرون لم ينسوا بعد فرعية المتن الشمالي في حزيران 2002 وقلم القعقور، وفتاوى آل المر، الأب والابن والبنت... ليدركوا العلاقة العضوية بين التشكيلات والانتخابات. وحده رالف رياشي كان خارج تلك التجاذبات، حتى منزله سرق مرتين، مصادفة ربما، لكنها مصادفة تؤشر إلى كونه بلا مظلّة، غير الحق في نظام القوة...تبقى في استقالة هذا القاضي، إشارة إلى أزمة دولة كاملة، مع رجال دولة، لا يرون فيها غير المحاسيب والزبائنية، تقول الأوساط عينها. فإلى جانب قضية التشكيلات، وكملحق مرفق لها، ثمّة أزمة ملازمة، مرتبطة بمجلس الوزراء. فرئيس هيئة التفتيش القضائي تقاعد. جرى التوافق على بديل له. لكنّ مرجعاً يشترط لإمرار التعيين البديل، مسايرته بتعيين آخر له في ديوان المحاسبة. توقف العمل عند هذا الشرط. فعلق مجلس القضاء الأعلى عند محاصصة دولة، كل السلطات فيها قوالب جبنة وحلوى. كلهم من هذا الصنف، تقول الأوساط العارفة، ومن ينفِ، فيلتجرأ على نشر لوائح المستفيدين من صندوق المهجرين ولجان التخمين العقاري، وليتصفّح مجلات السهرات الفاخرة...حتى برلين هتلر، فيها قضاة. هكذا كان يُرمز إلى استمرار الحق تحت الجزمة النازية. لا نازية عندنا طبعاً، وإن بعض ميني ـــــ الهتلريين، لكن لبيروت قاضٍ اسمه رالف رياشي.

عن الاخبار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .