الخميس، 4 ديسمبر 2008

حسين يعقوب: في احوال الديموقراطية والانتخابات

هل الانتخابات فعل ديموقراطي؟




بدأت القوى والأحزاب والتكتلات السياسية اللبنانية تستعد لدخول معركة الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة، بعدما اقر مجلس النواب القانون الانتخابي الذي على اساسه سوف تجرى الانتخابات. وتم الاتفاق على القانون في "مؤتمر الدوحة" في ايار الماضي، بعد ازمة سياسية كادت تُدخل البلد في صراع طائفي عسكري لا تحمد عقباه. واتفق المجتمعون على قانون انتخابي يعتمد تقسيما مصغرا للدوائر الانتخابية ونص على "اعتماد القضاء دائرة انتخابية طبقا لقانون 1960". ويفرض القانون اللبناني أن يكون نصف النواب من المسيحيين ونصف النواب من المسلمين، وهكذا بالنسبة إلى الوزراء، فلا بدّ من أن يكون هناك قانون ستة مكرر ستة بين المسيحيين والمسلمين. وكان هناك كلام لبعض السياسيين المسيحيين بسبب ما شعروا به من تهميش عانوا منه في الحقبة السورية، أي قبل اعادة انتشار الجيش السوري واقرار القانون الانتخابي الحالي، بأنهم لا يقبلون بأن ينتخب المسلمون النواب المسيحيين، ولا بد من أن ينتخب المسيحيون النائب المسيحي، والمسلمون النائب المسلم، وهنا تصبح المشكلة في انتخاب المواطنين للنائب، وتصبح الديموقراطية، يوتوبيا محفوفة بالضياع. وجرى الاتفاق على تقسيمات قانون الستين الانتخابيّة والنظام الأكثري لضمان عدم تدخل أبناء ملّة ما في اختيار أبناء ملّة أخرى لممثليها.هذا الواقع يدعو الناظر في أحوال البلد الى طرح سؤال جوهري عن الانتخابات والديموقراطية اللبنانية، فهل الانتخابات فعل ديموقراطي، في ظل النظام الطائفي التوافقي والتحاصصي وفي ظل الاختلاف الكبير على القضايا المصيرية الكبرى؟ فالديموقراطية بمفهومها العام تنظم العلاقة بين قوى سياسية تختلف على الجزئيات والوسائل وتجعل التداول السياسي السلمي بينها ممكناً. أما إذا كان الخلاف على المسائل الكبرى، فالنظام الديموقراطي يتحول إلى أرض لتفاقم الانقسام الداخلي، ولا يستبعد أن يفضي في النهاية إلى انفجار صراع دموي مثلما حصل في لبنان في 1975 و2008.كان القانون الانتخابي موضوعا دائم الحساسية في تاريخ لبنان، حيث تتبارى المجموعات المذهبية لأجل الحفاظ على مصالحها السياسية من خلال التمثيل النيابي. من هذا المنطلق لا بد من العودة الى أسس النظام اللبناني بحيث يشكل النظام السياسي والدستوري اللبناني نموذجاً خاصاً للأنظمة الليبيرالية التي نسخت عن النظم الدستورية الغربية في بيئة اقتصادية واجتماعية وثقافية غير ملائمة. وإذا كانت غالبية الأنظمة "الليبيرالية" العربية سقطت منذ مدة وحلت مكانها أنظمة مواجهة كاذبة، فإن صمود النظام الدستوري اللبناني لغاية 1975 لم يكن نتيجة مناعته وملاءمته بل نتيجة التناقضات الطائفية داخل المجتمع اللبناني مما حال دون تبلور وعي اجتماعي وطني حول مسألة النظام السياسي. وهذا ما جعل النظام اللبناني فريداً ومتميزاً ومركّباً لارتكازه على مجموعة من العوامل والأسس المتناقضة (الديموقراطية الطائفية، الإقطاع السياسي، الليبيرالية الاقتصادية) على قاعدة من التوازن الهش في ما بين هذه العوامل، مما جعله معرضاً باستمرار للأزمات السياسية الباردة حيناً والحادة والدموية حيناً آخر. العلاقة وثيقة في لبنان بين مؤسسات النظام ونشأة الكيان اللبناني وتطوره. لذلك من الصعوبة بمكان فهم النظام الدستوري اللبناني وأزمته المستمرة منذ عام 1958 من دون ربط ذلك بالمسألة التاريخية (نشأة الكيان اللبناني) وبالمسألة الاجتماعية السياسية (تركيبة المجتمع اللبناني وتطور موقف الطوائف من الكيان).حال ذلك كله دون تبلور انتماء وطني سليم ودون بناء دولة حديثة على أساس من مبادئ المساواة والعدالة ومفهوم المواطنة. فالنظام الطائفي الذي طبِّق منذ الاستقلال لغاية إقرار التعديلات الدستورية عام 1990 لم يستطع أن يوحّد اللبنانيين في بلدهم، بحيث يشعرون بوحدة البلد. فالنظام الطائفي جعل لكل طائفة حصّة معيّنة في النواب والوزراء، وأيضاً حصّة معيّنة في الإدارات والوظائف الرسمية، بحيث حاول كل منتمٍ إلى طائفة، بطريقة غير مباشرة، أن يفضّل أبناء طائفته، في تقديم الخدمات العامة في الدولة، على أبناء الطائفة الأخرى. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ هذا النظام جعل كل طائفة تمارس ما يشبه الاستقلال في شؤونها الخاصة، فتشعر بالحاجة إلى أن تكون قوية أمام الطوائف الأخرى، وهكذا أصبحت كل طائفة تعتبر نفسها أشبه بدولة مستقلة، فلكلّ طائفة رجال دينها وسياسيّوها، ولكلّ طائفة مناطقها التي لا يقبلون تدخّل مناطق أخرى في شؤونها، حتى أصبح لبنان ولايات غير متحدة تعيش حالات الحذر من بعضها البعض، إلى حدّ الخوف المتبادل من أن تؤدّي أي مشكلة بين أبناء الطوائف إلى حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين أو في الطائفة نفسها. كما حدث في الحرب الاهلية 1975-1990 و7 أيار 2008، والسبب انه ليست هناك وحدة لبنانية تنطلق من خلال قاعدة المواطنة.واذا دخلنا الى تحليل الديموقراطية اللبنانية ومبدأ الانتخاب وتداول السلطة، نكتشف ان الانتخابات في لبنان ليست الا فعلا فولكلوريا، والديموقراطية ليست الا تعبيرا طوباويا، يعمل النظام على تثبيتهما لاضفاء شرعية على نفسه. فالديموقراطية لم تكن يوماً، وفي مختلف التجارب الاجتماعية التاريخية، مقتصرة على ممارسة الشعب لحقه في الانتخاب والاستفتاء، على أهميتها، بالنسبة الى مسائل تداول السلطة وتكريس العلاقات الديموقراطية. فثمة سياق تاريخي (سياسي واجتماعي) لهذه العملية لم يعشها لبنان لغاية الان، تبدأ من احترام الحريات الفردية وحقوق الانسان أو المواطن (أي من مفهوم المواطنة)، مروراً بضمان الحق في التعبير والتنظيم والمشاركة السياسية، ما يعني الحق في إنشاء الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وصولاً الى ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وسيادة القانون، وفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتحييد جهاز الدولة، وأخيراً احترام مبدأ تداول السلطة، عبر صناديق الانتخاب والاقتراع.في هذا الاطار فإن اجراء الانتخابات النيابية، لا يختزل وحده عملية الديموقراطية، ولا يحل محلها، ولا يعتبر مؤشراً الى سلامة المشاركة السياسية، فالديمقراطية تأتي كتتويج لعملية سياسية اجتماعية تاريخية، لا يزال لبنان بعيداً عنها بسبب تناقضات كبيرة يعيشها بين المفاهيم العامة للسلطة وممارستها والحياة السياسية والهيمنة عليها.

عن النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .