السبت، 20 ديسمبر 2008

"ميغ" مريدي الدولة

ما قاله وزير الدفاع الياس المرّ عن استجابة موسكو للمطالب اللبنانية وقرارها وهب لبنان عشر مقاتلات "ميغ 29" مطورة كان له وقعه الكبير على البلد. لكن ذلك يشكل إحالةً على سؤال جوهريّ جداً: ما هو الرابط بين زيارة المرّ لإبرام صفقة التسلّح، وزيارة رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري قبل فترة وإعلانه من هناك أن البحث تناول تسليح الجيش اللبناني.السؤال بادرت إليه قوى "7 أيّار" عبر منابرها وصحفها. والتشكيك هو من طبيعة هذه القوى، وليس جديداً أو طارئاً على بُنيتها السياسيّة. فهي لا تعتبر أن التخوين والطعن وإضعاف الثقة يتناقض وإرادة بناء الدولة اللبنانية. كما ان هذه الأمور لا تعنيها إلاّ متى كانت تطال سوريا وإيران.في كل الأحوال، فإن السؤال متى كان ذكياً يأتي حاملاً نصف الإجابة، لكن يبدو أن صلته بالذكاء مشابهة لصلة الأحزاب والأنظمة الشموليّة بالديموقراطيّة. حتى أن طارحه أغفل توق اللبنانيين إلى الأمر من خلال ما عبّروا عنه بمناسبة إعادة تأهيل طائرتي "هوكر هنتر" وتحليقهما في عيد الإستقلال.فالرابط بين الإثنين، يكمن في الجواب على السؤال عن الفارق بين رجل الدولة ورجل السياسة: الأوّل يعمل لبناء الدولة القويّة القادرة الراعية لجميع أبنائها من دون أحقاد طائفيّة ومذهبيّة قائمة على ذاكرة مشوّهة، من صورها استخدام عمّال المرفأ أو البلديات مادة للاستنفار بكل وجوهه. في حين أن الآخر هو مَن يعمل للفوز في الإنتخابات للوصول إلى السلطة، بمعزل عن وضع البلد وقوّته وحضوره.وبهذا المعنى، فإن الحريري هو من طراز رجال الدولة الذين ما انكفأوا عن مسؤولياتهم الوطنية، بل تنكّب السعي وراء تسليح الجيش ودعمه وتوفير الغطاء السياسي له، نابذاً أيّ وعي أو ضغط طائفي ومذهبي، وهذا ما أثبته في أحداث مخيّم "نهر البارد"، ولم يلجأ إلى لعبة الخطوط المملّة بألوانها كافّة.ولم يقف الحريري مكتوف اليدين، في انتظار أن يمنّ أحد ما علينا من "أوليائنا الفقهاء" بهِبَة أو منحة بعد خراب البصرة"، بل جال العالم طلباً لدعم يعزّز منعة البلد الأمنيّة والسياسيّة، فيما هناك من كان يهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور ويخاطب اللبنانيين كأنّه ليس منهم، قائلاً: إذهبوا وابنوا الدولة القويّة العادلة لنتحدّث بعدها عن السلاح.ولم يشكر الحريري دولةً أو شخصاً هناك التباس حول دور لهما في إغتيال، أو تسبّبا في سفك دم لبناني، أياً كانت هويّته، أو انتماؤه. بل على العكس من ذلك تماماً، فقد قال في البيت الأبيض وفي الإليزيه، وفي كلّ العواصم التي زارها إن مقاومتنا حقّ، وإن سلاحها موضوع داخلي، وليس من شأن الخارج إلا مساعدتنا على تحرير أرضنا، لكن على أساس أن يكون التحرير لبنانياً، وليس رصيداً يوظّف في مساوقات إقليميّة وعلى حساب دماء اللبنانيين عموماً، وأهلنا الجنوبيين خصوصاً.فالمشكلة بالسلاح هي في من يملك قراره السياسيّ، وإلى أي مدى يمكن للبلد أن يحتمل عرض القوة لدى فريق، من دون استفزاز الأفرقاء الآخرين واستدراجهم إلى عروض قوّة مماثلة. والمشكلة تزداد تعقيداً مع الوقائع اليوميّة، فالتقرير المفصّل الصادر عن الهيئة العليا للإغاثة كشف أن المواطن اللبناني هوَ مَن سيدفع تكلفة إعادة بناء ما دمّرته حرب تموز، وان "وعود المال النظيف" بقيت وعوداً، وان التعهّد بسداد ما تقصّر عنه الدولة، انكشف عن إلتزام الأخيرة بسداد ما لم توفّره المساعدات الدوليّة والعربيّة، إلاّ أن هذه الحقيقة لم تلجم أصحاب الوعود عن كَيل الشتائم للدولة واستنفار جهودهم وعصبيّاتهم ضدّها.كان الأجدى بالسائل، الإستفسار عن السبب الذي منع من تصدّر الرئاسة الأولى لتسع سنوات خلَت وعبر الأجهزة الأمنيّة وتحت شعار "بناء الجيش" عن تدعيم قوانا الجويّة وتفعيلها، أو حتّى سؤال مَن يرفع شعار "الصمود والممانعة" ليحكم بيروت من دمشق ويفاوض إسرائيل في أنقرة: لماذا لم يقدّم منظومة صواريخ واحدة لحماية الأجواء اللبنانية؟ أكثر من ذلك: لماذا لم يتدخّل يوماً في حروب 1993 و1996 و2006؟ قد يكون الجواب في أنه لم يفعل شيئاً من أجل أرضه المحتلّة منذ أكثر من أربعة عقود، فلماذا نطالبه من أجل ارض لبنانية؟الرابط بين جهود الحريري وإعلان المرّ، هو أن في لبنان رجال دولة يعملون لتحويل الساحة إلى وطن، والغيتوات إلى دولة، بينما هناك من يغامر بكلّ شيء من أجل ان تبقى الدويلات ، وان يبقى لبنان ورقة مساومة.هناك من يطالب بتسليح الجيش، وهناك من يعمل لتسليحه: الاول يأتي بالاوهام الطائرة، والآخر يأتي بطائرات الميغ.
موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .