السبت، 20 ديسمبر 2008

محمد نمر: المال الطاهر تلاشى

تعويضات بالليرة اللبنانية



كشف التقرير المفصل الصادر عن الهيئة العليا للإغاثة، ان المواطن اللبناني هو مَن سيدفع كلفة إعادة بناء ما دمره عدوان تموز 2006 ، وان "وعود المال الطاهر" بقيت وعوداً، وإن التعهد بسداد ما تقصر عنه الدولة، إنكشف عن إلتزام الدولة بسداد ما لم توفره المساعدات الدولية والعربية. إلا أن هذه الحقيقة التي يدركها أصحاب الوعود لم تلجمهم عن كيل الشتائم للدولة وإستنفار جمهورهم ضدها. حتى ظهر المعتدي عليها مظلوماً، والبست هي ثوب الظالم.وكان التقرير كشف حساب إنفاق الدولة من مطلع 2005 حتى آخر شهر آب 2008، وهو يشمل ثلاثة أبواب رئيسية. أولها أعمال الإغاثة التي تتضمن تعويض المتضررين من الاعمال الإجرامية والمتفجرات والكوارث الطبيعية. إذ تحصي الهيئة ما يجب تعويضه وتوضح أن الدولة تدفع ما يتوجب عليها. وثانيها، وهو الأكثر اثارة للمناقشة والحوار والإختلاف، يتعلق بالتعويضات بعد عدوان تموز 2006. وثالثها تعويضات معركة نهر البارد ومعالجة أثارها.البارز في التقرير هو الباب الثاني منه، أي عدوان تموز الذي لم تقرر الدولة اللبنانية ظروفه، ولم تختر خوض المواجهة، بل هي وضعت فيها بعدم سلبت بالقوة قرار السلم والحرب. حتى ان السيد حسن نصر الله نفسه فوجيء يومها بحجم الحرب وصرح في بدايتها بأنه لو كان يعلم أنها ستقع لما كان امر بتنفيذ عملية خطف الجنود الإسرائيليين بعيد الخط الأزرق.لحظة إنتهاء العدوان دار نقاش حول موضوع التعويضات، ومن سيبني ويعمر؟، ومن سيدفع للمواطنين؟، وكان جزء من هؤلاء يقسمون بالسيد ، حتى لو "طار البيت،وأستشهد أحباء".وبصدور تقرير الهيئة ثبت أن الدولة اللبنانية، لم تزل منذ إنتهاء عدوان تموز تتعرض للإعتداء المعنوي عدا الواقعي بتهمة إهمال التعويض على المتضررين، فيما لا تزال في أسماع هؤلاء تعهد الأمين العام لـ"حزب الله"، غير وقف المعارك، أن حزبه سيعوض كل من فقد منزلا او تضرر بيته، أو تأثر بأي شكل من الأشكال من البربرية الإسرائيلية. وقد الحق هذا التعهد بآخر مفاده أنه سيكون للمواطنين الذين تستحيل عليهم العودة إلى مساكنهم، ولو لم تدمر، بدل بناء ومفروشات، بالإضافة إلى إيجار سنة مسبقة الدفع في إنتظار بناء بيوت لهم. وفي المختصر ساد إنطباع أن "حزب الله" سيعيد ما هدمه العدوان، وإن دور الدولة هامشي، وحتى مرذول.ولكن تقرير الهيئة يثبت أن الدولة اللبنانية تتولى إعادة الإعمار، عبر الهيئة العليا للإغاثة. وهكذا يكون "حزب الله" تولى فقط دفع بدلات إيجار لمدة سنة للمواطنين الذين دُمرت منازلهم، أما باقي التعويضات والتكاليف الناتجة عن هدم البنى التحتية والجسور والطرق، والمستشفيات، ودور العبادة والمنشآت المدنية، في الجنوب والضاحية والمناطق كافة، فكلها تولت إدارة تعويضاتها الهيئة العليا للإغاثة ووقع على كاهل الدولة اللبنانية ما نسبته 43% من كلفتها.وقد تمّ تأمين تمويل عملية إعادة الإعمار عبر مصدرين. الأول من الدول المانحة التي تبرعت بمبالغ نقدية وهبات عينية، عربية واجنبية. لكن تبين أن تلك التبرعات كلها لا تكفي لتمويل إعادة اعمار ما تهدم، وهي عملية ضخمة، بدليل أن التقرير يظهر مرحلتين تحققتا حتى الآن، أولاهما الإغاثة السريعة. وقد انفقت الهيئة حتى الآن وإلتزمت بإنفاق 217 مليون دولار، فيما دفعت الدول المانحة 87 مليون دولار، أما الباقي وهو 130 مليون دولار فهو على حساب الدولة اللبنانية، بما في ذلك إعمار البنية التحتية، وتعويض الشهداء والجرحى وإزالة الركام. بمعنى أن الدولة إلتزمت 60% من كلفة هذه المرحلة.والمرحلة الثانية بناء البيوت المدمرة في كل المناطق اللبنانية، والأكلاف الظاهرة حتى الآن 766 مليون دولار، وتشمل بناء أكثر من 108 آلاف وحدة سكنية في الجنوب والضاحية. واستلزم تمويل هذه العملية 472 مليون دولار من الدول المانحة، و294 مليون دولار يتوجب على الدولة اللبنانية تأمينها، بمعنى أن مساهمة الدولة تبلغ 38% في المرحلة الثانية في مقابل 60% من الدول المانحة.والـ472 مليون دولار أمنتها تحديداً المملكة العربية السعودية (55 الف وحدة سكنية)، ودولة الكويت (10.5 الف وحدة سكنية)، وسلطنة عمان( 5.3 ألاف وحدة سكنية)، والعراق (2.2 الفا وحدة سكنية)، والبحرين واندونيسيا (الف وحدة سكنية)، في حين تغيب قيمة المبالغ التي توردها إيران والتي على زعمها لإقامة مشاريع الإعمار التي لم تظهر حتى الآن.وورد في الصفحة 17 من التقرير أن الدولة اللبنانية لم تستطع معرفة المبالغ التي تنفقها "الهيئة الإيرانية للإعمار" التي تعمل في اكثر من منطقة لبنانية، حتى المشاريع التي تقوم بها لا أثر لها على أرض الوطن، أما بقية الدول فتعمل بالتنسيق مع الدولة اللبنانية وتطلعها أولا بأول على أعمالها خلافاً للهيئة الإيرانية. وهذا تصرف يبعث على التساؤل.وتتحمل الدولة اللبنانية كلفة المساعدات لأصحاب 35 ألف وحدة سكنية، منها 12469 وحدة في الجنوب، و22149 في الضاحية الجنوبية، ما نسبته 15% من المساعدات المقدمة إلى اصحاب الوحدات السكنية في الجنوب و95% من كلفة مساعدة أصحاب الوحدات السكنية في منطقة الضاحية.وتبين في المحصلة ان على الدولة ان تتحمل ما نسبته 43% من أصل مجموع الكلفة الإجمالية لأعمال الإغاثة والمساعدات لأصحاب الوحدات السكنية، أي 294 مليون دولار، وأن نسبة 57% فقط تؤمنها الدول المانحة أي 472 مليون دولار .وهذه النسبة (43%) التي يتوجب على الدولة تأمينها غير متوافرة في خزينة الدولة، وتبلغ قيمتها 424 مليون دولار، فمن أين ستؤمنها الدولة؟.إقترضت الحكومة هذه المبالغ مؤقتاً من مصرف لبنان ريثما يتم تأمين الأموال، لأنه لم يكن أمامها إلا حلان: الأول هو الإستدانة، ولا يمكن أن تستدين إلا بموافقة مجلس النواب، والثاني ان تطلب من الدول المانحة المساعدة وتأمين المبلغ، ولكن في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالعالم يصعب على أي دولة ان تدفع مثل هذه المبالغ.ويتبين كذلك ان التعهدات التي أطلقتها أطراف حزبية داخلية وإلتزامها بأنه إدارة الإعمار هو كلام غير واقعي، ولم ينتقل من الإستهلاك الإعلامي إلى الحقيقة فيما تنكبت الدولة المسؤولية.والجدير بالذكر أن التعويضات التي اقرّتها الدولة لإصحاب الوحدات في الضاحية قيمتها 80 مليون ليرة لكل وحدة مهدمة، وتشمل إعادة بناء الشقة وبدل مفروشات.أما في الجنوب فالتعويضات 60 مليون ليرة للوحدة المدمرة بما يشمل إعادة البناء وبدل المفروشات. وفي الحالتين لم يكن من دور مالي لأي طرف حزبي.ولا يدرك كثير من اللبنانيين إن حصيلة العدوان يدفعها المواطن اللبناني الذي يتحمل فوق ذلك اعباء الدين العام، وان شركة "وعد" التي قيل أنها ستبني ما هدم وستقوم بمشاريع كبيرة، ليس لها دور واقعي، غير إدارة المشاريع بتمويل من خزينة الدولة اللبنانية.
عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .