الاثنين، 9 فبراير 2009

علي الخليلي: خطاب مكرر.. فوق الانقاض


خلال بضعة أيام فقط، وبعد أن أدرك استحالة القفز عن منظمة التحرير، كرر خالد مشعل دعوته للمرة الثانية بلهجة تبدو شبه مغايرة، أو أخف حدة من الأولى على الأقل، إلى تشكيل ما أسماه "مرجعية لفصائل وقوى المقاومة"، تمتلك زمام القيادة، دون أن تكون بديلا عن منظمة التحرير، وإنما هي كائنة مؤقتا، بحكم "انتصار غزة" حسب رؤيته، إلى حين إعادة بناء هذه المنظمة وفق إعلان القاهرة 2005، بمشاركة كل الأطراف، وبخاصة "حماس" والجهاد الإسلامي. ولم يُخف مشعل هذه المرة، معالم الشغف في محاولته كما قال، تكرار ما سبق أن فعله ياسر عرفات في العام 1969، بتغيير برنامج منظمة التحرير تحت سقف بنادق المقاومة آنذاك، وعلى وجه التحديد بنادق "فتح". فهو، أي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، يرى في نفسه الآن، ياسر عرفات جديدا، أو نسخة مكررة عنه في مفصل حاسم، ويحسب أن ظروف العام الراهن 2009، مشابهة لظروف العام 1969، وليس من فرق بينها على مدار السنوات الأربعين الماضية، سوى أن "حماس" الآن، هي البديل لفتح.لم تكن "حماس" موجودة في العام 1969 ولعل خالد مشعل يرى أن أنقاض غزة التي يسميها انتصارا له وللشعب الفلسطيني كله، قادرة على أن تخفي "فتح" تحتها، فيشكل مرجعيته الجديدة على أساس أن "فتح" (التي لم تشارك في ذلك الانتصار "الأنقاض" الخراب الكبير) لم تعد موجودة، وأن "حماس" وحدها هي المرجعية، وهي بالتالي، منظمة التحرير القائمة على بنادق المقاومة.ويجوز أن أمين عام الجهاد الإسلامي رمضان شلح، تنبه سريعا، لهذا البعد "الباطني" من دعوة مشعل، وهو الحليف أصلا له، فقال: إن "حماس" تخطئ إذا حسبت أنها قادرة على إنشاء منظمة تحرير جديدة، دون "فتح".ولكن "حماس" لا تكترث بالأخطاء، تماما كما لا تكترث بالخطايا والكوراث والمآسي. وربما كانت تحتفي بها، وتشجع على ارتكابها. فهي تبني موقفها في الأساس، على هذا الخلط المفزع لكل الأوراق. وبكلمات أوضح، هي ذاتها، تتحرك في هذه المرحلة، باندفاع شديد على وقع المزيد من الفوضى، ليس على صعيد الجغرافيا الفلسطينية الممزقة وحدها، وإنما في إطار سلسلة معقدة من الأصعدة العربية والإقليمية والدولية.وفي هذا السياق، يعرف خالد مشعل أن إعادة بناء منظمة التحرير، مطلب لفتح نفسها، قبل أن تطلبه "حماس" لاحقا، والتي هي ــ أي "حماس" ــ لم تكن تعترف أصلا بها، فكيف لها أن تطالب بتغيير أو تطوير ما لا تقر بوجوده؟ غير أن خالد مشعل يلقي بهذه المعرفة إلى ما وراء ظهره، ويحسب أن الناس بلا ذاكرة، وأن التاريخ أعمى، فيغوص في مزيد من الفوضى، تحت شعارات لا قيمة لبريقها، طالما أنها محكومة بباطنها التدميري، على طريقة كل الحركات الباطنية في التاريخ الانقلابي الدموي.إلى ذلك، لا صحة لنبرة أو لهجة مشعل شبه المغايرة، أو الأخف حدة، بقوله أو بخطابه الثاني أنه يرى في منظمة التحرير بيتا لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج. ولا صحة لقوله: إنه حريص على هذا البيت. ثمة لعب في شبكة لغة "الباطنية" عنده، في هذا المجال المرحلي. والصحيح، بمجرد انتزاع قشرة هذا اللعب الذي يقترب من حد السذاجة أحيانا، وهو يكرس ما يظن أنها قدرته الفائقة على "اللعب بالعقول"، أن مشعل يسعى إلى إنشاء منظمة جديدة لا تمت إلى منظمة التحرير بصلة، وأن ما أسماه "المرجعية"، هو المدخل الأولي إلى مسعاه.يقوم هذا المسعى على أية حال، على دعامتين. الأولى مسمى "وانتصرت غزة". والثانية اختصار السنوات الأربعين الماضية بمقولة التشابه بين ظروف العام 1969، وظروف العام 2009. من الواضح أن غزة منكوبة إلى درجة القهر والخراب. وليس من انتصار لها إلا في صمود أهلها. أما ذلك الانتصار الحمساوي الذي يروج له مشعل، فلا وجود له وفق جميع المراقبين، إلا في باطنيته الساعية إلى استغلال المذابح والكوارث لمصلحة برنامجه البعيد عن برنامج المشروع الوطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. ومن الواضح أن التاريخ يسخر كثيرا من هذه الباطنية التي تحاول كسر عنقه بقوة الأنقاض والخرائب، فيشبه لها ما ليس هو حقيقي أو صحيح، بين ظروف لا تتطابق على أي وجه.وفي المحصلة، أن مسعى خالد مشعل فاشل بالضرورة. وسوف تذهب دعوته الانقسامية الانفصالية أدراج الرياح، لتبقى "حماس" نفسها جزءا من الشعب الفلسطيني، وفصيلا لا بد له من أن ينطوي أخيرا تحت جناح منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كل مكان.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .