الاثنين، 15 ديسمبر 2008

فارس خشان: جولة على صحافيي لبنان في الذكرى الثالثة لاستشهاد جبران تويني

تحضير مجموعة جديدة من الشهداء
بالاستناد إلى الكتب السماوية، فإن قاطني الجنة يمتازون عن سكان الأرض، بقدرتهم الهائلة على اختراق القلوب ومحاسبة النيات ومكافأة الأعمال، غير آبهين بما تنطق به الألسن وتصدح به الحناجر.وإذا كانت الجنة هي منحة الله لمن يقضون شهداء مظلومين، كما هي عليه حالة الصحافي والنائب جبران تويني الذي قضى شهيداً بعد أشهر قليلة على استشهاد الصحافي سمير قصير، فإن أذنيه لن تنصتا إلى ما قيل ويقال في مناسبة حلول الذكرى الثالثة على عملية الثاني عشر من كانون الأول 2005 الإرهابية، بل إن همّه سيتركز على أحوال صحافيي لبنان، ممن يحملون الشعلة التي أرادوا لها أن تنطفئ باغتياله .في هذه الحالة، ماذا يمكن لجبران تويني أن يرى؟بديهي، أنه لن يتفاعل مطلقاً مع أولئك الذين سيقولون له "نم قرير العين"، لأن أحوال الصحافيين الذين ساروا على درب المبادئ التي رفعها، تقهقرت إلى مستويات مأسوية، في حين تعاظم نفوذ أولئك الذين امتهنوا شتمه وتخوينه واتهامه والنيل من شرفه .ففي محصلة السنوات الثلاث التي مرّت من دون جبران تويني، تمأسست جوقة الشتم والتخوين والنيل من الشرف، فأضحى لها منابر ثابتة في الصحف والشبكة الإلكترونية والقنوات التلفزيونية، وتمّت إحاطتها بقوى سياسية فاعلة، وجرى توفير حمايات قضائية وحقوقية لها، وتنعّمت بحاجة نقابتي الصحافة والمحررين إلى غض الطرف باسم الحياد .وهكذا لم يبقَ صحافي واحد، ممن يسيرون على درب جبران تويني، إلا ونال قسطاً وافراً من التخوين والشتم والمس بالشرف، بطريقة منتظمة وممنهجة ومدروسة، مما حوّلهم إلى أهداف دائمة لمن يُصدقون... ومحازبو مجموعات الشتم يمتازون بأنهم يصدّقون .وبفعل هذه السلوكية التي تغتال الصحافي معنوياً ومهنياً قبل أن تغتاله فعلياً وجسدياً، أضحى "الجبرانيون" شبه أسرى في مهنة تعتمد، أولاً بأول على التواصل وعلى مناقشة الأضداد، في حين سارع البعض إلى الانسحاب، متدثراً بمبادئ المهنية، بحيث فضل أن يقفل، في مهنة المتاعب، الأبواب التي يهب منها الريح .وبذلك تفوّقت جوقة الشتم الممأسسة، حتى بات بمقدور العماد ميشال عون، وهو في أحضان النظام السوري، أن يهاجم الإعلام اللبناني ويصفه بأنه إعلام موجه، من دون أن يلاحظ أنه يتكلم لأجهزة الدعاية السورية، وأصبح بمتناول "حزب الله" بعد الرئيس السوري بشار الأسد، أن يصف وسائل إعلام لبنانية وعربية بأنها وسائل إعلام عبرية ناطقة باللغة العربية، وأمسى الوزير السابق ميشال سماحه الذي قال الإعلام السوري إنه معاون لمستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، يستطيع أن يفترش استديو التلفزيونات الناطقة باسم قوى الثامن من آذار، ليهاجم الصحافيين اللبنانيين ويعتبرهم مفبركي ملفات قضائية ومرتشين وخونة .وبفعل هذه السلوكية، وجدت العمليات الإرهابية التي استهدفت وسائل الإعلام في السابع من أيار الماضي من يبررها، في وقت غابت عن الاهتمام بشكل كلي، مطاردات عدد من الصحافيين بموجب لوائح كانت بمتناول الميليشيات التي عاثت في العاصمة فساداً، باسم ذاك السلاح الذي تمّ استعماله في الداخل حماية للسلاح، لا بل إن عدداً من الصحافيين اللبنانيين كانوا محور تحقيقات أجرتها قوى الأمر الواقع مع محازبين جرى خطفهم وأسرهم في زنزانات أمن هذه الميليشيات.ووفق هذه الصورة التي هي اختصار لمشهد كبير وخطير للغاية، تطل الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال جبران تويني لتغيب كل هذه الحقائق، لمصلحة الخطب الإنشائية والتسويقات الشخصانية والتطلعات الفردية .ولكن هل هكذا يتم تخليد الشهداء؟ أم هكذا يتم تأسيس مقصلة للإطاحة برؤوس صحافيين جدد ليكونوا شهداء؟ أليس نسيان سليم اللوزي سمح باغتيال سمير قصير؟ أليس بإهمال رياض طه تمّ الوصول إلى جبران تويني؟ أليس بتسطيح إحياء ذكرى جبران تويني يتم تحضير مجموعة جديدة من الشهداء؟
المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .