الخميس، 4 ديسمبر 2008

الياس خوري: كلام يجب ان يقال

الماضي مستقبلاً
المهرجان الذي اقامه حزب الكتائب في الاسبوع الماضي يستحق لحظة تأمل وموقفاً نقديا. فالمسألة التي تصوَّر وكأنها مجرد تنافس انتخابي بين قوى 14 آذار المسيحية والتيار العوني، صارت اكبر من ذلك. العونيون استخدموا السلاح الطائفي والدفاع عما يسمّى حقوق المسيحيين، ونجحوا. بل اوصلوا الامور الى حد إحداث انقلاب جذري في خطابهم السياسي، منتقلين من قانون محاسبة سوريا الى زيارة سوريا والدفاع عن رموز هيمنتها، وحمل لواء الضباط الاربعة، باسم التخويف من الهيمنة السنية على البلد. يبدو ان دور مسيحيي 14 آذار في دخول البازار الطائفي قد جاء. لذا استمعنا الى الفيديرالية او ما يشبهها، وسط حشد "مهيب"، وأيدٍ مرفوعة بالقسم، وانضباط يذكّر بأيام الحرب السوداء. بل ان خطباء الحفل بالغوا في نبش ماضي الحرب الأهلية، وهو ماضٍ لا يشرّف احدا، وخصوصا اذا عادت بنا الذاكرة الى الدبابات الاسرائيلية في بيروت، والى شارون في مطعم "او فيو كارتييه" والى مذبحة صبرا وشاتيلا والى آخره...لا يدلّ التطييف والاحتماء بالدفاع عن حقوق الطوائف الا على ان انتفاضة الاستقلال، كانت اكبر من القوى التي تصدّت لقيادتها، وان تراجع المشروع الاستقلالي هو إنتاج عقلية لا علاقة لها بالنقد الذاتي ولا بالتعلم من اخطاء الماضي.يقول الصامتون، انها لعبة انتخابية، لذا يجب غض النظر عن هذا الكلام، كي تنتصر قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية، التي قد تكون انتخابات مصيرية! وفي هذا باطل يراد به باطل.ما معنى انتصار هو وليد خطاب يتوسل باللغة الفاشية؟ وهل يقود هذا النوع من الانتصار الى بناء افق للتطور الديموقراطي في لبنان؟يقال، وفي هذا القول الكثير من الصحة، ان اللغة الطائفية دخلت من جديد الى الحياة السياسية اللبنانية بسبب موقف التيار العوني، الذي استخدم في الانتخابات النيابية عام 2005، لغة شحن مسيحية، سمحت له باكتساح دوائر المتن الشمالي وجبيل وكسروان. لكن اصحاب هذا القول يتناسون مسؤولية التحالف الرباعي، عن هذا الانحدار المخيف، كما يتناسون، لعبة قانون الالفين المشؤومة، والى آخره...بدل ان يقدّم الاستقلاليون مشروعا وطنيا متكاملا، يخاطب جميع اللبنانيين، ويرفض القبول بالجدار الذي وضعته الثنائية الشيعية، سقطوا في استسهال الوصول الى السلطة، نتيجة وهم بأن الأميركيين وحلفاءهم العرب سوف يكملون المهمة في سوريا نفسها!مسلسل الاخطاء، التي يتحمل الجميع مسؤوليتها، اوصلت الى واقع ان انتخابات سنة 2009، بقانون 1960 الذي ارتضاه الجميع، سوف لا تجري الا في الوسط المسيحي. لا انتخابات في الجنوب او بيروت او الشمال او حتى في البقاع، ما عدا زحلة.هذه هي الديموقراطية اللبنانية. ان لا تكون ديموقراطية الا في طائفة واحدة، وان لا يكون هناك تجاذب سياسي الا في المناطق التي كانت تسمّى "المناطق الشرقية".هذا يعني ان ما يسمّى الديموقراطية التوافقية، صار توافقا بين الديكتاتوريات، من جهة، كما انه يعني ان الوسط المسيحي اللبناني، يعاني من ازمة تأقلم مع المناخ الفيديرالي الذي صار واقعا ملموسا.ألا يدفع هذا التأزم بأصحاب طرح الفيديرالية الى التساؤل عن جدوى أطروحاتهم، التي قادت الى اخراج المسيحيين من المعادلة، وحوّلتهم ملحقات بها؟اذا كان هذا الافتراض صحيحا، فلماذا استمعنا الى النغمة الفيديرالية في مهرجان الكتائب؟ هل يريدون ان يربحوا الانتخابات ويخسروا ما تبقّى لهم من وطن؟لا شك ان كل كلام عقلاني سوف يواجَه برد فعل غاضب. فالعقلية الطائفية لا عقلانية بامتياز. والا كيف نفسر الخطأ الذي يتكرر الى ما لا نهاية؟ كيف نفسّر مثلا عظامية خطاب "حزب الله"، واصراره على تكرار المكرر، عبر محاولة توظيف مقاومة الاحتلال في مشروع هيمنة سياسية على بلد متعدد كلبنان؟ ألم يروا ماذا حلّ بأصحاب المشاريع المشابهة؟ ام ان التاريخ لا يعلّم شيئا؟نعود الى مهرجان الكتائب، كي نقول ان بيار امين الجميل هو جزء من قافلة شهداء الاستقلال الثاني، حيث امتزج دم المسيحي بدم المسلم، وحيث اتسع موكب الشهداء المهيب للجميع، فرأينا كيف سقط قائد المقاومة الوطنية للاحتلال الاسرائيلي والزعيم الشيوعي جورج حاوي الى جانب رئيس الحكومة النيوليبيرالي رفيق الحريري، وكيف غطى دم اللبناني - الفلسطيني سمير قصير شوارع الاشرفية وامتزج بدم نائب الاشرفية جبران تويني، وكيف اراد الاستقلاليون بدمهم المسفوح تأسيس وحدة وطنية جديدة، قائمة على التعلم من دروس الحرب الأهلية، وتجاوز الانقسام الطائفي الذي جعل لبنان ارضا سائبة.هل فكّر خطباء مهرجان الكتائب بهذه الدلالات الكبرى، ام ان الطبع غلب التطبع، فطفت الغريزة على السطح، معلنةً بكل وضوح ان القوى الطائفية لا تصنع استقلالا، ولا وطنا، بل تعيد انتاج الانقسام، وتمهّد لتكريس الواقع الفيديرالي الذي هو الباب الملكي كي يكون لبنان "ساحة" خلفية لصراع القوى الاقليمية؟هل خطر في بال استراتيجيي الانتخابات الطائفية المقبلة، ان عليهم تقديم مشروع استقلال وطني، في منطقة حوّلتها اسرائيل باحتلالها وعنصريتها الى برميل بارود قابل للاشتعال في كل لحظة؟بالطبع لا، فالذين ارتضوا البقاء في اسر البنى الطائفية لا يبنون افقا للوطن، بل يبحثون عن موقع في مزرعة. وهذا ينطبق على الجميع. بل ربما كانت مأثرة مهرجان الكتائب الوحيدة، انه قال المضمر الذي لا يقال عادة، بل يجري اخفاؤه في لغة خشبية اسلامية وقومية او تتحدث عن الفساد، في الوقت الذي تتحمم فيه الطبقة السياسية بأسرها في مستنقعات الفساد والرياء.حين شاهدت مهرجان الكتائب اصابني حزن من لم يعد قادرا على التمييز بين الماضي والحاضر. هل جرى المهرجان عام 2008 ام عام 1978؟لا فرق، لأن مهمة اللغة الطائفية تحويل الماضي الى مستقبل، والغاء الفرق بين الذاكرة والحاضر.

عن ملحق النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .