السبت، 13 ديسمبر 2008

بلال خبيز: اوباما ممتنع عن النقد في عرين الديموقراطية

في انتظار المعجزات
بعد انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية بأغلبية كاسحة، علق بعض الصحافيين بأن رسامي الكاريكاتير لن يجدوا بعد اليوم مواضيع للرسم، بعدما كانوا قد عاشوا عصراً ذهبياً في عهد جورج بوش الابن، الذي كثيراً ما تعرض له رسامو الكاريكاتير الاميركيين سخرية ونقداً. وبعيد انتصاره خاضت الصحافة المرئية والمكتوبة في اميركا حملة على السيناتور الديموقراطي السابق جو ليبرمان بسبب من تأييده لجون ماكين في الحملة الانتخابية، ولم يتورع بعض السياسيين والأكاديميين عن الطلب من ليبرمان الاعتذار من اوباما على مواقفه السابقة. وبعد اختيار اوباما هيلاري كلينتون وتكليفها بمهمات اعلى منصب دبلوماسي في اميركا، كتب هنري كيسنجر منتقداً الاصوات القليلة التي تشكك بأوباما، ومؤيداً اختيار كلينتون، ومعلناً في الوقت نفسه، ان فريق اوباما في الحكم بمجمله فريق من العيار الثقيل. وكتب ريتشارد كوهن في الواشنطن بوست ان اوباما لا يحكم من اليسار ولا من الوسط، بل هو يحكم فوق الجميع.
هذه كلها اشارات دالة. وهي تدل بلا لبس على عصيان اوباما على النقد. اقله في المرحلة الحالية. وهو امر لم يتحصل لرئيس غيره منذ زمن بعيد. فضلاً عن ان عارفي اوباما يقولون عنه انه ينشد اجماعاً في كل خطوة يقوم بها. ويمكن القول انه نجح حتى الآن في تجنب اي نقد جدي ومؤثر، خلا بعض المقالات التي تنشر في الأقسام الثقافية والنظرية في بعض الجرائد، وهي مما لا يعتد به في ميزان السياسة الاميركية. والأرجح ان صعوبة انتقاد اوباما لا تتحصل له من شخصيته الفذة والقيادية فحسب، بل ايضاً من واقع ان الأزمة التي تضرب المجتمع الأميركي كشفت عن اعطاب بنيوية خطيرة، قد تجعل اي انقسام في الرأي على نطاق واسع شعبياً وعلى مستوى صناع القرار في الولايات المتحدة مؤدياً إلى انهيارات يصعب لملمة نتائجها او التحكم بمقتضياتها. فالمجتمع الاميركي اليوم، ولأول مرة منذ عقود خلت، إن لم نقل منذ قرون، عاجز عن احتمال الانقسامات السياسية التي ميزته طوال عهد الدولة الديموقراطية فيه. والعجز المماثل هو اقصر الطرق عملياً لتحقيق انزياحات خطيرة عن التقاليد الديموقراطية، قد تعيد رفع منسوب الشوفينية الأميركية على نحو خطير ومباغت. فحين يخاف المجتمع من الانشقاقات السياسية والثقافية ويبدي خشية مضاعفة من نقد الامل الذي يمثله اوباما يكون قد وصل إلى حافة الكارثة، ولم يعد يفصل بينه وبين هوتها الفاغرة إلا التمسك بحبال الأمل الواهنة التي يمثلها شخص او حزب او فئة ما في المجتمع. وبذا يتحول الحاكم من مجتهد يخطئ ويصيب، إلى منزه عن كل زلل، حتى لو كان الزلل بادياً كعين الشمس، وكان الخطأ واضحاً كوجه الصبح. وبذا يتحول الرئيس المنتخب إلى مخلص، بدلاً من ان يكون قائداً لمسيرة، وينتظر منه ان يجترح معجزات بدلاً من انشاء مسارات متعقلة. والأرجح اننا في مثل هذه الحال، نصبح امام ضرب من التوتاليتارية المقنعة التي ترد اسباب الفشل، اي فشل، إلى المؤامرات الخارجية والخصوم الداخليين والخارجيين. وعلى نحو ما تتم عملقة اوباما في المجتمع السياسي الأميركي الذي يشهد انكماشاً على نفسه ويبدي سياسيوه واقتصاديوه ومثقفوه تضامناً منقطع النظير وانضواء مطواعاً تحت جناح اوباما، وقد بات، من قبل ان يباشر الحكم، حاكماً فعلياً واصبح، من قبل استلام مهامه، يحكم من فوق الجميع حقاً.
والحق ان في نسبة هذه المخاطر كلها على الديموقراطية إلى سلوك اوباما نفسه، الكثير من التعسف وقلة الانصاف. فالرئيس الأميركي الجديد يكاد يكون الرئيس الوحيد منذ عقود الذي يملك صفات القائد السياسي المتمكن، والذي يحرص على اعطاء وجهات النظر كافةً حقها من التعبير وحظها من التأثير، لكنه في نهاية المطاف، بات يملك الكلمة الفصل في الحياة السياسية الأميركية برمتها. الأمر الذي يهدد بخراب الحياة الديموقراطية التي تنعم بها اميركا عموماً والتي تصل احياناً إلى تنظيم حملات تصل حد الإسفاف والإغراق في الشعبوية، لكن ميزتها الأساسية انها تمنع تأليه الأفراد، وتخضعهم لمحاسبات يندر ان ينجو احد من حبائلها المعقدة. لكن ما يجري في اميركا السياسية والثقافية اليوم ليس اقل من صناعة عالمثالثية للزعيم الذي يوكل المجتمع حل مشكلاته كلها إلى حكمته وبعد نظره. وفي حال فشل الزعيم في تحقيق المطلوب منه، يأخذ الاجتماع نفسه بالتفتيش عن كبش يفتديه به، لأنه، اي المجتمع، لا يسعه ان يقتل من يعتبره مخلصاً أو ان يعترض على ممثل الأمل.
لقد خبرنا في تاريخنا العربي الحديث مخاطر مثل هذه الإجماعات جيداً. ولا زلنا حتى اليوم نبكي الضحايا الذين ذهبوا بسبب تعسف الأمل وطغيان الرجاء.

عن الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .