الأحد، 8 فبراير 2009

بلال خبيز: الكتلة الوسطية بين غبطة البطريريك وسماحة الجنرال

من حق الجنرال ميشال عون ان يتخوف من اي كتلة وسطية مسيحية. مفهوم. فالجنرال كان ولا زال يغالب حلماً في ان يتحول زعيماً اوحد، بطريركاً، لكل المسيحيين، واغلب الظن ان اعتراضه على البعض ممن يخاصمهم في المجال المسيحي هو من باب صعوبة ان يتفهم قرار هؤلاء التحرك والعمل خارج الحدود التي تصلها اشعة شمسه البرتقالية.
من حق بعض المسيحيين في 14 آذار التخوف ايضاً من كتلة وسطية فكل الذين صوتوا في الانتخابات الماضية لعون نكاية ببعض فريق 14 آذار، يجدون نفسهم، من دون نشوء كتلة وسطية، امام خيارين احلاهما مر: اما التصويت لفريق 14 آذار واما الاستقالة من العمل السياسي ومن حقهم بالانتخاب.
امران لا يخرجان عن سياق التحليلات الدارجة والرائجة في لبنان. لكن الأكمة تخفي وراءها ما وراءها. وهذا المخفي لا ينطبق بالضرورة على مسار التحليلات وحدود حملات التشهير المتبادلة. واقع الأمر ان المواقف الأخيرة للجنرال وفريقه السياسي اظهرت مرة اخرى مدى عمق العلاقة التي تربطه بحزب الله وموالي سوريا في لبنان. ذلك ان النقطة المشتركة بين موالي سوريا وحزب الله في لبنان هي الرغبة الحاسمة بحتكار التمثيل السياسي لمن يدعون تمثيلهم، ولا تتصل بغرام هذه القوى بالممانعة ورغبتها العارمة في قتال اسرائيل وهزيمة المشروع الأميركي. بل ان بعض الذين تعوزهم الحجة في سياق ما يجري ويلجأون إلى استحضار كتابات الزميل الراحل جوزف سماحة بوصفها تصلح لوصف واقع الحال اليوم، يتناسون ان الرجل ساجل طويلاً ضد من كانوا يدعون إلى عدم تصديق الوعود الاميركية بتنفيذ القرار 425 اثر اقرار اتفاق الطائف. ومن محاسن الصدف يومها ان الإدارة السورية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت ترى مثل هذا الرأي وتشن حرباً لا هوادة فيها على من تعتبرهم عقبة في وجه اوهام الحلول السلمية التي راجت بعد مؤتمر مدريد للسلام. انما لا يحسن بالمرء ان يسقط كلام راحلين على استحقاقات جديدة. لكن الإشارة هذه تتصل اتصالاً مباشراً بواقع ان قوى الممانعة لا ترى في الممانعة قدراً ولا تتخذ من العداوة لإسرائيل مبدأً. هل يجدر بنا ان نضيف بعض الأمثلة التي تعود إلى العام 1982 وما بعده وما قبله؟ ربما يجدر بنا ان لا ننكأ جروح كثيرة. اقله اليوم.
غاية القول ان القوى الموالية لسوريا وحزب الله يجتمعان حقاً وفي العمق على السعي لاحتكار الموقف والرأي والعمل السياسي. فالحديث عن مقاومة اسرائيل مبتسر ومبتور على نحو يتيح لحزب الله ان يدعي ان للمقاومة طريق واحدة هي التي يجيدها. وان ما عدا ذلك خيانة وعمالة وارتباط بمشاريع مشبوهة. هذا ايضاً ينسحب على حركة "حماس" التي ترضع من الثدي نفسه الذي يرضع منه حزب الله. إذ لا يكف مفوهو الحركة عن اتهام "فتح" وقادتها بالعمالة والخيانة والتآمر على المقاومة. واغلب الظن ان بعض الحمساويين او المتحمسين لهذه الحركة ضعيفو الذاكرة، لكن بعضهم يعرف بلا ريب ان حركة "فتح" شكلت العمود الفقري لحركة المقاومة الفلسطينية طوال عقود. انما، وعلى نحو حاسم، ترى حركة "حماس" ان من يخالفها القول او الرأي مشبوه وعميل. فليس ثمة درجات في الاتهام وليس ثمة درجات في العمالة بالنسبة لها، من كان معها هو مقاوم وشريف وممانع، ومن عرّضها لأسئلة الربح والخسارة او النقد هو عميل وخائن.
حزب الله ايضاً لا يطيق من يعترض على منهجه. المعترضون بالنسبة له عملاء. كان يصفهم بالعملاء سراً وفي الجلسات الخاصة، واليوم يجهر بالتهمة ويعلنها على السنة كتبته ومفوهيه. المقاومات من هذا القبيل لا ترضى شركاء. لقد مضت سنوات طويلة على حادثة انشاء سرايا المقاومة المختلطة الانتماءات. لكن السرايا ما زالت ظاهرة لفظية تُستحضر متى يريد صاحبها استحضارها وتختفي متى يريد صاحبها اختفاءها، مثلها في ذلك مثل جبهة احمد جبريل تماماً، تطلق الصواريخ من جنوب لبنان حين يطلب منها ذلك، لكنها في جاري الايام تقبع خاملة في معسكراتها وانفاقها بانتظار تكليفها مرة جديدة بالقاء قتبلة صوتية على العدو يوقعها مجهول.
هذا كله يقع في المنهج والمسلك، ولا يقع في الحسابات السياسية الجارية. ولأنه يقع في المنهج والمسلك، يمكن على ضوئه تفسير الحمى العونية في الاعتراض على الكتلة الوسطية. ففحوى الاعتراض العوني يتصل يثقافة بعثية – اصولية، تفيد ان كل من ليس معنا هو ضدنا، وكل من لا يدور في فلكنا يدور حكماًً في الفلك الآخر. إذاً لا يحق للمسيحيين ان ينشئوا تكتلاً جديداً تحت اسماء وسطية ووطنية رنانة، وهم في حقيقة الأمر من اتباع 14 آذار. اما الدليل القاطع على تبعيتهم لفريق 14 آذار فيتمثل برفضهم التمتع بشمس عون الساطعة. ثقافة بعثية: من قال ان الجنرال عون من قراء ميشيل عفلق؟ ربما لم يقرأه بعد. لكن الثقافة البعثية ليست نتاجاً محلياً. لها نظائرها في العالم اجمع. وحيثما سادت وحلت، في التاريخين الحديث والقديم، جلبت الكوارث وعادت على بلادها بالويلات. المسألة ليست في رغبة الممانعين في قتال اسرائيل وقعود غيرهم عن قتالها. المسألة تتعلق في اجتماع هؤلاء تحت عنوان الممانعة بغية التحكم المطلق بمن يحتكرون النطق باسمهم.
من محاسن الصدف، وربما من سخريات القدر، ان بطريرك انطاكية وسائر المشرق للطائفة المارونية لا يتصرف بوصفه بطريركاً يفرض على الرعية ما يراه ويلزمها بما يقوله، فيما الجنرال العلماني يريد ان يصبح بطريركاً, وحيث ان للبطريركية مقران: واحد صيفي وآخر شتوي، فإن الجنرال يطمح على الأقل في تنصيب بطريرك في كل مقر: واحد ليقول قوله وآخر لينزع عنه شرعيته. ذلك ان الجنرال العلماني اصولي مثلما يجدر بمؤمني القرون الوسطى ان يكونوا، فيما بطريرك الموارنة منفتح مثلما يجدر بعلمانيي السياسة ان يكونوا. وبين الرجلين جرت مياه كثيرة. لكن ما قد يكون اكثرها غزارة هو بالضبط اصرار البطريرك على لبنانيته التي تعني التعدد ورفض التفرد والاحتكار، ورغبة عون في ان يكون بعثياً لا يروم من اعراض هذه الفانية غير السلطة المطلقة، وقسمة الناس بين اخيار يتبعون مشيئته واشرار ينصرفون عنه. اما ما يقع بين الجهتين فسواد اين منه سواد البصرة في عهد المماليك.
موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .