الأحد، 14 ديسمبر 2008

حسن منيمنة: سياسة اوباما الخارجية

البحث عن اولويات
مع استكمال تشكيل فريق عمل الرئيس المنتخب أوباما لسياسته الخارجية، تبتدئ ملامح توجه الرئيس العتيد إزاء المسائل المطروحة بالاتضاح. وفي حين أن تركيبة فريق العمل هذا لا تنبئ بالتغيير الجذري الذي كان يعوّل عليه البعض، فإن تناطح القضايا يفرض حكماً قدراً من التبديل، وإن بالأولويات وباللهجة والأسلوب. ورغم العناية التي يتطلبها الوضع في شبه القارة الهندية، فالراجح أن يبقى الشأن العراقي محط الاهتمام الموضوعي الأول لأوباما، نظراً للانخراط المتشعب للولايات المتحدة في بلاد الرافدين.من البديهي أن الحكومة الأميركية ملزمة بتوزيع عنايتها على أمور شتى، ابتداء من الأزمة المالية وتداعياتها الاقتصادية والضريبية، وصولاً إلى المواقف القائمة على قناعة انحسار صدارة الولايات المتحدة عالمياً وما يستتبع ذلك من تحديات وأزمات. غير أنه لا بد للرئيس الجديد من التركيز على موضوع محدد على الصعيد الدولي، لا سيما في مطلع عهده، لإبراز نهجه في التعامل مع كافة القضايا، للأصدقاء والخصوم على حد سواء. وفي حين أن أوباما المرشح كان قد اختار أفغانستان لهذا الغرض، فإن أوباما الرئيس المنتخب يجد نفسه أمام معطيات مختلفة قد تدفع به إلى إعادة النظر.فالحديث في أوساط بعض القادة العسكريين الأميركيين بشأن أفغانستان انتقل من القول بإمكانية تحقيق الانتصار إلى النصح بالعمل على احتواء التمرد والتوصل إلى توازن أمني. ويرى البعض في هذا الانتقال إقراراً بفشل عائد إلى خطأ الحكومة الحالية في تخصيصها قدرا ضئيلا من الجهود لأفغانستان حيث المعركة الواجبة، وذلك لتوظيفها معظم الطاقات في العراق، وهي مواجهة استطرادية غير ضرورية، فيما يرى البعض الآخر أن الشروط الموضوعية غير متوفرة للسير بأفغانستان إلى حال الاستقرار والازدهار المتوافقين مع المصالح الأميركية، وذلك مهما تعاظم التخصيص. وثمة مؤشرات إلى تراجع ضمني للرئيس العتيد عن صرامة موقفه الانتخابي حول أفغانستان. فأفغانستان، بحد ذاتها، قد لا تصلح مادة محورية تظهر قدرات الرئيس الجديد على تحقيق سياساته.وإذا كانت الأوضاع في أفغانستان متلكئة، فإن قيام حكومة جديدة صديقة في باكستان كان ليقدم البديل. غير أن طبيعة العمليات العسكرية الأميركية في باكستان، وما ينجم عنها بصورة دورية من الضحايا المدنيين، تعرقل بدورها هذا الخيار. ورغم المصاعب، فإن بروز باكستان في اهتمامات الرئيس العتيد أمر محسوم. وقد جاءت موجة التفجير والإرهاب التي شهدتها مدينة مومباي في الهند لتدعم وجهة النظر القائلة بضرورة إيلاء أولوية الاهتمام لشبه القارة الهندية وأفغانستان، حيث ينشط تنظيم القاعدة والشبكات التابعة له، لا سيما مع ورود معلومات استخبارية تفيد بأن هذا التنظيم يعدّ العدة لعمل تخريبي يستهدف الولايات المتحدة انطلاقاً من المناطق القبلية بين باكستان وأفغانستان. لكن القضاء على هذا التنظيم، وتحقيق الإنجازات الملموسة في باكستان وجوارها يتطلبان جهداً طويل الأمد يتعارض من الإظهار السريع الحاسم المطلوب لقدرات الرئيس.ومن جهة أخرى، فإن تسريب معلومات عن تعثر الجهود النووية الإيرانية والتأخر الناتج عنه في تصنيع السلاح، قد يدفعان أوباما باتجاه التمهل في الخطوات التي يعتزم الشروع بها للاستمرار في تطويق إيران. وهذا التمهل متوافق مع التفضيل الإيراني، كما يتبين من تراجع للتحديات الإيرانية للسياسات الأميركية في أكثر من ساحة. وإذا كانت إيران ما تزال معضلة تتطلب الحل، فإنها لم تعد الحالة الطارئة التي تحتاج إلى المعالجة الفورية. وما ينطبق على إيران ينطبق كذلك على كل من فنزويلا وكوريا الشمالية، فانخفاض أسعار النفط قد قلّص من قدرة هوغو تشافيز على استدراج الولايات المتحدة إلى مواجهة في أميركا اللاتينية، فيما المنظومة الإقليمية المعنية بكوريا الشمالية نجحت في ضبط الأوضاع بشكل مرضٍ.وثمة أصوات في واشنطن تطالب الرئيس الجديد بعدم تكرار نهج سلفيه بوش وكلينتون بالانصباب على القضية الفلسطينية في العام الأخير من عهديهما، بل العمل على معالجتها بشكل مباشر من مطلع عهده. لكن الكلفة السياسية ستكون، في حال تعثر المعالجة، باهظة، والتعقيدات الناجمة عن افتقاد كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية للقيادة الحائزة على إجماع وطني والقادرة بالتالي على التنفيذ، يجعل من هذا الصراع قضية مرتبكة غير صالحة في المرحلة الأولية.وثمة من يشير إلى انفتاح على سورية، تستفيد منه المواقف الأميركية في كل من العراق وفلسطين وإيران، كخطوة قابلة للتنفيذ السريع، وذلك بناء على المفاوضات غير المباشرة التي تجريها تل أبيب مع دمشق. غير أن هذا الاقتراح، بما ينطوي عليه من تفاؤل مفرط، مفعم بالإشكالات التنفيذية والمبدئية إلى حد يعتبره البعض مصيدة قد تستهلك مصداقية الرئيس في مطلع عهده.فإذا كان لا بد لأوباما من موضوع محوري يظهر من خلاله قدرته على الحسم والإنجاز، فإن هذا الموضوع هو العراق، لا سيما على خلفية توقيع الاتفاقية التي تنظم الانسحاب الأميركي ليتم خلال ثلاثة أعوام كحد أقصى. والتوصيات التي يتلقاها الرئيس الجديد تدعوه إلى التحضير لانسحاب مبكر، ينسجم مع وعده الانتخابي، ويعفي الولايات المتحدة من المسؤوليات الأمنية. وفي حين أشار أوباما إلى أنه سوف يتوخى الحذر في ترتيب الانسحاب من العراق، فإن الملفات العراقية العديدة المفتوحة، من ضرورة إشراك العراقيين السنة بالعملية السياسية، إلى معالجة الخلاف المستجد بين العراقيين العرب والأكراد بشأن سلطة حكومات الأقاليم، وصولاً إلى ضبط الأمن وإعادة الإعمار وتوزيع العائدات النفطية، تحتاج إلى دعم ودفع أميركيين، بما يتناسب مع أسلوب أوباما التوافقي والهادئ. فالقضايا العراقية قد لا تكون سهلة الحل، لكن لدى أوباما المقومات المناسبة لها.فالأولوية التي قد تفرض نفسها على أوباما هي الأولوية التي حددها خلال حملته الانتخابية، أي الوضع في أفغانستان وجوارها. أما الأولوية التي قد يستفيد منها أوباما للبروز وتأكيد نهجه، فهي عينها المسألة التي شاء تصفيتها.
الحياة.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .