الأحد، 14 ديسمبر 2008

ماجد كيالي: لماذا لا ينظم الفلسطينيون نقاشاً عاماً حول قضاياهم؟

تخلف عملية صنع القرار



لم يعتد الفلسطينيون مناقشة قضاياهم ومشكلاتهم في ما بينهم، بجدية ومسؤولية وشفافية، برغم كل تضحياتهم وتجاربهم وخبراتهم، وبرغم أنهم أحوج ما يكونون الى ذلك، بسبب تشتتهم وظروفهم غير الطبيعية، والتحديات الصعبة والمعقدة التي تواجههم، خصوصاً بحكم ما يكابدونه من معاناة سواء تحت ضغط الاحتلال، كما في ظروف اللجوء، حيث الحرمان من الهوية والوطن والحقوق. فبعد أكثر من أربعة عقود على نشوء الحركة الوطنية فإن طريقة صنع القرارات والسياسات في الساحة الفلسطينية ما زالت، في الأغلب، لا تنبثق من مؤسسات وإطارات شرعية، ولا من مناقشات جماعية، بقدر ما تنبثق من العواطف والمزاجات وإرادة القيادات والتوظيفات الفصائلية والخارجية! وحتى في حال وجود نوع من المؤسسات فإن التعامل معها يجري غالباً بطريقة استخدامية مزاجية، وصورية، بل وهزلية؛ وهذا ينطبق على المعارضة كما على السلطة. هكذا، مثلاً، قام المجلس المركزي بتنصيب محمود عباس رئيساً لدولة فلسطين (المفترضة)، إضافة الى أنه رئيس السلطة، ورئيس المنظمة، وقائد حركة فتح! وكان حرياً بالمجلس المركزي الاضطلاع بمهمته بشأن إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، التي تآكلت مع قيام السلطة في الضفة والقطاع (منذ العام 1994)، وكان الأجدى به الإعلان عن قيام دولة فلسطين بداية، وبعدها القيام بتنصيب رئيس هذه الدولة. وربما كان لمثل هكذا إعلان أن يعيد المسألة الى نصابها، أي كتحد في وجه إسرائيل، التي تهرّبت من استحقاقات التسوية، وتلاعبت بها، وأن يطرح مسألة الاعتراف بهذه الدولة (التي تقبع تحت الاحتلال) على الأجندة العربية والدولية. أما في هذه الحال فإن مجرد التنصيب لن يخدم إلا غايات الصراع الداخلي، ولن يفسّر إلا في سياق الصراع ضد حركة حماس وادعاءاتها بنزع الشرعية عن أبو مازن، بعد 9 كانون الثاني/ يناير المقبل. فوق هذا وذاك، فإن هذا التنصيب يطرح مجدداً التساؤل عن جدوى الربط بين السلطة والمنظمة، لا سيما بعد أن قضمت الأولى الثانية، خصوصاً أن السلطة باتت تحرك المنظمة، أو تستحضرها (من الغياب والتغييب) بحسب حاجتها لها، بدل أن تكون المنظمة بمثابة مرجعية وقيادة للسلطة. المشكلة أن التنصيب يحصل بعد أن بيّنت التجربة الماضية، أي تجربة قيام السلطة، مخاطر الربط (أو التماهي)، بين السلطة والمنظمة، في الاستهدافات الإسرائيلية، كما بالنسبة للحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني (في الداخل والخارج). وهي تجربة استنتج الكثيرون منها أهمية مراجعة هذا الربط، لصالح التمييز بين المنظمة والسلطة، الأمر الذي يعيد للمنظمة مكانتها ويفعّل دورها، كموحد للشعب الفلسطيني، وكإطار سياسي جامع لحركته الوطنية، وكممثل له. التساؤل الثاني الذي تطرحه عملية التنصيب تتعلق بكيفية التعاطي مع الوضع الفلسطيني، فالطبقة السياسية السائدة ما زالت تغلّب وضع السلطة وعلاقاتها ورموزها ومؤسساتها على وضع الحركة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها حركة تحرر وطني من الاستعمار والتمييز العنصري والتغييب الكياني (أي بما يتعلق بالأرض والحقوق والهوية). وقد أثبتت التجربة، أنه على رغم أهمية بث الروح الكيانية والمؤسسية في الشعب الفلسطيني إلا أن هذه العملية لن تستقيم ولن تأخذ مجرى التطور الطبيعي من دون التحرر من واقع وعلاقات الاحتلال والهيمنة والتمييز والإلغاء التي يفرضها وجود إسرائيل، بطابعها كدولة صهيونية يهودية، على الفلسطينيين. وثمة تساؤل آخر يطرح نفسه في هذا السياق وهو يتعلق بالهروب (إذا صح التعبير) نحو المنظمة، التي جرى تغييبها طوال المرحلة الماضية، في حين أن غالبية القوى المكوّنة لهذه المنظمة تبدو في حالة مريعة من التآكل في قدراتها وإمكانياتها، ووضعها التمثيلي (وهو ما بينته نتائج الانتخابات التشريعية في العام 2006). الأنكى من ذلك أن استحضار المنظمة بدا أنه جاء عوضاً عن انعقاد مؤتمر حركة فتح (الذي كان من المفترض أن يعقد أواخر هذا العام)، للملمة صفوف هذه الحركة، وإعادة هيكلتها، وتنظيم أوضاعها!في الجانب المقابل، فقد امتنعت حركة حماس فجأة عن الذهاب الى اجتماع القاهرة، بعد أن شاركت مع القيادة المصرية المعنية، ولفترة طويلة، في التحضير لهذا الاجتماع. وبعد أن كانت قيادة السلطة (وفتح) تفترض شروطاً مسبقة لعقد أي حوار مع حماس، ولا سيما العودة عن انقلابها في قطاع غزة (2007) إذا بحركة حماس باتت تفرض شروطاً مسبقة على الحوار مع السلطة! وبينما كانت حماس (فترة المعارضة) تتبنى خطاباً راديكالياً بشأن استمرار المقاومة، وضمنها العمليات التفجيرية، إذا بها في هذه المرحلة تتبنى خطاباً واقعياً يتحدث عن التهدئة ووقف إطلاق الصواريخ، بدعوى عدم إعطاء ذرائع لإسرائيل لحصار غزة. وبينما كانت هذه الحركة تخوّن برنامج الدولة في الضفة والقطاع باتت تعتبر ذلك عملاً مشروعاً؛ وخطوة في إطار هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل؛ الأمر الذي يطرح التساؤل عن صدقية ادعاءات حماس.على أي حال، فقد اعتادت الساحة الفلسطينية حوار الطرشان، هذا، والاتهامات المتبادلة، طوال المرحلة السابقة، وهي لم تشهد ولا مرة نوعاً من الحوار الداخلي المسؤول والبناء، إزاء القضايا والخيارات السياسية التي اتخذتها، والتحولات التي شهدتها، من التحرير الى التسوية، ومن الانتفاضة الى المفاوضة، ومن المقاومة الى التهدئة، ومن حركة التحرر الى السلطة وبناء الكيان. ويمكن تفسير ذلك بضعف الروح المؤسسية والعلاقات الديموقراطية، وغياب المشاركة الشعبية، في الساحة الفلسطينية، حيث الفصائل حلّت محل الشعب، والقيادة محل التنظيم، وحيث القوى لا تستمد مواردها وشرعيتها من شعبها فقط، وإنما تستمد معظم ذلك من العوائد والتوظيفات الخارجية؛ بسبب غياب الموارد الإنتاجية الداخلية، وظروف الشتات ومداخلات الصراع ضد إسرائيل. ويمكن ببساطة ملاحظة كيف أن هذه الطريقة في العمل السياسي أدت الى خلق اضطرابات في عمل الساحة الفلسطينية، وإدارتها وعلاقاتها، وإدخالها في حساسيات وحسابات خارج المعادلات الوطنية. مثلاً، إذا أخذنا خيار التسوية كنموذج، فإن القيادة الفلسطينية، وعلى مدار ثمانية عشر عاماً من عمر هذه المسيرة، لم تجر أي حوار جدي واضح حول القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، لا في ورشات عمل مختصة ولا في هيئات تشريعية مسؤولة ولا حتى في وسائل الإعلام. والمؤسف أنه بدلاً من ذلك يتم الاكتفاء بعرض نتائج السلسلة الطويلة والمضنية من المفاوضات، بشكل شفوي، على اجتماعات القيادة الفلسطينية التي باتت بمثابة ناد مفتوح، يستمع المشارك فيه من دون أن يتحدث، ويوافق من دون أن يجادل، ويأخذ علماً من دون أن يكون له الحق بصوغ السياسات.أما خيار المقاومة المسلحة، أو حرب التحرير الشعبية، فلم تجر دراسته، أو تفحّص إمكاناته الذاتية، ومدى مواءمته للظروف المحيطة، كما لم يجر تمثله بطريقة مناسبة من الناحية التطبيقية، فبدا وكأنه مجرد ظاهرة إعلامية، أو تظاهرة ميليشياوية. الأنكى أن تأثيرات هذا الخيار على إسرائيل، في ظروفه وفاعليته، كانت محدودة، إلا أنه جلب مشكلات كبيرة للحركة الوطنية الفلسطينية باحتكاكاتها مع دول الجوار، وانعكاساته السلبية عليها، لجهة طغيان ظاهرة العسكرة، ولجهة اعتماده في الهيمنة المجتمعية وفي حل المنازعات الداخلية؛ وهو ما توّج أخيراً بتجربة هيمنة حماس على قطاع غزة بالقوة (2007). النتيجة أن الحركة الفلسطينية أخفقت في الخيارات التي أخذتها على عاتقها، ليس بسبب ضعف قواها في مواجهة عدوها فقط، أو لعدم توفر الظروف الدولية والإقليمية المواتية لها فحسب، وإنما، أيضاً، بسبب عدم توفر الشرط الذاتي لذلك. والشرط الذاتي هنا يقصد به تخلف إدارة الساحة الفلسطينية، وبالتالي تخلف عملية صنع القرار فيها، وخضوعه لحسابات وتوظيفات آنية وفصائلية وخارجية.السؤال الآن، الى متى ستبقى الساحة الفلسطينية رهينة خيارات فتح وحماس؟ وألم يحن الأوان لإطلاق نقاش وطني عام في هذه الساحة حول مشكلاتها وخياراتها، بعيداً عن التجاذبات الفصائلية والتوظيفات الخارجية؟

نوافذ

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .