الخميس، 4 ديسمبر 2008

بلال خبيز: المعارضة تعطيلاً وتخريباً

من يمشي في جنازة القتيل المقبل؟
لماذا يتخوف الوزير السابق سليمان فرنجية من حدوث عمليات اغتيال كبيرة الحجم تعطل الانتخابات؟ وهل حدث ان عطلت الاغتيالات السابقة الانتخابات العامة أو الفرعية في لبنان؟ ام ان التعطيل حصل لدواع واسباب اخرى وبوسائل متنوعة ليس اقلها اعلان العصيان على الدولة، واحتلال وسط بيروت بالخيام والمعتصمين، وتعطيل المجلس النيابي، إذ تم تتويج هذا العصيان باحتلال العاصمة عكسرياً في "جراحة حزب الله النظيفة" في 7 ايار الماضي، حيث ما زالت روائح النظافة والمحاليل المطهرة تزكم انوف البيروتيين حتى اليوم.
التخوف يتعدى في ما يبدو الطرف الخارجي الذي يريد العبث بأمن البلد إلى اطراف داخلية تريد ابقاء الوضع على ما هو عليه دستورياً، هذا من دون اغفال مدى ارتباط هذه الأطراف الداخلية بأجندات خارجية، معروفة للقاصي والداني، ذلك ان الانتخابات السابقة والتي سبقتها حصلت في ظل ظروف بالغة الدقة والحساسية. ومع ذلك حصلت. فما الداعي اليوم للحديث عن اغتيالات قد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات؟
قليل من التدقيق في ما ادعاه الوزير السابق، يمكن ان يقودنا إلى المعادلة التالية: التحذير الذي يطلقه الوزير السابق يشتمل على ما هو ابعد من جريمة اغتيال كبيرة، انها جريمة من المفترض ان تعقبها حوادث امنية تطيح بكل مقومات الاستقرار الهش الذي ينعم به البلد، او تؤدي تداعياتها إلى توسيع الرقعة الأمنية التي يسيطر عليها حزب الله بالقوة العسكرية نحو مناطق اخرى، مما يعني لجوء الطرف الآخر إلى رفض اجراء الانتخابات تحت السلاح. هذا احتمال قائم، لكن الاحتمال الآخر يقودنا إلى التفكير بتدبير عملية اغتيال كبيرة تطاول احد اركان 8 آذار، في محاولة مكشوفة لخوض المعركة الانتخابية من قبل هذا الفريق رافعاً قميص القتيل شعاراً، محملاً الفريق الآخر وزر دمه. والحال هذه يجدر بالمخططين التفكير ملياً في دقة الاختيار الذي قد يقلب المزاج العام رأساً على عقب ويؤدي إلى خسارة 14 آذار بعض المقاعد الثمينة في الحسابات الانتخابية. لكنها ايضاً تقنية فاشلة لن توصل إلى ما هو مرتجى. ذلك ان المعطى العميق الذي تستند عليه قوى 14 آذار يفترض ان اي اغتيال يحصل في البلد يطاولها في لحمها ودمها. ذلك ان هذه القوى تميل إلى اعتبار انجاز كل استحقاق دستوري بصرف النظر عن نتائجه يصب في مصلحتها في نهاية المطاف. ولنا ان نتذكر ان هذه القوى كانت تملك الأغلبية في البرلمان ولم تشأ ان تنتخب رئيساً للمجلس التشريعي من صفوفها حفظاً للتوازن العام في البلاد، مثلما ان هذه القوى ايدت ترشيح الرئيس الحالي وصارعت من اجل انتخابه وانجاز الاستحقاق الدستوري في موعده وبعد موعده، ولم يحدث ان تجرأ احد من المعارضة، إلا الوزير السابق سليمان فرنجية نفسه، على حشر الرئيس سليمان ضمن قوى 14 آذار. وبصرف النظر عن النتائج التي قد تتمخض عنها الانتخابات المقبلة، فإن هذه القوى ستجد في انجاز الاستحقاق الانتخابي نصراً لها، مثلما وجدت في انتخاب الرئيس سليمان نصراً مؤزراً.
والحق ان قوى 14 آذار لا تقوى وتزداد مناعتها إلا في ظل الدولة وتحت راية مؤسساتها، لأسباب لا تحصى عدداً. وتاريخ التعطيل في البلد في السنوات الأخيرة لم ينشف حبره بعد، ولم يتسن لأحد ان يدعي النسيان بحجة تقادم الزمن.
والحق ان قوى 8 آذار محكومة في اصل بنيتها باللجوء إلى هذا السياق التعطيلي. ذلك ان هذه القوى لا تستطيع ان تحكم لأن الحكم يفترض اول ما يفترض علاقات خارجية متزنة، والأرجح ان فريق 8 آذار يدرك جيداً ان البلد لا يستطيع الحياة استناداً على علاقات محصورة بسوريا وايران وفنزويلا وكوبا، مما يكشفه تماماً ويضعه خارج بقعة الضوء، وحيث ان البلد لا يملك موارد سوريا او ايران في سبل الدفاع عن نفسه، فإنه يصبح مكشوفاً تمامأً امام العدو الإسرائيلي، وهذا مما لا تنفع معه صواريخ ولا مناورات. هذا من جهة علاقتها بالحكم، اما في ما يتعلق بطريقتها في الاعتراض، فيبدو انها تعارض من ارشيف التيارات الفوضوية في الخمسينات، حيث يفترض بالفئة الحاكمة ان تبعث ازدهاراً في الاقتصاد وتأميناً لفرص عمل جديدة والمحافظة على علاقات دولية تحول دون عزلة البلد، فيما يقع على المعارضة واجب ان تتظاهر وتقطع الطرقات وتطالب بعدالة التوزيع. والحق انه لم يعد ثمة معارضات من هذا القبيل في اي مكان من العالم إلا بين ظهرانينا. فمنذ زمن لم تعد المعارضات تتصرف بوصفها خارج الحكم. فالحكم، اي حكم في اي بلد من بلدان العالم، هو شأن مشترك بين المعارضة والموالاة بصرف النظر عن هوية الطرف الذي يحكم ويملك الأكثرية التي تتيح له تمرير القوانين وتنفيذ القرارات.
في لبنان، وعملاً بتقليد قديم، قدم عهد هذه المعارضة في علاقتها بما يجري في العالم، يريد اهل المعارضة من الاكثرية الحاكمة ان تسوق سياسات المعارضة في العالم وان تقنع هذا المجتمع الدولي كله بصواب توجه المعارضة الداخلي والخارجي، فيما يقع على عاتق هذه المعارضة ان تشن الحروب وتقطع الطرقات وتطالب بإعادة اعمار القرى المهدمة وإعادة انشاء الجسور، اما كيف يتسنى للحكم تأمين هذه المطالب فهذا ليس من شأنها.
الم يقل بعض مفوهي حزب الله للنائب مصطفى علوش اثناء حرب تموز، رداً على سؤال الأخير كيف سنعيد اعمار كل ما تهدم بفعل الحرب: "الدولة تعودت على الشحادة". وهذه مهمة لا تليق بأشرف الناس كما نعلم.


عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .