الخميس، 4 ديسمبر 2008

ايمن جزيني: حزب الله والآتي الأعظم

التزام العمى بقرار ذاتي
خلافاً لحاله العسكرية المتوثبة والراسخة في الاجتماع اللبناني، يستيقظ "حزب الله" من سباته السياسي كلما استجد أمر في لبنان له علاقة بإيران التي هي منبته ومنارته الايديولوجية والفقهية ومثاله الذي يسعى في مسالك البلد لإسقاطه على اللبنانيين وتطبيقه عليهم. آخر انبعاثات الحزب الخميني الهوى والمنشأ، كان عبر كتلته النيابية الموقوفة على اصدار بيانات شجب واستنكار أو تأييد وترحيب، من دون أثر يذكر في الحياة البرلمانية التي نبتت فيها منذ كان اتفاق الطائف. فالكتلة البرلمانية التي تتحرك في حرفتها السياسية على ايقاع الحزب العسكري، أصدرت بياناً في ذكرى استقلال لبنان ضمّنته إعجابها "بانفتاح العهد" الذي يتربع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على رأسه، مسترشدة في ذلك بقرار الاخير زيارة بلاد الله الاسلامية في إيران. وعلى مثال سوابقه، ربط الحزب تأييده للزيارة بأن لها "أبلغ الاثر في تظهير صورة لبنان المعافى والمستقر"، مغفلاً ان البلد يقيم على اضطراب مستقر حيناً بسبب من تنظيم "فتح الاسلام" الارهابي، وأحياناً جراء تعطيل الحياة السياسية ووقفها على ارادة جماعات يقول الحزب بحصرية تمثيلها وتأييدها له تأييداً مبرماً لا رادّ فيه لقضاء الله وقدره. ويكاد حزب "ولاية الفقيه" يختص بالشؤون الايرانية لدينا، منكفئاً في حرفة السياسة عن كل ما عداها، اللهم باستثناء ما نصّب نفسه له حاكماً وواعظاً ومرشداً ويتناول متن وجوده على الخريطة السياسية العالمية كإحدى ادوات الجمهورية الخمينية في طهران، على ما اماط اللثام عنه احد قادة الحرس الثوري بقوله ان على اسرائيل أن تنتظر رداً من "حزب الله" إذا قرّرت مهاجمة اسرائيل.هكذا، فإن تظهير صورة لبنان "المعافى والمستقر والحريص على العيش المشترك" لا تتمّ في نظر الحزب، إلا متى زار سليمان إيران!، مسقطاً من ذاكرته نزوعه الى استخدام السلاح في بيروت وأطراف الجبل في 7 آيار الماضي، حين نصّبه نظيراً للفاعلية السياسية لقوى الغالبية النيابية. فالحزب العسكري أدّى تربعه في محل الصدارة من قرار السياسة اللبنانية، الى تبدد ما قدّمته الأعوام الغابرة منذ اقرار اتفاق الطائف حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري من سلم أهلي هش. وليس مردّ هذا التبدد الى قوة "حزب الله" العسكرية وحدها، انما الى انكفاء قوى 14 آذار الى منطق الجماعات الأهلية وتوازناتها، وهو الامر الذي أهمله الحزب الخميني إهمالاً لم تقم بعده للبلد قيامة. وعلى هذا ضعفت السياسة وصارت في مهبّ المناكفات الأهلية التي لا يأمل عاقل الخلوص منها، وضعفت المواطنة ضعفاً لا دولة بعده.وإذ سوّغ الحزب لنفسه التوسل بالسلاح لتذرير القوة السياسية لفريق الغالبية، فهو ينافح راهناً عن "انطلاق مسيرة تفعيل عمل المؤسسات" التي انسحب من أبنيتها وعطّل عملها حيناً بذريعة ملاحظات على المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال الحريري ومن دون أن يعلنها، وأحياناً تحت عنوان "مشاركة" لم يدعُ أحداً إليها في قراره الحرب في تموز من عام 2006.وعلى نحو ما حمل على جميع من هم في تحالف "ثورة الارز" وقبلهم على حق الجيش في التحليق بمروحية فوق سجد، بدا محمولاً على انكار ما قام به في معازله الامنية والاهلية في بعلبك والجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لجهة انشاء دويلات يشدّها الى بعضها قلق وهذر أهليان، وتناول في بيانه أهمية "إنجاز المصالحات وتعميم مناخ التهدئة" الذي لم يكن من حاجة الى الحديث عنه لولا أن الاعمّ الغالب من اللبنانيين هم من "المظنون بهم" إذ تخلّفوا عن تأييد سياسات هذا الحزب. وقد ينقاد اللبنانيون الى ما أورده البيان، عن انه "ليس خافياً على أحد الدور الإيراني الايجابي في دعم حق الشعب اللبناني. وأيضاً سلمه الاهلي الداخلي"، على هذيان، فالحزب الخميني لم ينفك يربط ربطاً وثيقاً بين رؤيته الى إيران ودورها في دعمه عسكرياً وسياسياً وبـ"المال النظيف"، وموقف الاجتماع الأهلي اللبناني عموماً، ويتستر على ما قدّمته طهران من أسلحة وأعتدة وتدريبات له لتثبيت شعاره والصدور على عموم اللبنانيين بأنه "حزب الجمهورية الاسلامية في لبنان"، وعلى ما ظن به كثيراً باللبنانيين الآخرين المتنافرين عنه طوائف وأهواء.كما يستنكف بيان الكتلة عن الرد على سؤال ملحاح يطرحه لبنانيون كثر: كيف الحديث عن دولة والفاعلون فيها إما معطلون لأبنيتها البرلمانية والدستورية والسياسية، وإما حملة سلاح ويفوقون الجيش عدداً وعدّة ويحظّرون عليه وعلى قوى الامن الداخلي ولوج معاقلهم وغيتواتهم إلا بناء على تنسيق سابق مع أجهزة الحزب الامنية والعسكرية الكثيرة؟ وكيف دولة يعيش فيها مسلمون ومسيحيون من منابت فكرية ونوازع ايديولوجية مختلفة، يتخذ قرار الحرب فيها حزب من لون واحد ومجلس شورى أو مجلس تنفيذي وليس الحكومة أو البرلمان؟ وإذ يسكت البيان عن تردي حال لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وتبعثر قوته بين جماعاته المتدابرة، فهو يدرج باعتزاز ان "ايران اليوم تمثل قوة أقليمية ناهضة ومنفتحة على قضايا الحق والعدل والحرية في منطقتنا والعالم"، ويغفل التصدي لاحتلال الجمهورية الفارسية الجزر العربية الاماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، تصدياً شافياً لمفهوم "المقاومة" الذي يصدر عنه، ويسوّغ كل ما يقوم به في البلد. فهو يفترض أنه ومن وراءه الحق والصواب والمكلفون "إقامة العدل والقسطاس في الارض بعدما ملئت ظلماً وجوراً من الآخرين". ولا يأبه البيان لتعليل سكوته سكوتاً مطبقاً قبل الآن عن رفد زيارات سليمان السابقة بـ"مواقف داعمة ومؤيدة"، بينما يعتبر حالياً ان "الزيارات الرئاسية الناجحة الى كل من سوريا ومصر وقطر والسعودية، ثم الى بعض الدول الصديقة وعواصم القرار (لا يحددها) لتترجم انفتاح العهد"، ما يشي بهشاشة أصلية لحرفة السياسة ودربتها عند الحزب العسكري، ويؤشر إلى مقدار السرعة التي يؤتي فيها كل تحرك يصيب مرجعية جماعة من الجماعات الأهلية ضوابطه السياسية. فسياسة هذا الحزب تدغدغها زيارة إيران لاندماجه معها في سياق واحد، ولاختلاط كل ما لديه بكل هو إيراني، بمعنى استقاء فعله من معين الجمهورية الفارسية. ويبعث البيان الازدواج الجلي في خطاب "حزب الله" لجهة دوره اللبناني ووظيفته الايرانية. وفي إزاء كثرة الدواعي التي يسوقها عن "مصلحة لبنان في تعزيز علاقاته" مع طهران، يبدو ان الجمع المتأخر بين مختلف الدول التي زارها رئيس الجمهورية في بيان واحد أمر عصي على العقل والفهم في آن واحد. وإذا كان "الاستقلال" محجة البيان تهنئة "وإشارة"، فإن لغته تحبس في الصدور غمّاً، ذلك ان هذا الحزب بنى في عشيرته عصبية أهلية تحبس في الانفاس قلقاً، فالدولة "العادلة والقوية" عنده هي فكرة تلازم قوة جماعته لا الاجتماع اللبناني العام، وهي متوقفة على العصبية رهطاً، لا ترهص بنهاية نخلص معها الى سلم أهلي وطيد. ويُسأل "حزب الله" عن جدوى الحديث في بيانه البليغ عن "السلم الأهلي الداخلي" في ظل انكاره ورفضه لكل قيد على سلطته وعلى أجهزته العسكرية والأمنية.
من كانت حاله هكذا، فهو قد التزم العمى بقرار ذاتي. وفي انتظار الآتي من "نتائج" زيارة سليمان لطهران ما علينا إلا الترقب وترداد "الأبانا، راجين الا يكون الآتي أعظم.
عن ملحق النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .