الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

سناء الجاك: وصلت الرسالة



"فل"

"فلّ" عمر حرقوص من شارع الحمرا، كما كانت إرادة المعتدين عليه. اقنعوه ديموقراطياً بلكماتهم المركزة والموجهة الى عنقه وعينيه وصدره. السبب ان عمر يعمل في مؤسسة إعلامية لا تعجبهم. صنّفوها "عميلة" واقتحموا بعض مبانيها خلال غزوة بيروت في السابع من ايار الماضي، واحرقوا محتوياتها. ولم يحاسبهم قضاء ولا قدر. "فلّ" عمر المعروف بأنه "امضى عمره على ارصفة الحمرا". قبل يوم من "الاشكال التأديبي" سأل صديقه عن الشباب الذين فتحوا مقهى رصيف على حسابهم على قارعة الطريق ليحكموا الشارع، فأجاب الصديق انهم من الحزب السوري القومي الاجتماعي، ونصحه بالابتعاد عنهم "لأن الحمرا لم تعد لنا بعد احتلال بيروت". ربما لم يصدّق حرقوص في حينه ان الامور وصلت الى هذا الحد. لكن ما حصل كان كفيلا تغيير نظرته. أصبح يعتبر الحمرا مربّعا أمنيا. وتالياً فإن من يعبره يخضع حكماً للتدابير الكفيلة تحرير القدس.
لا يجوز
القيادي في "التيار الوطني الحر" زياد عبس قال إنه "لا يجوز استغلال حادثة الاعتداء على عمر حرقوص لمحاسبة فريق سياسي كامل واطلاق التهم جزافا"، معتبراً ان "الاعتداءات تتم في مختلف المناطق وتطاول المدنيين العزّل والصحافيين على حد سواء"، مبررا الاعتداء الإرهابي بما سمّاه "حساسية استخدام الكاميرات بالنسبة الى بعض القوى السياسية، باعتبار ان الكاميرا هي وسيلة لنقل المعلومات".الاصح ان الحاجة أكبر الى طبيب نفسي للمهاجمين والمبررين. ببساطة، مجموعة شباب تهاجم إنساناً أعزل وتحطّم رأسه ورقبته، ثم يصدر بيان يدّعي بأن ما حصل إشكال شخصي، وينبري صوت طرف واحد دون غيره من أطياف المعارضة ليبرر على اعتبار أن ما حصل يمكن ان يخضع الى وجهات نظر ديموقراطية، فهذا لعمري قمة الخطر.على فكرة، لو يشرح لنا من يرفض إطلاق التهم جزافا كيف يمكن انكار دليل ملموس ومصوّر بالاشعة لرأس ورقبة تلقيا كمّاً هائلا من الضرب واضحة آثاره بالعين المجردة وبالاشعة السينية.على فكرة أخرى، هل أصبحت الاعتداءات على المواطنين العزّل والصحافيين أمراً لا يستحق التداول؟
فزّاعة الأمن
الجواب يفضحه السياق المهيمن على الأمن. فقد أدرج موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان ضمن معادلات لم يتضح أفقها. وبدأت فلسفة التمهيد للتأجيل تؤسس على الأحوال الامنية. الظاهر ان عاملين يتحكمان بهذه الانتخابات. الاول تدل عليه نتائج الانتخابات الطالبية والنقابية. ففي كلية ادارة الاعمال في الجامعة اليسوعية، حيث فاز طلاب "التيار الوطني الحر"، يتضح ان طلاب "القوات اللبنانية" نالوا مئة صوت مسيحي أكثر من الفريق الفائز بأصوات حلفائه. لنقس على ذلك فنكتشف ان الجنرال ليس ممثلاً لا يحرق ولا يغرق لمسيحيي لبنان. ولا يكفيه ان يطوَّب في سوريا ليصبح كذلك. ما علينا. الجنرال وحلفاؤه يعرفون ذلك من خلال استطلاعات رأي "سرية" يكلفون بها شركات مختصة، تبيّن ان عون لن يحصل على نسبة تسمح له بتأمين أكبر كتلة برلمانية مسيحية، وتالياً بدأت الاستفزازات والاعتداءات المنظمة في الجامعات الموجودة في المناطق المسيحية بهدف تفجير الوضع الامني وصولا الى إلغاء الانتخابات او تأجيلها من دون تحديد موعد لها على أمل ان يحصل ما يغيّر الواقع الحالي.
جنون المحكمة
اما العامل الثاني فيرتبط بتداعيات المحكمة الدولية التي بدأت تتمظهر أكثر فأكثر من خلال الهجمة التي يقودها حلفاء سوريا في لبنان. جنونها أصعب من جنون البقر وأكثر استفحالا في عقول المصابين به. تالياً، فإن موضوع المحكمة قد يشكل سببا رئيسيا للضغط الامني الرامي الى تأجيل الانتخابات. كما أن الاضطراب الذي يتحكم بسلوكيات بعض قوى المعارضة وبتصريحاتها مع اقتراب موعد انطلاق عمل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يهتف مقعقراً: عليَّ وعلى أعدائي. عمر المضروب لمس هذا الواقع. يقول: "المشكلة اني اعرف ان العنف سيزداد وسيصل الى أعلى مستوياته حتى نصل الى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. حتى الآن يرصدون ضحاياهم بعقلانية. لكن عندما ندخل في زمن المحكمة ستحصل مجازر. لأن الخطر الذي سيشعرون به عندما تقترب منهم الأدلة سيدفعهم الى الجنون".
حلول جاهزة للقضاء
كما في قضية إطلاق النار على طوافة للجيش اللبناني وقتل الطيار الشاب سامر حنا، كذلك في قضية الضرب المجنون الذي استهدف عمر حرقوص. يقول عمر: "السبب هو ان خط التطرف ينجح في البلد. تُقدِم جماعة مسلحة على ضرب أحدهم من دون أي خوف من العقاب. التطرف السياسي فُرض علينا. لكن يبدو ان الامر يتطور في اتجاه التطرف الميليشيوي ليفرض علينا مبدأ الضرب والعنف. عندما هاجمني عناصر الحزب السوري كانوا يتماهون مع من يوجههم. لم يقدّروا ان الضرب يمكن ان يؤدي الى الموت. الجمهور أصبح أداة تستطيع ان تقتل. الذين ضربوني كانوا يريدون ان يثبتوا لقائدهم انهم يليقون به ويستحقون التنويه منه لأنهم ينفذون رغباته". ليستدرك: "لا يمكن ان أرضى بأن يحمل هذه القضية عنصر واحد، تماما كما حصل عندما استهدفت طوافة للجيش، ليسلّم عنصر واحد نفسه على أساس انه المسؤول الوحيد. يحاولون طي الملف عبر وضع شاب صغير في السجن. لكن هناك اربعة عشر آخرين هاجموني وضربوني. وايضا هناك مسؤول عن المجموعة. أين هم وأين هو. اختفت المجموعة. لم يعثر رجال الأمن على أي من المهاجمين باستثناء من سُلِّم اليهم. الباقون في حالة فرار. غادروا الى جهة مجهولة. اختفوا".عمر يعلن هزيمته كمواطن. شعر بها في السابع من أيار الماضي، عندما منعوه ومنعوا غيره من ارتياد اماكن عامة كالشارع او المقهى. يخاف ان تنمو هذه المربّعات لتجتاح الوطن بكامله. نحن ايضا نخاف. نحن ايضا نشعر بالهزيمة. لكننا لا نريد ان نشعر باليأس. وهنا يكمن المفتاح.
هل وصلت الرسالة؟

ملحق النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .