الخميس، 4 ديسمبر 2008

شلومو بن عامي: اوباما والشرق الأوسط

علاج سمعة اميركا

إن خطط الرئيس المنتخب باراك أوباما من أجل الشرق الأوسط، المنطقة التي كانت السياسات التي انتهجها سلفه فيها سبباً في تدمير مكانة أميركا في أنحاء العالم كافة باعتبارها قوة عظمى حميدة، تشكل خروجاً محموداً على خطة الرئيس بوش العظمى الرامية إلى علاج العلل التي تعانيها المنطقة من خلال «الفوضى البنَّاءة». ولكن من المؤسف أن وعود أوباما الشاملة قد تكون غير واقعية.
الحقيقة أن أجندة أوباما مبهرة. فهي تشتمل على الخروج من المستنقع العراقي ورفع هذا العبء عن كاهل السياسية الخارجية الأميركية، وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المحتقن، ومجابهة صقور اللوبي الإسرائيلي في الوقت نفسه، واستخدام الحوار من أجل كبح طموحات إيران النووية، وفطام سوريا عن أجندتها المتطرفة- وبالتالي حل «محور الشر» في المنطقة والذي يتألف من إيران وسوريا و«حزب الله» و»حماس»- وتحرير لبنان من القبضة السورية، والضغط نحو إحلال السلام بين إسرائيل وسوريا. ولا مانع أن نضيف إلى هذا إعادة توجيه الجهود العسكرية الأميركية نحو الحرب في أفغانستان.
إن ضخامة هذه الأجندة لابد أن يُـنظَر إليها على الخلفية المحبطة لهذه المنطقة. إذ إن المنطقة بالكامل تمر بعملية خطيرة من «الصوملة»، في ظل سلسلة متوسعة من العناصر غير المنتمية إلى دولة، وأغلبها من الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتي تشكل تحدياً لفكرة الدولة في كل مكان تقريباً.
هذه هي الحال في لبنان مع «حزب الله»، وفي فلسطين مع «حماس»، وفي العراق مع «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر وعشرات من المجموعات الأخرى، و«طالبان» وأباطرة الحرب في أفغانستان، والحركات الانفصالية في باكستان والتي اكتسبت المزيد من الجرأة باستقالة برويز مُـشَرَّف. فضلاً عن ذلك فإن النهاية التي باتت وشيكة لحكم الرئيس حسني مبارك الطويل في مصر قد تؤدي إلى محاولة شرسة من جانب جماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في القاهرة، الأمر الذي قد يضطر خليفة مبارك إما إلى السعي إلى تسوية مؤقتة أو شن حرب حتى الموت.
وقد يدرك أوباما قريباً أن هذا الجدول الزمني للانسحاب من العراق غير واقعي. إذ إن فك الارتباط السريع من جانب الولايات المتحدة قد يؤدي في النهاية إلى تفكك البلاد إلى كيانات سياسية مجزأة، ومن المحتمل أن يتجسد أحد هذه الكيانات في جمهورية إسلامية تسيطر عليها إيران.
إن عودة ظهور حركة «طالبان» في أفغانستان تتطلب رداً عسكرياً أشد قوة، ولكن مع تورط الجيش الأميركي في العراق وعزوف الحلفاء الغربيين عن إرسال قوات إضافية إلى هناك، فلم يعد احتمال تقطيع أوصال البلاد على يد أمراء الحرب المحليين بالسيناريو المستبعد. ومع تآكل شرعية الرئيس حامد قرضاي في الداخل بسبب العمليات العسكرية المتواصلة التي ينفذها الحلفاء في البلاد، فربما كان لزاماً على أوباما أن يفكر في نصيحة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر، الذي حذر من أن الحل في أفغانستان لابد أن يكون سياسياً وليس عسكرياً.
أما عن إيران، فربما يضطر أوباما إلى الاعتماد على استراتيجية تقوم على فرض الضغوط العسكرية في وقت أقرب مما يتصور. فكما أثبت الحوار المطول الذي أجراه الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، بالنيابة عن البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، فمن الواضح أن إيران ليس لديها أي نية في الانحراف عن مسار اكتساب صفة القوة النووية. وما لم ينجح أوباما في التوصل إلى تفاهم صعب من روسيا- وهو ما سيتطلب مراجعة شاملة للاتفاقيات الاستراتيجية التي أبرمت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة- فإن فُرَص فرض نظام عقوبات محكم على إيران سوف تصبح ضئيلة للغاية. ولا يمكننا أن نستبعد شبح سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، في ظل مبادرة الحكام السُـنيين المنافسين لإيران في المنطقة- في المملكة العربية السعودية ومصر وغيرهما- إلى مضاعفة الجهود الرامية إلى اكتساب صفة القوة النووية.
إن أوباما يواجه في الشرق الأوسط مهمة تكاد تكون مستحيلة، والتي تتمثل في معالجة العلل التاريخية والسياسية في المنطقة. وهو في الوقت نفسه يرث أميركا التي لم تعد تشكل قوة مهيمنة لا منازع لها، والتي تترنح هي وحلفاؤها تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ عام 1929. وفي خَـضَم الصراع الذي تخوضه الولايات المتحدة ضد هذه الأزمة التي تهز أسس الرأسمالية وطريقة الحياة الأميركية، والمحملة بدين وطني يبلغ 10 تريليونات دولار، وعجز في الميزانية بلغ تريليون دولار، فلسوف يكون لزاماً عليها أن تركن إلى سياسة خارجية واقعية، سياسة بعيدة كل البعد عن التجاهل المتغطرس المتبجح للتاريخ والتقاليد والدين، والذي اتسمت به إدارة بوش.
إن تولي أوباما لمنصب رئيس الولايات المتحدة يشكل معلماً ثورياً بارزاً في تاريخ أميركا، ولا ينبغي لهذا الحدث التاريخي أن يذهب ضحية للتوقعات المتضخمة. ويتعين على أوباما أن يلطف من حماسته المثالية من خلال إدراك حدود القوة الأميركية. فالواقع أن التحدي الذي يواجه سياسته الخارجية لا يكمن في تغيير وجه الشرق الأوسط- فهذه المهمة تقع على عاتق شعوب المنطقة في الأمد البعيد- بل في علاج سمعة أميركا التي تضررت إلى حد كبير في العالم الإسلامي.
ولكي تتحقق هذه الغاية فلابد من إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، وبصورة خاصة القضية الفلسطينية. فهذا هو الجرح الحقيقي الذي يلوث السياسة الخارجية الأميركية بالكامل، وخصوصا موقفها في العالمين العربي والإسلامي. أثناء زيارته التي قام بها إلى المنطقة أثناء شهر يوليوالماضي، تعهد أوباما بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني «بداية من الدقيقة التي سأؤدي فيها اليمين لتولي منصبي». والحقيقة أنه لا يملك ترف إهدار أي وقت في الوفاء بهذا التعهد.
وخلافاً للفوضى غير القابلة للحل التي سيرثها في منطقة الشرق الأوسط الكبير، فإن الطريق إلى التوصل إلى حل شامل للنـزاع العربي الإسرائيلي بات ممهداً، ولن يتطلب الأمر بذل قدر عظيم من الجهد في اختراع ما هو موجود بالفعل. بل إن الأمر يتطلب الزعامة والالتزام، والحقيقة أن الشعار الذي أطلقه أوباما أثناء حملته الانتخابية، «أجل، نستطيع»، أظهر أنه يتمتع بالصفتين حقاً.

* وزير خارجية إسرائيل الأسبق، ويشغل الآن منصب نائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام.
«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .