الاثنين، 15 ديسمبر 2008

بلال خبيز: عن اليسار والاصوليين وشيطنة اميركا

القراءة في كتاب واحد

احيا انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة آمالاً عريضة بالتغيير في العالم اجمع. وعلى قاعدة هذه الآمال العريضة تجرأ بعض المفكرين والمحللين الأميركيين إلى اعتبار انتخابه مثابة ترميم السمعة الاميركية في العالم. تلك السمعة التي يرى فرنسيس فوكوياما انها تضررت اشد الضرر في عهد الرئيس جورج بوش الابن. والحديث عن السمعة في هذا المجال يتصل بدور الولايات المتحدة الأميركية في العالم، من ناحية اولى، اقله بالنسبة للأميركيين انفسهم، لكنه ايضاً يتصل اتصالاً وثيقاً، من ناحية ثانية، بحظوظ التغيير في الولايات المتحدة الاميركية نفسها.
مروحة هذا التغيير المرتقب واسعة جداً. حيث يعقد البعض امالاً كبيرة على اصول باراك اوباما الإفريقية، بوصفها ان لم تكن انتماء بالدم إلى عالم ثالث مغرق في ازماته، فهي على الأقل معرفة ملموسة بأحوال هذا العالم ومشكلاته العميقة والمعقدة. إلى آخرين يظنون ان تحدر الرئيس المنتخب من صلب اب مسلم سيجعله يولي العالم الإسلامي جل عنايته، هذا إذا لم ينحز إلى قضاياه ويعبر عن مصالحه وهو يشغل اعلى موقع في دائرة القرار الأميركية. وبين هذا وذاك، ثمة في العالم من يعتقد ان الولايات المتحدة الأميركية ستكون في ظل حكم اوباما اكثر قرباً وتفهماً لمفاهيم العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروات، وهذه تعابير ملطفة يجهر بها يساريو العالم اليوم لتحل محل تعابير ومفاهيم الستينات والسبعينات من القرن الماضي الإشتراكية والشيوعية.
لكن الحريصين والمتشائمين في اميركا وخارجها يرون ان هذه الآمال ليست مبالغاً فيها وحسب، بل انها لا تمت إلى الوقائع بصلة من الصلات. حجة هؤلاء المفحمة، ان الولايات المتحدة الاميركية اولاً وآخراً، هي دولة تدافع عن مصالحها، وان مصالحها الحيوية، داخلاً وخارجاً، تفرض عليها ان تبقى في موقع مختلف ومناقض تماماً لهذه الآمال. والحق ان المسألة التي ينبغي مناقشتها في هذا السياق لا تتعلق بحظ هذه الفئة من المتشائمين او تلك الفئة من المتفائلين من الواقعية والصحة. بل ان الأمر يتعدى مجالي الصحة والواقعية إلى مجال أكثر دقة يتعلق تعلقاً مباشراً بصحة المفاهيم التي يقيس اهل الفئتين على اساسها اراءهم ويعلنون مواقفهم.
الفئة الاولى تفترض ان اصول الرئيس المنتخب العرقية والدينية والجغرافية سوف تتغلب على حبال الوقائع التي تشد اوباما إلى مواطنته الأميركية وتالياً إلى الأحكام التي تفرضها رئاسته للولايات المتحدة، بوصفه المخول بالدفاع عن مصالحها اولاً وأخيراً. وفي هذا التمني الذي يبديه البعض حيال حتمية غلبة الأصول على الوقائع، ما يجافي منطق الأنظمة الديموقراطية برمتها، التي يصعب التفلت من قيودها المحكمة، والتي تستبعد ثورات التغيير وتكبل الانقلابات الكبرى بألف قيد وقيد. فيما تسمح للتغيرات البطيئة ان تمر عبر قنواتها منذرة بتغييرات طفيفة يمكن ان يؤدي تراكمها على مر الزمن إلى تغييرات ملحوظة. والحق ان مثل هذا الرأي لا يملك حظاً من الوجاهة قد يدفع اي كان إلى صرف الوقت في مناقشته، فأوباما ليس افريقياً اسوداً وليس مسلماً، بالمعنى الذي يكون عليه رجل مسلم يعيش في كينيا ويخضع لمترتبات العيش هناك. فهو في نهاية الامر واحد من الذين تدرجوا في مدارج السياسة الاميركية وتعلم في مدارسها وتخرج من احد حزبيها الكبيرين، ولم يأت من مجهول غامض لا تاريخ له ليسكن البيت الأبيض ويقود السياسة الأميركية.
اما الرأي الثاني الذي ينكر كل احتمال تغيير في ظل رئاسة اوباما، فيبدو في حقيقة الأمر متناقضاً مع المنطق الذي ينطلق منه. مثل هذا الرأي يبنى في كل مكان من العالم على قاعدة قناعة بأن الولايات المتحدة الاميركية بسبب من موقعها ومصالحها، هي الدولة التي يجدر باليساريين مقاتلتها على طول الخط، لأنها تمثل واقعاً وعملياً خلاصة التعسف الرأسمالي الذي يعيث فساداً في مجتمعه وفي العالم طولاً وعرضاً. هذا الرأي الذي لا يشذ عن الإيمان به يساريو الولايات المتحدة انفسهم، يفصح ان التغيير ممكن في كل مكان من العالم، إلا في الولايات المتحدة. وان الولايات المتحدة الاميركية محكومة بأن تبقى، إلى حين هزيمتها النهائية، شيطان الرأسمالية الذي لا يرحم. ورغم ان الحكم في روسيا مثلاً ليس اقل رأسماليةً ولا اقل اعتماداً على اقتصاد السوق من الولايات المتحدة، إلا ان هؤلاء الذين يشيطنون اميركا لا يتورعون عن ابداء رغبتهم بعودة العملاق الروسي لينافس اميركا على حكم العالم وقيادته وهزيمتها ان امكن. فالرأسمالية الروسية والفوضى الاقتصادية المتوحشة التي تسير السوق الروسية لا تخيف هؤلاء ولا تجعلهم يفكرون في ما يدعون إليه مرتين. هؤلاء اليساريون على ما نعلم هم ورثة كارل ماركس الذي كان ركناً اساسياً من الأركان الفكرية الثلاثة، (ماركس، نيتشه وفرويد) التي احلت التاريخ محل الغيب، وقدمت الوقائع على الأحلام، بل سعت في ما سعت إليه ( اي هذه الأركان الثلاثة) إلى عقلنة الاحلام نفسها، واخضعتها إلى تقنيات التأويل التي نعرفها ونجيدها اليوم. لكن هؤلاء اليساريون، يخالفون منطق التأويل برمته حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فيمنعون عنها كل احتمال تغيير، وينصبونها عدواً ابدياً لأفكارهم وتطلعاتهم، لا لسبب يتعلق بنظامها السياسي، وهو نظام له ما يناظره في انحاء العالم كله، ولا لعلة كامنة في ديموقراطيتها، وهي ديموقراطية متقدمة على ما يعترف الجميع. بل لأن يساريي اليوم، على غرار الأصوليين المذهبيين يريدون شيطاناً ليرجموه. ومن دون وجود هذا الشيطان واستحالة اصلاح حاله، لا تستقيم دعاويهم ولا تعود افكارهم قابلة للتداول.
والحال هذه، لا يعود مستغرباً ان يعلن نعوم تشومسكي، احد المع نجوم اليسار في العالم اجمع، بعد زيارته امين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله، بعيد انتهاء حرب تموز العام 2006، انه تعلم من هذا الأخير الكثير. ذلك ان الكتاب الذي يقرآن فيه له غلاف واحد. لكن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المجال هو ان السيد نصرالله لا يقرأ في رأس المال.
مصباح الحرية

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .