الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

روبرت جيه. شيللر: سوق العقارات والانهيار الأعظم

2009 عام التحرر من الوهم؟




تُرى ما هي الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار المساكن في عام 2008، وهو الانهيار الذي كان أصل الأزمة المالية التي تخيم الآن على أنحاء العالم المختلفة؟
طبقاً لمؤشر «ستاندرد آند بورز/ كيس شيللر» لأسعار المساكن، فقد هبطت أسعار المساكن بنسبة تجاوزت 40 في المئة (بعد تعديلها وفقاً للتضخم الحقيقي) في بعض المدن الكبرى، منذ الذروة التي بلغتها مع بداية عام 2006. وعلى المستوى الوطني، الذي يشمل كل المدن، فقد تجاوز الهبوط 25 في المئة.
وتتوقع أسواق التعاقدات الآجلة في بورصة شيكاغو التجارية الآن انحداراً آخر يبلغ نحو 15 في المئة قبل أن تصل الأسعار إلى أدنى مستوياتها في عام 2010. هذه هي توقعات السوق، وهو ليس سوقاً كامل السيولة. بيد أن هؤلاء الذين يتولون هذه التوقعات يشيرون ضمناً إلى انحدارات حقيقية قد تبلغ 50 في المئة من الذروة إلى النقطة الدنيا، في بعض الأماكن.
ولكن لماذا نشهد الآن هذه الانخفاضات الهائلة في الأسعار؟ وما الذي يجعل أسواق الإسكان في العديد من البلدان الأخرى تعكس ظروفاً مماثلة الآن؟ إن الإجابة تشتمل على أسباب مباشرة وأخرى أساسية.
السبب المباشر في حالة الولايات المتحدة يكمن في الانحدار في معايير الإقراض، الأمر الذي ساعد الناس على شراء المساكن بأسعار مستمرة في التصاعد قبل عام 2006، وكانت شروط الإقراض المخففة تعني أن الناس كانوا أكثر حرية في المزايدة على أسعار المساكن حتى بلغت مستويات مضحكة، حتى أن الأكواخ كانت تباع بمليون دولار للكوخ.
وبعد أن بلغت الأسعار ذروتها، بدأ المقرضون في إحكام معايير الإقراض، وحين وجد المشترون صعوبة في تمويل شرائهم للمساكن، اضطر البائعون إلى تخفيض الأسعار المطلوبة.
إن صعود وهبوط الإقراض على هذا النحو يمثل دورة ائتمان، ولقد لعبت دورات الائتمان دوراً رئيسياً في إحداث التقلبات الاقتصادية لقرون من الزمان.
في كتابه الذي نشره عام 1873 تحت عنوان «شارع لومبارد» يصف رجل الأعمال البريطاني ورئيس تحرير صحيفة «الإيكونوميست»، والتر باغوت، هذه الدورة وصفاً كاملاً. والحقيقة أن موجة الازدهار، التي سبقت موجة الكساد أثناء سبعينيات القرن التاسع عشر، والتي وصفها في كتابه، تشبه كثيراً ما حدث قبل الأزمة الحالية. فيقول في كتابه: «حين يتوسع الائتمان فإن النتيجة المؤكدة تتلخص في حدوث موجة من الرخاء الوطني؛ فتقفز البلاد إلى الأمام، وكأن عصا سحرية قد مسَّتها. ولكن جزءاً فقط من هذا الازدهار قد يرجع إلى أسباب راسخة... إنه ازدهار محفوف بالمخاطر».
بيد أن دورة الائتمان لم تكن السبب الأساسي للكساد الذي شهدته فترة سبعينيات القرن التاسع عشر أو الأزمة التي نعيشها اليوم. في نهاية المطاف يتعين على المرء أن يسأل نفسه دوماً عن الأسباب وراء تخفيف معايير الإقراض ثم تشديدها بعد ذلك. إن دورة الائتمان تشكل آلية تضخيم، وعدم الاستقرار في قطاع الإقراض أمر وارد دوماً، ولا تُظهِر الأزمة نفسها إلا إذا أدى أحد العوامل إلى التعجيل بظهورها.
فضلاً عن ذلك فإن تخفيف ثم تشديد معايير الائتمان على هذا النحو المفرط لا يحدث إلا في الولايات المتحدة، بينما في أغلب بلدان العالم تسود دورات الرواج والكساد.
إن العامل المُعَجّل الذي أدى إلى الموقف الحالي يرتبط بتطور ثقافتنا العالمية، فهو عامل ينتشر بسرعة عبر وسائل الإعلام المحسنة وشبكة الإنترنت، ومن خلال فهم هذه الوسائل للأسواق.
ولابد أن هذا يرتبط بالإعجاب الشديد بالأسواق التي نشأت وتطورت أثناء موجة الازدهار بما يتماشى مع «نظرية الأسواق الفعّالة»، فقد أصبح من المعتقد على نطاق واسع أن الأسواق المالية عبارة عن مُجمَّع مصقول للمعلومات، حتى أنها تحولت إلى حُكم جماعي يتجاوز قدرة أيٍ من البشر الفانين. كان كتاب جيمس سورويكي، الذي حقق أفضل مبيعات في عام 2004، والذي صدر تحت عنوان صارخ، وهو «حكمة الدهماء»، قد أكد هذه الفكرة في أوج ازدهار الطفرة العقارية.
إن الازدهار الذي شهدته أسواق الإسكان والبورصة حول العالم أثناء الفترة بين عامي 2003 و2006 كان راجعاً إلى هذه الفكرة المغلوطة، فضلاً عن فكرة أخرى مفادها أن الاستثمار في المساكن والأسهم هو الطريق الأكيد إلى الثروة، لقد تحولت هذه الفكرة إلى عقيدة إيمانية بأن قيمة هذين النوعين من الأصول لا تتجه إلا نحو الأعلى في الأمد البعيد، وأن من الحماقة أن يحاول أي شخص مهما بلغ من الخبرة أن «يوَقِّت السوق». وكان من المعتقد، وبتأييد من الأحكام البديهية العميقة، أن التراجع عن هذا المسار الصاعد لن يكون إلا بسيطاً وعابراً. وبدا كأن الناس يتصورون أن الارتفاع السريع لهذه الأسواق بات يشكل أحد الثوابت العالمية غير القابلة للنقاش.
في نهاية المطاف، لا شيء آخر قد يفسر استعداد المقرضين الكامل، أثناء موجة الازدهار وحتى عام 2006، لتخفيف معايير الائتمان الخاصة بالقروض العقارية إلى أدنى حد، واستعداد الجهات التنظيمية التام للسماح لهم بذلك، واستعداد وكالات التصنيف للمبالغة في تسعير سندات الرهن العقاري، واستعداد المستثمرين للوقوع في هذا الفخ.
لا توجد نظرية في علم الاقتصاد قد تفسر السبب وراء ذلك الاعتقاد الراسخ بأن الأسعار في هذه الأسواق لا يمكن إلا أن ترتفع. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فقد تحيَّر المنظرون الاقتصاديون إزاء معدلات الزيادة التاريخية التي سجلتها أسواق الأوراق المالية. بل إن هؤلاء المنظرين ليست لديهم تسمية دقيقة لسلوك سوق الإسكان، وذلك لأن أسعارها (بعد التعديل طبقاً للتضخم) لم تسجل مثل هذه الارتفاعات على الإطلاق، قبل نشوء فقاعة ما بعد عام 2000.
ربما نستطيع أن نعزو الازدهار في هذه الأسواق إلى نشوء فكرة مفادها أن المرء لابد أن يحرص باستمرار على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من هذه الأصول، تماماً كما ينبغي على المرء أن يتناول الشاي الأخضر والشوكولاته الداكنة كل يوم كمضادات للأكسدة. إن مثل هذه الأفكار تتسبب في خلق طلب مصطنع، ولكن لفترة من الوقت. بالطبع، لم يعد أحد الآن يدخن التبغ كوسيلة لمنع العدوى!
إن الناس على استعداد للاعتقاد في صحة العديد من الأمور إذا ما ترسخ لديهم الانطباع بأن الأغنياء والمشاهير يعتقدون في صحتها، بيد أن مثل هذه المعتقدات قد تنهار على نحو مفاجئ إذا وقعت أمامنا أحداث واضحة تتناقض معها. وهذا على وجه التحديد ما يحدث الآن، ولسوف يكون عام 2009 عام التحرر من الوهم.


* أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة «يـل»، وكبير خبراء الاقتصاد لدى مركز أبحاث الأسواق الشاملة (LLC).
«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .