السبت، 13 ديسمبر 2008

نداء بيروت 2009

نحو سلام دائم في لبنان والعالم العربي




يرمي ھذا النداء الى استنھاض ھمة الرأي العام الاستقلالي اللبناني، ودعوته الى العمل معاً من أجل سلام دائم في لبنان والعالم
العربي. وذلك من خلال تأسيس مكان للحوار والتضامن والعمل المشترك، ھو "منتدى بيروت".
يتوجه "المنتدى" الى الذين يرون ضرورة العمل على:
• صياغة رؤية واضحة لأھداف الحركة الاستقلالية في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من قناعةٍ بأن حصانة الاستقلال
متوقفةٌ، في الداخل، على قيام دولة قادرة على ضبط النزاعات الطائفية. كما ھي متوقفةٌ، في بعدھا الخارجي، على
نجاح المنطقة العربية في إقامة نظام عربي للمصلحة المشتركة، حديثٌ ومنفتحٌ على العالم.
• تأمين مشاركة المجتمع المدني، على نحو أكثر فاعلية واتساعاً، في تحقيق أھداف الحركة الاستقلالية. لاسيما وأن
. ھذا المجتمع المدني كان له الدور الحاسم في نجاح معركة الاستقلال 2005
• إعادة الاعتبار الى مفھوم السياسة، بمعنى حسن إدارة الشأن العام، التي لا يجوز اختزالھا في السعي الى السلطة.
وھو ما يفرض احترام رأي عام لبناني، حديث ومتنوع، تكوّن مع انتفاضة الاستقلال، متجاوزاً حواجز العصبيات
الضيقة. وذلك للمرة الأولى في تاريخ لبنان. ھذا التطور النوعي من شأنه أن يدخل بُعداً جديداً كل الجدة على الحياة
السياسية، التي كانت حتى ذلك الوقت محدودة بلعبة التوافق والنزاع بين زعامات الطوائف وأعيان المناطق وقادة
الأحزاب.
*****
لِمَ انتسابُ ھذا النداء الى بيروت؟
لأن ھذه المدينة العريقة، الغنية بتنوّ ع انساني فذّ، كانت لزمن طويل موطن التواصل والعيش المشترك في الشرق، قبل أن
تصبح مسرحاً للقطيعة والحماقات، وأوَّلَ نموذج لحروب ما بعد الحرب الباردة!
ففي بيروت 1975 ، ومع تدمير وسطھا الحاضن لكل أطياف الشعب اللبناني، بدأت عملية فرز اللبنانيين، تخلّلھا
على جانبي الخط الفاصل بين شطري العاصمة، مھَّدت لانقسام شامل وطويل الأمد! « تصفيات طائفية »
وفي بيروت 1982 ، حاولت اسرائيل أن تفرض شروط قوتھا على الفلسطينيين لحلّ المشكلة التاريخية الناجمة عن
رفضھا العيش معھم، كما حاولت أن تفرض على لبنان سلاماً منفرد اً بعد حصار عاصمته وتدميرھا، قبل أن تُجبَر
على مغادرتھا، إثر مجازر صبرا وشاتيلا!
وفي بيروت أيضاً، على مدى بضع سنوات اعتبار اً من العام 1985 ، أخذ النزاع المسلح بين جبھتي الحرب في لبنان
يتحوّل حروباً صغيرة داخل كل جبھة، تارةً بين شيعةٍ وفلسطينيين، وطوراً بين شيعةٍ ودروز، ثم بين شيعة وشيعة،
الى أن استلم المسيحيون اللبنانيون راية الانقسام الذاتي بعنف غير مسبوق في تاريخھم!
وفي بيروت 1990 ، شرع النظام السوري في تنفيذ خطة عملية لضم لبنان الى سوريا، ةتحت شعار ضمني هو "استرداد" لبنان باعتباره جزءاً من "سوريا الكبرى، بھدف "إسقاط" اتفاقية
سايكس-بيكو لعام 1916 .
ولكن بيروت ذاتھا كانت أيضاً، عام 1997 ، المدينة التي أطلق منھا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني نداءه الشھير من
أجل المصالحة وتنقية الذاكرة، كما دعا اللبنانيين الى التمسك برسالة السلام والانفتاح التي ميزت بلدھم ومجتمعھم،
ممھداً بذلك الطريق أمام نداء الكنيسة المارونية التاريخي "من اجل الاستقلال" (ايلول 2000).
كذلك كانت بيروت 2002 ، المدينة التي أطلق منھا الملوك والرؤساء العرب للمرة الأولى مبادرة سلام عربية، ثم
أكدوا المبادرة في قمة الرياض 2007 ، من أجل وضع حد للنزاع العربي -الاسرائيلي وإحلال السلام في المنطقة.
وفي بيروت 2005 ، على أثر جريمة اغتيال رفيق الحريري، صنع اللبنانيون ثورة استقلالھم الثاني بوحدتھم،
متجاوزين ماضي الفُرقة والحروب والآلام، فارضين حقھم وإرادتھم في العيش معاً داخل إطار وطني ھم فيه أسياد
قرارھم ومصيرھم. فلأول مرة في تاريخ المنطقة العربية يحدث التغيير السياسي على المستوى الوطني بإرادة الناس
وقوتھم السلمية، لا بإرادة الخارج أو الانقلاب العسكري. بذلك رسمت ثورة الأرزخطاً فاصلاً بين حقبتين، مثلما فعل
انھيار جدار برلين بالنسبة لدول أوروبا الشرقية، فاتحةً الطريق أمام التغيير الديمقراطي الھادئ في العالم العربي.
وفي بيروت ذاتھا، عام 2006 ، لم تتح سوريا وايران الفرصة للملمة الجراح التي تسببت بھا حرب تموز 2006
فاستمرت في سياسة ترھيب الشعب والدولة في لبنان، واستنھاض العداوات المذھبية، في محاولةٍ لإجھاض ثورة
الاستقلال، ولقطع ما وصلهُ اللبنانيون فيما بينھم.
أخيراً شھدت بيروت 2008 ، تعبيرين ساطعين لإسلامين مختلفين: إسلام التطرُّف الذي حاول إخضاعھا بقوة
السلاح، مثلما أخضع غزة 2007 ؛ وإسلام السماحة والاعتدال، الذي حضر ممثلوه من كل أنحاء العالم العربي الى
بيروت، ليشاركوا في افتتاح "جامع محمد الأمين" في وسط بيروت ومجمع الإمام الصادق الثقافي في ضاحيتھا
الجنوبية، وليؤكدوا وقوفھم بقوة في وجه التطرف والمتطرفين.
*****
لماذا بيروت اليوم؟
لأنه ھھنا، في ھذه المدينة ، يتقرر مصير لبنان والمنطقة! فاللبنانيون اليوم، ومعھم العرب، ملزمون باختيار واحدةٍ من ثقافتين:
ثقافة العنف والفصل والانعزال، أو ثقافة السلام والوصل والانفتاح. لذلك يتوجَّب عليھم الاختيار بين:
لبنانين: لبنان الساحة المفتوحة لكل من يريد أن يجرّب حظه في الحرب، أو لبنان المختبر الفريد للعيش معاً بسلام!
مفھومَين للدولة: دولة ضعيفة يحكمھا زعماء الطوائف ويتناتشونھا، أو دولة مدنية قادرة على حماية العيش اللبناني
المشترك وصون حقوق المواطن!
نظرتَين الى الفرد: فردٌ مجرَّد من استقلاليته ومتماهٍ كلياً مع جماعته، أو فرد حرّ، قادر على استيعاب وإدارة
الانتماءات المتعددة التي تؤلف ھويته المركبة!
نطرتَين الى العالم العربي: عالم عربي متروك نھباً للأصوليات والتطرف، ومحكوم بتخلُّف مقيم، أو عالم عربي
تعددي، حديث ومنفتح، قادر على استثمار طاقاته الھائلة في تنمية شاملة!
نظرتَين الى العالم: عالم محكوم لثنائية الخير والشر، الحق والباطل، في صراع لا نھاية له، أو عالم متضامن في
السعي الى عولمة أكثر انسانية وعدلاً وتشاركية!
*****
ھل نستطيع إرساء قواعد مستقبل آمن لجميعنا؟
نعم، نستطيع أن نفعل، إذا ما تجاوزنا مخاوفنا الطائفية المتبادلة وأنانياتنا السياسية الضيقة، وإذا ما وحَّدنا جھودنا من أجل تحقيق الحلم اللبناني
الذي أحيته ثورة الأرز 2005 ؛ وھو حلم التمتُّع بحلاوة العيش التي يتيحھا التنوع الفريد في مجتمعنا، وقدرتُنا الاستثنائية على التواصل فيما بيننا ومع العالم.
نعم، نستطيع أن نفرض حقنا في العيش بسلام، في بلد لا يتعرض أمنه للتھديد المستمر من قبل الدول المجاورة، أو من قبل النزاعات الطائفية التي تلغّم الدولة وتدفع هذه الفئة من اللبنانيين او تلك إلى التماس "تحالفات" خارجية لمواجهة الداخل!

كيف؟
بتحييد لبنان عن محاور الصراعات المسلحة في المنطقة، مع إلتزامه مقررات العمل العربي المشترك. من ھنا
ضرورة تطبيق القرارات الدولية، لاسيما القرار 1701 ، والعمل على نزع سلاح الميليشيات جميعاً، كي يعود للدولة وحدھا حقُ احتكار القوة المسلحة الذي حُرِمَت منه منذ اتفاقية القاھرة 1969 ومع تعاقب المقاومات المسلحة على رض لبنان. ھذا الأمر شديد الحيوية لانتشال لبنان من شبكة التدخلات الخارجية المعوّقة لسلامه واستقراره. وھو يتطلب تضافر جھود متنوعة على صعيد الدولة والرأي العام، كما في اتجاه المجتمعين العربي والدولي.
بالعمل على إقامة دولة مدنية قادرة على وضع حد للحروب الطائفية التي تھدد مستقبلنا الوطني، دولة تكفل
للمواطنين دون تمييز حقوقاً متساوية وفرصاً متساوية للحصول عليھا، دولة تضمن الحضور الحر للطوائف خارج
منطق العدد الذي يستخدم لتخويف اللبنانيين، وذلك عبر انشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، دولة تؤمن أوسع
المشاركة من خلال اعتماد اللامركزية الادارية، دولة توفر العدالة للجميع من خلال سلطة قضائية مستقلة.


بالشروع في مراجعة ذاتية لإستخلاص عِبَر الحرب وتجاوز الماضي، كي نتمكن من معانقة مستقبلنا المشترك
بسلام. من ھنا ضرورةُ دعم المبادرات الجارية من أجل المصالحة الوطنية وتنقية الذاكرة، كما وإطلاق مبادرات
لحوار في العمق داخل كل مجموعة، وفيما بينھا، من شأنه نزع فتيل التوترات القائمة وصون السلم الأھلي.

إن نبذ العنف بكل أشكاله يمثل الشرط الضروري لأربعة :
تأمين حقنا في العيش داخل مجتمع يحترم القيم الانسانية، حديث ومنفتح: .I
مجتمع لا يُختزل فيه الفرد ببُعدِه الطائفي، مجرداً من دوائر إنتمائه الأخرى التي تُغني شخصيته، مجتمع لا يُستخدم
فيه الدين لغايات سياسية وسلطوية، متحولاً بذلك عن وظيفته الأساسية، ألا وھي إرشاد البشر إلى العيش معاً بسلام،
مجتمع يستطيع الفرد فيه أن يختار العيش وفق نظام للأحوال الشخصية مدني غير دينيّ، مجتمع ليس فيه تمييز ضد
المرأة، وحيث العدالة لا تميّز بين حاكم ومحكوم، وحيث إحترام الشخص الإنساني ھو ذاته حيال القوي والضعيف،
العامل اللبناني والعامل الأجنبي، السجين والطليق، مجتمع لا تُطيح فيه القوانين الراعية للحريات العامة بحرية
الفرد، مجتمع يحمي الأطفال والعُجّز والمعوّقين ويحفظ حقوقھم، مجتمع يبدأ فيه احترام الذات من احترام الطبيعة...
تأمين التنمية الإقتصادية والإجتماعية لبلدنا، وإتاحة الفرصة أمامه للدخول بخطى ثابتة في عصر العولمة. وذلك
بتنمية رصيده الإنساني الذي يشكل ثروته الأساسية، وبتفعيل تلك الشبكة الإستثنائية التي يمثلھا الإغتراب اللبناني في
العالم. وفي ھذا الإطار، ينبغي عدم تراجع الدولة عن المقدار الضروري من وظيفتھا الرعائية، مع الحرص على
اعتماد سياسات اقتصادية توفق بين ضرورتي النمو والعدالة الاجتماعية.
إعادة الإعتبار إلى نموذج العيش اللبناني، الذي لا تتأتّى أھميته من تجاور طوائفه الدينية أو تساكنھا، بل من
اختلاطھا وتفاعلھا اللذين يجعلان من المجتمع اللبناني بوتقة إنسانية فريدة، في زمن أصبح موضوع العيش معاً
بسلام يمثل تحدياً جسيماً للإنسانية جمعاء، بفعل التغيّرات الھائلة التي أحدثتھا العولمة، كما تبيّن من الإجتماع الرفيع
المستوى الذي نظمته الامانة العامة لأمم المتحدة (تشرين الثاني الماضي) حول ثقافة السلام، بمبادرة ريادية من العربية السعودية.
فرض حقنا في أن نعيش العصر، عصرنا، وفي أن نتخفف من أوزار النزاعات الدولية التي وسمت القرن الماضي.

كيف؟
بالمساھمة في اشتقاق طريق عربية نحو الحداثة، وبالمشاركة في خلق نظام جديد للمصلحة العربية، حديث ومنفتح على العالم، تعيّنت أھم منطلقاته الأساسية في إعلان الرياض
الصادر عن القمة العربية في آذار 2007 .

بإعطاء الأولوية لتسوية النزاع العربي – الإسرائيلي، كَوْ ن ھذه التسوية مدخلا ضرورياً لتطبيع العلاقات
بين العالم الإسلامي والغرب.
بالمساھمة في تعزيز خيارات الإعتدال بين المسلمين العرب، لدرء مخاطر حروب أھلية تترصّد غيرَ بلد
عربي. وتشجيع التواصل مع الاتجاھات الاصلاحية في المنطقة.
بإطلاق نقاش في العمق حول مساھمة مسيحيي الشرق في إرساء الأسس المتينة لعالم عربي جديد، إنطلاقاً
من انتمائھم العضوي إلى ھذا العالم، ودورھم المشھود في نھضاته السابقة.
بمواكبة جھود المصالحة اللبنانية – الفلسطينية التي انطلقت مع،" إعلان فلسطين في لبنان"، وبتعيين القواعد السليمة والعملية لإنجاز "تسوية تاريخية" مع سوريا، وبدعم الجھود الرامية إلى إخراج العراق
من دوامة العنف المدمّر، كي يستعيد المشرق العربي دوره الوازن في العالم العربي.
بالمساھمة في الجھود المبذولة للعودة بالمتوسط إلى سابق عھده في التقريب والتواصل والتفاعل بين
شعوبه وثقافاته العريقة، مما يشكل إحدى الضمانات الأساسية لإستقرار ھذا الجزء الحيوي من العالم.

*****

ھذا النداء ھو نص مطروح للنقاش في مؤتمر يعقد في مطلع كانون الثاني 2009 لاطلاق "منتدى بيروت".
يشكل الموقعون على ھذا النداء ھيئة تحضيرية للمؤتمر العتيد ولاطلاق المنتدى.
وسينشر ھذا النداء مع التواقيع في مؤتمر صحافي يسبق المؤتمر.
للتوقيع يرجى الاتصال ب:
montada@beirutletter.org__

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .