الخميس، 19 فبراير 2009

بلال خبيز: محنة العيش مع الثلث المعطل

لا يخفى على السامع والمراقب اللهجة اللينة التي قابل بها امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مواقف اقطاب 14 آذار في الرابع عشر من شباط وما تلاه وهو كثير.
لكن اللهجة اللينة التي يردها البعض إلى اسباب خارجية تتعلق بانتظار سوري - ايراني لما ستؤول إليه عملية الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، لا تخفي اتساع الشقة بين طرفي المعادلة اللبنانية.
لنبدأ من 14 شباط وما حولها، خطف المهندس جوزيف صادر، العثور على الكابتن غسان المقداد مقتولاً في سيارته في محلة الأوزاعي، استشهاد المواطن لطفي زين الدين طعناً بالسكاكين.
هل نكتفي بهذه اللائحة؟ ربما يجدر بنا ان نضيف إليها تعليقات الجنرال ميشال عون.
في الهمس المتبادل بين اللبنانيين ثمة من يرد مقتل الكابتن في شركة طيران الشرق الأوسط إلى اعمال استخباراتية. قتل الرجل بصمت وحرفية عالية، واودع في مكان عام ليتسنى للناس العثور على جثته ودفنها. لماذا قتل؟ من قتله؟ اسئلة تبدو حتى الآن ممنوعة.
خطف المهندس صادر على طريق المطار. تعيين المكان في الخبر يشير إلى جهة معينة. من يستطيع الخطف على طريق المطار في وضح النهار؟ وما الجريمة التي يخطف المهندس صادر بجريرتها؟ الأرجح ان السؤال يكاد يكون ممنوعاً او مسكوتاً عنه في اقل تقدير. الذين يملكون مضبطة الاتهام لا يريدون الإعلان عنها. لكن الكابتن يقتل والمهندس يخطف في المنطقة التي تقع خارج عمل القانون، ووبعيداً عن سلطان الدولة واجهزتها الأمنية. المنطقة المشار إليها ليست من اعمال الجغرافيا بل من اعمال السياسة. ان يقتل مواطن لأي سبب من الأسباب، خصوصاً لسبب سياسي، فهذا ادعى لأن نسأل انفسنا كيف يستقيم هذا القتل مع دعوة القادة السياسيين إلى المشاركة الكثيفة في عمليات الاقتراع؟
لنقل ان هذا القتل تم في العتم، وان خطف المهندس صادر ايضاً ذهب إلى العتمة. لكن لطفي زين اليدن قتل في وضح النهار. حسناً، قد يحاكم بعض الأشخاص المسؤولين عن هذه الجريمة. انما السؤال يبقى على حاله. ما الذي يدفع شباناً في ريعان شبابهم إلى طعن رجل لا يعرفونه من قبل ولا يتصلون به بأي صلة، سوى انه كان من بين المشاركين في مهرجان خصومهم؟ الارجح ان الحديث هنا يقع في صلب السياسة اللبنانية وليس متعلقاً بفورات الغضب. الجنرال ميشال عون يقول القتل مستنكر، انما ايضاً يجب ان لا يعمد القتيل إلى استفزاز القاتل. هذه معادلة تعلمها الجنرال عون من السيد حسن نصرالله، يوم غزا جمهور حزب الله الإشرفية واعتدى على الناس والممتلكات احتجاجاً على حلقة في برنامج تلفزيوني. يومها خاطب السيد نصرالله اللبنانيين بالقول ان الاعتداء مستنكر، انما على الآخرين ان لا يستفزوا مشاعر الناس. القتيل هو الجاني، وليس على المستفز الغاضب حرج. هنيئاً للجنرال الذي يطالب بدولة القانون بهذه المعادلة. في دولة القانون ليس ثمة جريمة تستحق مثل هذا العقاب. في دولة الغاضبين كل اعتراض يستحق القتل جزاء له، فكيف إذا استفز المرء مشاعر الغاضبين؟
من يحق له ان يغضب ومن لا يحق له؟ هل يحق لأهل القتيل الغضب؟ ام ان القتيل ليس من القوم الغاضبين؟
هذا كله يعرفه جمهور 14 آذار وقادته. وهم الذين لا يريدون الانجرار إلى الغضب، يتحملون نتائج غضب الطرف الآخر وجمهوره. مع ذلك، اتى خطاب السيد نصرالله ليناً وهادئاً. بتنا اليوم نحاذر ان لا نغضب احداً. فعاقبة الغضب معروفة وخطيرة. لكن الهدوء لا يخفي احتكار حق الغضب وما يليه. السيد نصرالله، يطالب 14 آذار إذا خسرت الاكثرية النيابية في الانتخابات ان تشارك في الحكم مع ثلث معطل. بالنصف زائد واحد لم تستطع الموالاة ان تمنع تعطيل الاستحقاقات الدستورية. فهل تستطيع بالثلث المعطل ان تعطل حرباً او تمنع جمهوراً غاضباً من اقتحام مدن او قرى والتنكيل بأهلها؟
هذه الانتخابات استفتاء على مستقبل البلد. هذا صحيح. لكن مستقبل البلد محجوز ويحول دون التخطيط له غضب متنقل من جمهور إلى جمهور، ومن قائد وزعيم إلى قائد وزعيم. انها المرة الأولى التي يشير فيها السيد نصرالله إلى صعوبات الوضع الاقتصادي التي يواجهها البلد. هذه اشارة طيبة. اكثر من طيبة. لكنها تخفي في ما تخفي قلقاً مستجداً بعد اطمئنان. كما لو ان السيد نصرالله انتبه اليوم، بعد الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم شرقاً وغرباً، ان البلد لم يعد قادراً على اعمار ما ستخلفه الحرب القادمة من دمار. مما يوحي ان الحروب السابقة كانت تُستسهل لأن الخائضين فيها يعرفون ان العالم سيعيد اعمار ما تدمره الحرب. مع ذلك، لم تتوقف الحملات السياسية على هؤلاء بوصفهم قاعدين، غير مجاهدين، ومنحازين للعدو اكثر من انحيازهم للصديق. هل في وسعنا ان نفترض ان خلف كلام السيد اعترافاً بأهمية هذا الضرب من المقاومة الذي جعل البلد طوال عقدين ونصف العقد قادراً على النهوض من عثراته الكبرى بفعل صداقات سياسية تربط فريق لبناني بالعالم اجمع، ناقص دول الممانعة حصراً وتحديداً؟ هل هذا اعتراف متأخر بان ما حيّد بيروت في حرب تموز وبعض المناطق الأخرى ليس ارتباط القادة والزعماء بمشاريع مشبوهة، بل هذه العلاقات الدولية تحديداً بوصفها اكثر سبل المقاومة نجاعة؟ الأرجح ان لا. لم يقلع اصحاب الحق بالغضب عن استعمال حقهم بعد. وهم لا يزالون يحمّلون القتيل مسؤولية استفزاز قاتله. والحال، ليس ثمة سبب يدعو الطرف الآخر للمشاركة في الحكم إذا حاز فريق 8 آذار اغلبية برلمانية. فلتحكم معارضة اليوم إذا فازت في الانتخابات وحدها. ولتتحمل مسؤوليتها امام جمهورها الغاضب اولاً وامام اللبنانيين عموماً.
سؤال أخير: إذا حكم فريق 8 آذار بعد الانتخابات، هل سيقلع الجمهور الغاضب عن مطالبة الحكومة بالإسراع في دفع التعويضات، فلا يعتصم غاضباً ومعطلاً امام السراي الحكومي؟
المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .