الجمعة، 5 ديسمبر 2008

بلال خبيز: قضية اسمها الجنرال

استشهدوا من اجل تكريمه
لم يفصح الجنرال ميشال عون ممن يريدنا ان نعتذر، وعلى ماذا يجب ان نعتذر، والأرجح انه لم يكن يستطيع ان يفصح. ذلك انه وهو الفخور بما اتاه ماضياً وحاضراً وما سيأتي به مستقبلاً، افصح اكثر من مرة انه الوحيد في لبنان، ربما معه صهره، الذي يسير على حد سيف مبادئه ولا يحيد عنها قيد انملة. فاللبنانيون الآخرون، المعادون للنظام السوري اليوم، هم بحسب رأيه من كانوا حلفاء سوريا، وهم من حكموا البلد طوال فترة نفيه. وعليهم ان يعتذروا من الشعب اللبناني على موالاتهم للنظام السوري. النظام الذي تغير حسب تعبيره، حيث لمس الجنرال تغييراً كبيراً بين عهد حافظ الاسد وعهد وريثه الرئيس بشار الأسد. لكن الجنرال وهو على عهدنا به صريح وشجاع، لم يشأ ان يحرج مضيفه. واراد طي الصفحة الماضية كما لو انها لم تكن. لكن هذا يصح بالنسبة للنظام السوري، فهو نظام يستحق منا ان نطوي لأجله صفحات وصفحات. اما في ما يتعلق بالداخل اللبناني، فالجنرال يمهل ولا يهمل. لذا ما زال يريد من اللبنانيين ان يعتذروا عما بدر منهم.
والحق ان الاعتذار محمود كل ساعة، على ما اخطأنا به ونحن نعلم اننا اخطأنا، وما اتيناه من خطأ ولم نكن نعلم انه خطأ. فهذا مسلك محمود ومطلوب، حتى لو لم يكن ثمة داع للاعتذار ولا منفعة منه، إلا تنفيساً لغضب الجنرال. وليس من واجب الجنرال ان يعتذر من احد، فهو كان طوال فترة حكمه يريد إقامة علاقات ندية مع الشقيقة سوريا، لا اكثر ولا اقل. وقد اثبت النظام السوري انه يعاملنا معامال الند للند. الم تسخر طائرة الرئاسة السورية لنقل الجنرال من بيروت إلى دمشق؟ فما الذي يمكن لنا ان نطالب به بعد؟ الم يستقبل الجنرال استقبالاً مميزاً لم تخص به سوريا لبنانياً من قبل؟
هذا كله مفهوم وواضح ومعاين. لكننا لم نفهم بعد: هل يريدنا الجنرال ان نعتذر منه ام من النظام السوري؟
الاعتذار من الجنرال واجب، ذلك انه اللبناني الوحيد الذي حظي بهذه الحفاوة في سوريا، والأرجح انه بالنسبة للنظام اهم من لبنان كله، دولة وشعباً ومؤسسات. وربما يجدر بالوزير السابق سليمان فرنجية ان يتعظ من تاريخه، فهو الموالي للنظام السوري على طول الخط، لكنه لم يحظ بالتكريم الذي حظي به الجنرال الذي يعتز بخصومته لسوريا. والأرجح ان بعض الموالين لسوريا يعاودون التفكير اليوم بالمثل القائل: ما في محبة إلا بعد عداوة، ويضربون كفاً بكف على تفويت فرصة خصومة النظام السوري سابقاً، ليتسنى لهم اليوم ان ينعموا بالحفاوة التي نعم بها الجنرال.
الجنرال يريدنا ان نعتذر. لقد ذهب إلى دمشق وتحقق شخصياً من ان سوريا، نظاماً وشعباً لا تتدخل في الانتخابات اللبنانية. فلماذا نتهمها بما لا ناقة لها به ولا جمل؟ وبعودته إلى لبنان سالماً اثبت ان النظام السوري لا يقتل خصومه، فمن ذا الذي خاصم النظام السوري اكثر منه في لبنان؟ ومع ذلك اعد له النظام استقبالاً يليق بالملوك. ثم لا حاجة للبنانيين بالسؤال عن مصير المعتقلين في سوريا. فالشهداء يستشهدون من اجل نصرة القضية والقضية التي اسمها تكريم ميشال عون انتصرت من قبل ان تطأ قدما الجنرال عون ارض الطائرة الرئاسية. لقد تم تكريمه، على ما يعلن، ومن اجل هذا التكريم استشهد الشهداء واعتقل المعتقلون. لقد حقق هؤلاء ما كانوا يصبون إليه، ويجدر بهم ان يحتفلوا في زنازينهم لأن قضيتهم انتصرت وقائدهم حصل على ما يريده من تكريم.
لم تكن الزيارة تشبه عملية القلب المفتوح فقط، بل كانت تكريماً للخصم الشريف. والنظام السوري يقدر الشرفاء ويجلهم. وهذا ايضاً تثبت منه الجنرال عياناً، فالرئيس الأسد احتفى بضيفه احتفاء لا نظير له، فقط لأن الجنرال شريف والنظام السوري يحب الشرفاء.
هذا كله مما يثلج القلب والحق يقال. ولأنه يثلج القلب ويطري اللسان، يحار المرء وهو يستمع إلى الجنرال، بعد كل هذا التكريم، في سبب الارتباك والإحراج الذي ظهر عليه وهو يحاور الصحافيين. ذلك ان الصحافيين الجاحدين لم ينتبهوا إلى الانجازات التي حققها الجنرال حين ذهب إلى دمشق مكرماً ومعززاً وآثروا اثارة قضايا سخيفة وتافهة من قبيل قضية المعتقلين والمفقودين في السجون السورية، وقضية ترسيم الحدود بين الدولتين. إذ كيف يعقل ان نطالب دولة شقيقة بتقديم وثائق خطية تثبت ملكية لبنان لمزارع شبعا، فيما يعمد رئيسها إلى السماح لنا باستخدام طائرته ومقعده؟ وكيف نصر على معرفة مصير بضع عشرات من المفقودين بعد ان اثبت النظام لجميع الناس تعاليه على الخلافات والخصومات؟
لكن سؤالاً يجدر بالمرء ان لا يغفل عنه ابداً. هل يستطيع الجنرال ان يشرح لنا كيف يسع النظام السوري ان يعيد الاعتبار للذين خرجوا من سجونه بعد تعذيب طويل؟ وكيف في وسعه ان يشرح للعونيين الذين ديسوا بالأقدام في 7 آب، ان الدوس بالأقدام يتفق ايما اتفاق مع احترام الخصم، وانهم انما ديسوا تكريماً وتعزيزاً لهم. أم ان هذه هي طريقة النظام في تكريم من يحترمهم، اكانوا من خصومه ام من مواليه؟

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .