الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

بلال خبيز: الاوراق السورية الثلاث التي وضعت في جيب الجنرال

استكمال عدة التدخل
يدرك النظام السوري ان قوى 14 آذار في لبنان تستمد بعض قوتها الانتخابية من تزامن بدء اعمال المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وموعد الانتخابات النيابية اللبنانية في ربيع العام 2009. وعلى الأغلب فإنه مستمر في تحضير اوراقه التي سيلعبها بحسب وجهة الرياح الدولية والعربية واللبنانية، حيث بات يملك لكل جهة من جهات الرياح نافذة يستطيع او يحسب انه يستطيع النفاد منها. لكنه في الاحوال كافة يحضّر للجنرال ميشال عون دوراً مثلث الاضلاع يتغير ويتلون بحسب وجهة الرياح التي ستهب على سوريا ولبنان في الفترة المقبلة. إلى حد يمكن معه القول ان الجنرال عون بات من دون شك اللاعب السوري الأول في الداخل اللبناني، واكثر القادة السياسيين قدرة على مد يد العون للنظام السوري في معركته الانتخابية في لبنان، والتي لا يخفي النظام السوري اهتمامه المصيري فيها وسعيه المتواصل نحو التأثير في نتائجها او تعطيلها ما ان يتيقن من ميلان موازين القوى في غير مصلحته.
والحق ان المتتبع لمجريات الأحداث اللبنانية والتوترات التي حفت بالبلد في الاسابيع القليلة الماضية يمكنه ان يلاحظ مصدرها السوري المباشر من دون لبس ولا تشكيك. فالتوتر الذي شهده مخيم عين الحلوة الفلسطيني على خلفية المطلب اللبناني بتسليم امير تنظيم فتح الإسلام الجديد عبد الرحمن عوض، ترافق مع اوبرا الصابون المتلفزة التي بثها التلفزيون السوري، حيث شدد المعترفون امام الكاميرات على اهمية دور عبد الرحمن عوض في التنظيم، وذكروا اسمه اكثر من مرة. كذلك فإن مسألة تضخيم الخطر الأصولي في شمال لبنان التي ترافقت مع الحشد السوري شمالاً اولاً وبقاعاً في ما بعد، كانت تهدف في ما تهدف إلى فتح احتمال التوتر الأمني في هاتين المنطقتين على مصراعيه ان لزم الأمر، وادت وظيفة مباشرة في جعل كل تحالف انتخابي مع اي من هذه الجماعات، بما فيها تلك الجماعات التي لا تتصل اعمالها ونشاطاتها بالسياسة من قريب او بعيد محل شبهة. الأمر الذي يعني ان التحالفات الانتخابية التكتيكية باتت منذ الحشد السوري على الحدود الشرقية والشمالية في البقاع والشمال محكومة بالمرور في مسارات ضيقة وصعبة لا تتفق وطبيعة التحالفات الانتخابية المفتوحة في الحالات الطبيعية. وبات على المرشح ان يرد عن نفسه تهمة الاتصال بالإرهاب إذا شاء ان يشارك في مناسبة عزاء او فرح.
قبل هذا كله، استطاع النظام السوري ان يزرع نقاط ارتكاز في محافظتين كبيرتين على الأقل، بما يمكنه إذا ما مال ميزان الانتخابات في غير مصلحة حلفائه، من تفيجر معارك امنية صغيرة في البقاع والشمال، حيث ما زالت خطوط التماس قائمة في المنطقتين، وإذا ما اضيف إلى خطي تعلبايا – سعدنايل في البقاع، وباب التبانة – جبل محسن في الشمال، خط توتر جديد في الجنوب بين مخيم عين الحلوة وجواره، يصبح الشق الأمني من الخطة السورية مكتملاً تقريباً. بحيث يستطيع النظام ومخابراته اشعال حروب صغيرة في معظم المناطق اللبنانية التي تشهد تواجداً سنياً كثيفاً.
لكن هذا السيناريو الواضح المعالم ليس السيناريو الوحيد، فخيار التعطيل هو خيار تقوى حظوظه حين يتيقن النظام السوري ان الانتخابات النيابية لن تؤمن له اكثرية برلمانية في المجلس النيابي العتيد. ولهذا ينشط النظام السوري على خط الجنرال ميشال عون، لأن هذا الأخير يمكن ان يؤدي دوراً بالغ الأهمية في هذه المعركة لصالح النظام السوري من دون شريك من اي نوع او لون.
على هذا جاءت زيارة الجنرال عون إلى سوريا مدروسة في كافة تفاصيلها بدقة متناهية، بدءاً من الاستقبال الرئاسي وصولاً إلى اللقاء التلفزيوني الذي اتهم فيه الجنرال قسماً من اللبنانيين بالتخلف. والحق ان اركان النظام السوري يعرفون، مثلما يعرف اللبنانيون جميعاً ان الجنرال رجل انفعالي، ويمكن لأي صحافي ان يدفعه بسهولة إلى الخروج عن طوره سواء كان الصحافي يناكفه كما كان الحال في مؤتمره الصحافي الذي طالب فيه اللبنانيين بالاعتذار، او كان الصحافي يتملقه، مثلما حصل في اللقاء مع التلفزيون السوري الذي اعلن فيه الجنرال ان قسماً من اللبنانيين متخلفين. وهو الامر الذي يدرك النظام السوري انه سيثير زوبعة من التعليقات المعترضة، خصوصاً في صفوف قوى 14 آاذر، مما يعني تحويل الجنرال إلى خصم اول لقوى 14 آذار. فإذا ما حدث له مكروه، لن تستطيع هذه القوى ان تدفع عنها الاتهام بالتسبب بهذا المكروه. وهذا في واقع الأمر ينسجم ايما انسجام مع تصريحات الوزير السابق سليمان فرنجية الذي قرر من دون سابق انذار ان البلد مقبل على عمليات اغتيال كبرى تعادل في حجمها ما جرى في 14 شباط 2005، يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
من جهة ثانية يستطيع الجنرال ان يلعب دوراً على المستوى المسيحي لا تقوى قوى 14 آذار على التماثل معه. فالتكريم السوري كان يراد منه الايحاء بأن الجنرال عون هو الحليف الأول في لبنان للنظام السوري، مع ما يعنيه ذلك على المستوى الذي دأب الجنرال عون على تغذيته منذ العام 2005 على اقل تقدير. اي مستوى الشحن الطائفي المسيحي في مواجهة الطائفة السنية. فأن يوحى سورياً ان الجنرال هو الحليف الأول لبنانياً فذلك يعني تأخير حزب الله وحركة امل، وسائر حلفاء سوريا إلى مرتبة ادنى. في حين ان الدعاية السورية لا تنفك تتحدث عن تبعية قوى 14 آذار لأميركا والمملكة العربية السعودية، وان حلفاء اميركا والمملكة الأساسيين ليس من بينهم واحد مسيحي ماروني، إذ ان اولهم النائب سعد الحريري وثانيهم النائب وليد جنبلاط. ولم يحدث ان استقبلت المملكة العربية السعودية زعيماً من زعماء 14 آذار المسيحيين بالحفاوة نفسها التي قوبل بها الجنرال ميشال عون في سوريا. وهذا ما يفسر اصرار ميشال عون على الحديث عن ضرورة تعديل الطائف، ذلك ان المطلوب ليس اكثر من تحريض المسيحيين على مسيحيي 14 آذار، باعتبار ان هؤلاء يرتضون دوراً دونياً لموارنة لبنان في الحكم والقرار.
من ناحية اخرى يبدو ان الضلع الثالث في الدور السوري المرسوم لميشال عون يتصل مباشرة بالانتقاص من دور رئيس الجمهورية الجنرال ميشال سليمان. فسوريا تريد ان توحي من خلال استقبالها الحماسي للجنرال ميشال عون، ان عون هو زعيم المسيحيين الفعلي، وان الرئيس ميشال سليمان ليس اكثر من مجرد وكيل في السلطة للزعيم الفعلي على غرار ما يحصل في الطوائف الأخرى، حيث لا يشارك الزعماء الأول في الحكم المباشر. وحيث ان ميشال عون قادر على تعطيل اي حل مسيحي – مسيحي، او لبناني – لبناني عموماً، وبات عقدة المنشار الصعبة في المصالحة بين القوات وتيار المردة، فإن التحقق من صحة ادعاء ما يمثل ومن يمثل في الوسط المسيحي يصبح متعذراً، ما دام التعطيل سيد الموقف.
بتكريم الجنرال، وحديث القلوب المفتوحة، اصبحت الترسانة السورية المعدة للتدخل في انتخابات الربيع المقبل مكتملة. والقاصي والداني يعرف ان هذا النظام لم يتورع يوماً عن دفع الموتى والاحياء من مواليه إلى ميدان معركته الأزلية التي لطالما كان عنوانها الأبرز: الهيمنة على لبنان.
عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .