الأحد، 8 فبراير 2009

بلال خبيز: ان تكون لبنانياً اليوم


ارسى اتفاق الطائف في العام 1989 ما سمي يومذاك بترويكا الحكم، اي ترويكا ممثلي ثلاث طوائف كبرى في البلد: السنة والشيعة والموارنة، لكن ترويكا الحكم كانت برؤوس ثلاثة ولها رابع، تمثل بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وواقع ان وليد بك بتحدر من نسبين سياسيين فاعلين على الأقل في التاريخ اللبناني الحديث، لا يمنحه استطراداً هذه الميزة دون غيره من زعامات ومقدمي الطوائف الأخرى. بل وكان وليد بك طوال الفترة التي تلت اغتيال الرئيس الحريري قبل 4 سنوات، واحداً من كبار الزعماء اللبنانيين في المعارضة لنظام الوصاية والمرابطة السورية ومستتبعاتها التي ما زالت تأخذ بتلابيب البلد حتى اليوم. وظهر في بعض اللحظات السياسية الحالكة كما لو انه الزعيم الأول للمعارضة او على الأقل واحداً بين قلة متساوين.
سبب هذا الاستعراض السريع لدور وليد جنبلاط، قبل الطائف وبعده، وقبل اغتيال الرئيس الحريري وبعده، كون هذا الزعيم يمثل طائفة قليلة العدد وضئيلة الموارد في لبنان، لكنه مع ذلك يكاد يكون الرقم الصعب في كل معادلة وكل حين. لا شك ان الزعيم الدرزي حاد الذكاء، ويكاد يجمع المحللون والسياسيون على مراقبة بوصلته السياسية لمعرفة اتجاه الرياح الخارجية التي تهب على البلد كل حين. وبصرف النظر عن مواقفه وتحالفاته، إلا انه اثبت من دون شك، انه واحد من ركائز السياسة اللبنانية التي لا يمكن تجاهلها. ولا يُرد تجنب الحديث عن مواقف الرجل وتحالفاته إلى اعتراض عليها، بل مرد التجنب هذا يتصل اتصالاً مباشراً في ما تريد هذه المقالة الذهاب إليه. ذلك ان لحظ الدور الدرزي بزعامة جنبلاط في المعادلة الداخلية اللبنانية بوأ الطائفة موقعاً اساسياً في التركيبة اللبنانية الموروثة والحديثة على حد سواء. فجنبلاط يرأس ايضاً حزباً علمانياً من حيث المبادئ والتطلعات، وكان له باع طويل في التحالف مع احزاب يسارية طبعت في ما مضى من عقود بعض وجوه التحولات السياسية اللبنانية في القرن المنصرم. لكن الزعيم الدرزي في كل هذا لم يخرج عن احكام الطوق الذي يطوق به النظام اللبناني كل رجل سياسة وزعيم، اي طوق النظام الطائفي الذي يحكم اللبنانيين من المهد إلى اللحد. وليس المجال متسعاً في هذا المقال لتكرار الحديث عن مثالب النظام الطائفي ومحاسن العلمانية. ذلك ان المرء في بلد كلبنان لا يكف عن التفتيش عن الاماكن التي يولد فيها العلمانيون ويترعرعون ويكبرون فلا يجد لها اثراً. وليس خافياً ان البلد محكوم ببنية نظامه الطائفية هذه، وهي ولو كانت تشكل قيداً ثقيلاً على تطور البلد الديموقراطي، إلا انها شكلت على الدوام علة وجوده مستقلاً وحالت دون ابتلاعه من قبل محيط امبراطوري النزعات، سواء تعلق الأمر بالنظام السوري او ايران او اسرائيل. وعلى هذا لا بد من طرح السؤال البديهي الذي يعقب هذه الملاحظة المجمع عليها من الجميع. ما الذي يجعل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على هذا القدر من الحضور الوازن في المشهد السياسي اللبناني رغم انه يتزعم طائفة قليلة العدد وضئيلة الموارد، وتكاد بين طوائف البلد كافة الوحيدة التي لا تحمل مشروعاً عاماً يطاول فئات اللبنانيين كافة، على غرار المشروع الشيعي الداعي إلى المقاومة من دون شروط، او على غرار المشروع السني الذي يدعو إلى وصل البلد بالمعاصرة من دون اشتراطات؟
واقع الأمر ان وليد جنبلاط يتحرك ضمن حقل اشعاعات بالغ الدقة والتعقيد. لكنه دائماً ينتبه إلى موطئ قدمه، فلا يخرج عن لبنانيته قيد انملة، وعلى اساس هذه اللبنانية، يقيم تحالفاته ويغير في اتجاهاته. وحيث ان اللبنانية هي هوية ثانوية، اي انها لا تملك مشروعاً لإدارة العالم العربي ولا تطمع في اراضي حوران ولا في اراضي الجليل، لا تكف المدرسة الدرزية السياسية عن ملاحظة هذا الأمر والتعامل معه بوصفه معطى حاسماً. وغالباً ما تُقرأ مواقف الزعامة الدرزية على ضوء اتصالها بدور البلد عموماً، فحين تكون المقاومة لتحرير الأرض اللبنانية تكون مدعومة من هذه الزعامة بصرف النظر عن الخلاف الحاسم مع هويتها العقائدية. وحين تكون الرياح الدولية والعربية في غير مصلحة هذا الخط او ذاك سرعان ما تتبنى الزعامة الدرزية خط حماية لبنان من عصف العواصف وجنون الرياح. وملخص القول ان الزعامة الدرزية في لبنان تدرك جيداًً ان لبنان المعاند والممانع غير قادر على الصمود، وسرعان ما يتحول إلى لقمة سائغة في افواه الغيلان الكبرى التي تحيط بالبلد من كل جانب. واكثر من ذلك، لا يملك الزعيم الدرزي مشروعاً عاماً للبنان، لكنه يميز بين المشاريع ويدرك اي مشروع له مستقبل وايها ينتمي كلياً إلى ماضي العالم وما فات من عقود.
والحق ان امتلاك طائفة او فئة لبنانية ما لمشروع يتجاوز حدودها، ليس امراً يتعلق بمقدرات الطائفة وحدها، بل غالباً ما يتم ذلك استناداً إلى تحالفات مع الخارج، ليس ثمة في لبنان من هو بمنأى عنها. والناظر إلى البلد اليوم يدرك جيداً ان ثمة مشروعان كبيران يتحاروان ويتصارعان، وقد تكون الانتخابات المقبلة محطة اساسية من محطات تقرير مصير لبنان على مدى سنوات عديدة مقبلة. مشروع المقاومة والممانعة التي يقودها حزب الله، ومشروع الاتصال بالعصر والعالم الذي يقوده تيار المستقبل. وهذا واحد من الأسباب التي تجعل التيارين حاضرين في كل ما يتصل بمستقبل لبنان وحاضره. وبصرف النظر عن طبيعة كل مشروع واحتمالاته، إلا ان سطوة المشروعين لم تمنع الزعيم الدرزي من البروز بوصفه واحداً من بدائه السياسة اللبنانية، رغم انه يتزعم طائفة صغيرة إذا ما قورنت بالطوائف الكبرى في هذا المجال.
وحده ميشال عون بين زعماء الطوائف اللبنانية من لم يحسن اللعبة هذه. ففي وقت تعز فيه التحالفات الخارجية، لا يبدو ان خيار الاستتباع لسوريا مفيداً للطائفة بصرف النظر عن مدى افادته للبلد. والحق ان الجنرال ميشال عون الذي يبحث من دون هوادة عن دور ما لموارنة لبنان يعادل على الأقل وزنهم في المعادلة الداخلية يبحث دائماً في المكان الخطأ. ذلك انه حين تعز التحالفات الخارجية لا تكون اقامتها كيفما اتفق سبباً في نهوض الطائفة بأعباء مسؤولياتها الوطنية. فالغائب عن الدور العوني في هذا المعادلة هو لبنانيته بالضبط. ذلك ان اللبنانية ليست تشاوفاً وعصبية وصراخاً وتحدياً، بل هي على العكس من هذا كله، دور مميز في جمع اللبنانيين وليس تفرقتهم. لكن الجنرال الطامح إلى احتكار تمثيل طائفته السياسي بات طرفاً في صراع داخلي اكثر منه طرف مقرر وقادر ان يجمع اللبنانيين على بدائه مشتركة. واغلب الظن ان توتر التيار العوني من الكتلة الوسطية يعود إلى هذا السبب، فقادة التيار يدركون بالغريزة السياسية ان مثل هذه الكتلة التي عبرت عن نفسها سياسياً من خلال رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي يتحفظ على كل ما يشق الصف العربي، وعلى كل ما يشق الوحدة الوطنية اللبنانية او يهددها، قد تكون بداية البدايات لاستعادة دور ماورني في البلد ينظر إلى لبنان اولاً ويستمد قوته من لبنانيته الحاسمة، ولا يسلك متوسلاً تحالفات خارجية كيفا اتفق. فمن جبل لبنان وشماله وجنوبه وعاصمته وبقاعه يبدأ الدور ولم يحصل انه بدأ ابداًً من عواصم خارجية مثلما يحسب الجنرال.
موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .