الاثنين، 16 فبراير 2009

حسن البطل: الامبريالية الصينية؟


ما الفرق بين "الرز" و"الزر"؟ سيقول طفلكم إن نقطة تزحزحت. أنا سأقول لكم: هذه هي الصين. ما الفرق بين سيارتي الـ Desotto و"لكزس"؟ البعض قد يسأل ما هذه الـ "ديزطّو" أولاً، أو قد يظن سؤالي عن الفارق بين سيارتي "لكزس" والـ "كاديلاك". أنا سأقول لكم: هذه هي اليابان. الزميل توماس فريدمان، الخبير في الشرقين، الأدنى والأقصى، ما انفكّ يقول لأوروبا وأميركا إنّ القرن الـ 21 هو "قرن آسيا".كلّكم تعرفون أن آسيا هي أكبر القارّات مساحة وأكثرها سكاناً. سأنسى قليلاً أنني جغرافي، يأخذ علماً أن الذروة الجبلية الأعلى موجودة في سلسلة جبال هملايا، وسأغرف قليلاً من الجيولوجيا وأخلطه بقليل من الديموغرافيا، وهذا وذاك معاً بالحضارة.. والجميع بالاقتصاد.
في المحصّلة؟ تبدو الصين واليابان والهند كأنها ثقالات آسيا، وسقالات بناء القرن الآسيوي الـ 21. معلوماتي عن الفوارق بين الرز والزر، وسيارتي "الديزطو" و"لكزس" لا علاقة لها بمقالات السيد فريدمان، بل ببعض خلاصة العمر والتجربة، فقبل نصف قرن، كانت صناعة السيارات اليابانية تحبو مع هذه الـ "ديزطو" المضحكة ذات العجلات الثلاث (نصف سيارة ونصف موتوسيكل)، وكان سعرها مغرياً لتاجر المفرق السوري وللفلاح أيضاً. صوتها المزعج جعل العامة يسمونها "طرطيرة"، وسوء كفاءتها الميكانيكية جعلها "سكراب" من الحديد الخردة.. الذي كانت السفن اليابانية تستعيده لانتاج "السوبارو" لاحقاً.. ثم "لكزس".ذات مرّة، كنتُ أتصفّح مجلة الدعاية الصينية "الصين المصورة"، فاكتشفتُ أنّ مهارة التدقيق الصينية اكتشفت غلطة بسيطة: "الزر" مكان "الرز" وصوّبتها بلصقة للكلمة الصواب. كان هذا أواخر ستينيات القرن المنصرم. غَرقتُ في تفكير عميق عن مستقبل أمّة تسخّر أيديها العاملة للصق الكلمة الصحيحة. الآن، إذا تساقطت أزرار قميصك الجديد بسرعة، فاعرف أن صناعة الملبوسات الصينية التي غَزَت العالم، كما غزَتْه سيارات اليابان، لا وقت لديها لفحص معادلة الجودة والكمية. الصين الجديدة مجنونة بالتصدير، حتى لو خلط حليب الأطفال بـ "الميلاميد" السام، ومن ثم قررت إعدام مدير الشركة. قبل نصف قرن، عاد أخي من زيارة للصين، وقد سمع مراراً توجيهاً من الحزب لصغار الفلاحين، الذين يحبّون ماو. لماذا يحبّونه؟ لأنّ جدهم لم يكن يملك بسكليت، وهم لديهم دراجة هوائية، وسيملك أحفادهم سيارة. بالفعل، ففي هذا العام تفوقت مبيعات السيارات في أسواق الصين على مبيعاتها في السوق الأميركية العملاقة.. أما احتياطيات الصين من الدولارات الأميركية فأدركت رقماً فلكياً، في مقابل عجز مدفوعات أميركي فلكي هو الآخر. واضح أنّ الغول (التنّين) الصيني يغذّ السير نحو الجبروت الاقتصادي، ولكنه يبقى قزماً سياسياً، شأنه شأن اليابان (في آخر الأخبار أن طوكيو أقرضت البنك الدولي 100 مليار دولار).. لكن، كيف حصل أن العالم يتأمّل خيراً من الرئيس الـ 44 للبيت الأبيض.. والصين تذكر بالخير الرئيس الـ 43، أسوأ رؤساء أميركا؟ إنه الاقتصاد يا غبي.. أو أن الامبريالية الصينية لم تفرغ من نهش الامبريالية الأميركية. ما علينا من صراع ألعاب الأطفال والأنسجة والملابس.. وحتى البرمجيات المتقدمة (80 ألف طالب صيني يرضعون من ثدي البرمجيات في الجامعات الأميركية).. لكن، أن تدمّر الصين حتى الصناعات التقليدية لدول العالم الثالث.. فهذه من علامات امبريالية نَهِمَة وجشعة. حتى الكوفيات الفلسطينية، والمطرزات التقليدية الفلسطينية، فإلى الحفّايات الجلدية المغربية، والثياب التقليدية الافريقية.. جميعها تتقوّض أمام "الصينيون قادمون".أمس، أمسكت بورقة وقلم وسجلت من نشرة أخبار BBC العربية هذه الأرقام بمناسبة زيارة الرئيس الصيني إلى تنزانيا (ضمن جولة تسويق عالمية): الاستثمارات الصينية في هذه الدولة 160 مليون دولار. التجارة المشتركة 800 مليون دولار. صادرات الصين إلى تنزانيا 600 مليون دولار. المعنى؟ الصادرات تفوق الاستثمارات أربع مرّات في الأقل، الميزان التجاري مختلّ لصالح الصين.. التي لا تستورد من تنزانيا سوى ما يلزمها. نفط ومعادن.لا بأس أن تحتلّ الصين الأسواق الرأسمالية الكبرى.. لكن لتترك شيئاً من الرحمة بأسواق الصناعات التقليدية للعالم الثالث.. يا أيها الرفاق القدامى والامبرياليون الجدد؟!
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .