الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

سوزانا روديل: حان وقت المثل العليا التي افتقدتها اميركا

ان نقدم للعالم شيئاً آخر غير الغرور

قبل خمسة وأربعين عاما في 22 نوفمبر تحطم قلبي. فعندما كنت في الخامسة عشرة من العمر وقتها أصيب العالم بالجزع إثر إغتيال جون كنيدي. وفجأة توارى كل التفاؤل والمثالية التي كان يحملها الرئيس الشاب ولم يعد لها مكان.

وأسند الأمر الى نائب الرئيس ليندون جونسون بيد ان ذلك لم يخفف الحزن الذي خيم على فترة بداية مرحلة الشباب كما أن السنوات التي أعقبت ذلك التاريخ لم تزل تمثل سحابة قاتمة ومتلبدة بمآسي مارتن لوثر كينج وبوبي كنيدي ووترجيت. كما أن فترة الراحة الوجيزة في عهد كارتر أفسدتها أزمة الرهائن في ايران. أما سنوات ريجان الثمان فكان حظها هيمنة أيديولوجية " الحكومة كعدو".
ولمدة ثلاث سنوات متتالية من 1960 الى 1963 كنت أشعر بالرضا عن كوني أميركية وكانت خططي حينئذ هي الإلتحاق بقوات السلام. فقد كنت أحب الرئيس وكان العالم يبدو منفتحا على اتساعه. والواضح ان بعض تلك الرؤى الوردية للعالم كانت نزق شباب. بيد أن ذلك لا يعني إلغاء تلك السنوات الثلاث التي شعرت فيها أميركا أنها خير وصلاح مع نفسها ومع العالم الخارجي.
وقد كدت أنسى تلك المشاعر التي عشتها في ذلك الوقت إلى أن ذكرني اولادي الأربعة بها. فثلاثة منهم تطوعوا للعمل مع باراك أوباما منهم اثنان في كارولينا الشمالية. والصور المنشورة على موقع Facebook تظهرهم وهم يحتفلون في ليلة الإنتخابات في شوارع جرينسبورو بفرحة عارمة مع الشباب المبتهجين على اختلاف ألوان بشرتهم.
وتحدثت ابنتي الكبرى عن ابنها ذي الخمسة أعوام معبرة عن فرحتها بتلك المنحة العظيمة التي جعلت ابنها يفتح عينيه في الحياة على صورة الرئيس الجديد.
وشعرت بالدفء يملأ قلبي وهو نفس الشعور الذي وجدته عند أقراني وأصدقائي خلال الأسابيع القصيرة التالية. فنحن جيل تحطم قلبه. ومنذ ذلك اليوم قبل 45 سنة عانينا الكثير من المآسي والإحباطات ، وانتزع العنف منا زعماءنا الملهمين بينما تولى القيادة أشخاص غير أكفاء قادونا الى الكوارث والسخرية.
حتى بل كلينتون الذي شهدت سنواته نشاطا وديناميكة شارك فيها كثير منا بيد ان المثل العليا تآكلت وتهاوت بسبب الغرور والرغبة الجنسية. وفي وقت ما خلال عقد السبعينيات اعتدت على فعل شيء مرارا وتكرارا وهو أن أردد على مسامعي عبارة لم أكن قد نطقت بها من قبل : لقد فشلنا.
فما الذي حدث لذلك الزخم من الطاقة التي ابتعثت أواخر الستينيات ودفعتنا الى الشوارع لمكافحة حرب كارثية والتي جعلتنا نتعايش مع جميع الأشخاص من كافة الأعراق والخلفيات دون أن نكترث بالمكان الذي قدموا منه ؟ ماذا حدث لتلك الغريزة التي تدفع لخدمة الآخرين والى البذل والعطاء ؟
أقولها ثانية ، بعد أن أصبح لا يوجد مكان للمثل العليا حدث الشرخ والإنقسام الى اتجاهين أحدهما يكمن فيه الخلاص الفردي حيث العودة الى المدارس التي تعلمنا فيها والوظيفة والأولاد والإستهلاك من أجل المواساة. أما الأخرى فلا يوجد سوى سخافات فجة. وكثير منا آثر أن ينحي المثل العليا جانبا أو بعيدا في الجزء الخلفي من قلوبنا أشبه ما يكون بالمجوهرات الثمينة التي ورثناها عن الجدة والتي نحتفظ بها في خزانة ريثما تأتي مناسبة ملائمة لإخراجها.
لقد انتابتنا حالة من الغرور بلا شك. فلقد كنا نعرف أننا على حق في موقفنا عن الحرب وعن البيئة والعنصرية ومخاطر الأسواق الحرة كما كنا نعرف أيضا الإجحاف والظلم الذي يعانيه نظامنا الصحي وهناك الكثير من الأشياء التي لم تكن غائبة عن وعينا وإدراكنا بيد أن الجميع ـ كما كان يبدو ـ لم يكترث بذلك أو يلقي اليه بالا.
وجزء من تلك الغطرسة كان متمثلا في حاجتنا الى السرعة ، فقد كنا نتوقع من بلدنا الواسع المعقد ان يتغير بسرعة ، وعندما لم يفعل ذلك شعرنا بالهزيمة وهو أمر لا يستعصي على الفهم لأن حياة الإنسان والأجيال قصيرة للغاية. ربما يكون الأمر قد استغرق وقتا أطول مما كنا نخطط له. وربما تكون تلك الإغتيالات والسقطات القبيحة مجرد نكسات مؤقتة.
فهل يمكن أن يستقيم الأمر مجددا وأن يمنح كل منا مشاعره للآخر؟ وأن نقدم للعالم شيئا آخر مغاير لهذا الغرور؟ وأن يكون لدينا قادة يتعاملون مع باقي زعماء العالم بالتقدير المتبادل ؟ هل يمكن لنا أن نتشارك مع الآخر بدلا من الإستعلاء عليه ؟
وهل يمكن أن يوجد لدينا القائد الذي يجسد ليس فقط ذلك التنوع الأميركي ولكن التنوع في العالم بأسره ؟ هل يمكن أن نترك هذا الكابوس الذي عشناه 45 عاما وراء ظهورنا ؟
يقول لي أبنائي : نعم يمكننا ذلك.


سوزانا روديل
كاتبة صحفية وعضو سابق في أسرة تحرير " ذا كورانت"
خدمة لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست خاص بالوطن

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .