الثلاثاء، 10 فبراير 2009

حسن خضر: بيشاور جديدة في غزة


الفكرة الـمركزية التي تحاول هذه المقالة انارتها هي نجاح الإسلام السياسي للـمرّة الأولى منذ ما يسمى الصحوة في أواسط السبعينيات، في الاستيلاء على الـمسألة الفلسطينية، أو الاقتراب من هذا الهدف بشكل غير مسبوق.بعد العام 1948 احتكرت الحركات والاتجاهات القومية (أنظمة ومعارضة) الـمسألة الفلسطينية. مختلف تجليات الحراك السياسي والأيديولوجي والانقلابات التي شهدها العالـم العربي في العقدين التاليين للنكبة وقعت على خلفية هذا الاحتكار، بينما جماعات الإخوان الـمسلـمين نأت بنفسها، أو ظلت على الهامش، حتى في أواخر الستينيات، عندما أصبح الكفاح الـمسلح محط إجماع في العالـم العربي من أقصاه إلى أدناه.في عقد السبعينيات انشغل الإسلام السياسي بقضايا غير الـمسألة الفلسطينية، عندما انفتحت جبهة الجهاد الأفغاني، التي التحق بها إسلاميون فلسطينيون، من بين آخرين، كدليل إما على عجزهم عن تحقيق اختراق في الساحة الفلسطينية، أو دفع شبهة القعود عن أنفسهم بالانخراط في ساحات جهادية وإن تكن بعيدة عن فلسطين. وعلى امتداد عقدي الثمانينيات والتسعينيات انخرطت جماعات جهادية مختلفة، كانت في أغلب الأحوال نتاجاً للوهابية السعودية وأيديولوجيا الإخوان الـمسلـمين، في حملة إرهابية تستهدف الإطاحة بالأنظمة القائمة في مصر والجزائر وسورية والعراق وليبيا واليمن. وقد استغرق القضاء على تلك الـموجة بأثمان باهظة أغلب العقدين الـمذكورين، وفي حالات بعينها (سورية، مثلاً) ارتكب النظام مجزرة حقيقية للقضاء على الإخوان الـمسلـمين، فقصفهم في حماة بالـمدفعية والطائرات.الـمهم أن حملة الإسلام السياسي التي استغرقت ثلاثة عقود من الزمن، وشملت مساحات واسعة في العالـمين العربي والإسلامي، أخفقت في جميع الجبهات. الأنظمة العربية لـم تسقط، والطلائع الجهادية فشلت في إنشاء قواعد شعبية مساندة، والحملة الجهادية في أفغانستان انتهت إلى حرب أهلية مكشوفة يقودها إسلاميون، وتفتقت في نهاية الأمر عن نظام هزيل للطالبان، كما فشلت محاولات الاختراق في الشيشان والبوسنة، وفي كشمير ظل الأمر في يد الـمخابرات الباكستانية.لذا، ومع نهاية التسعينيات، بدا وكأن الكلام عن صراع الحضارات مجرد تكهنات متسرعة، بشأن واقع سريع التغيّر. ومع ذلك، تغيّرت أشياء كثيرة بفعل هجمات الحادي عشر من أيلول، ووجود إدارة أميركية تتسم بالعدوانية والغباء. وقد نشأت في هذا السياق ظاهرتان على طرفي نقيض. الأولى ــ تحوّل الولايات الـمتحدة إلى خصم للإسلام السياسي، بعد عقود طويلة من التعاون، والـمنافع الـمتبادلة، وفي ركابها اتجهت دول (كالسعودية ومشيخات الخليج) كانت حتى وقت قريب من ممولي الإسلام السياسي ورعاته، إلى التعامل بحذر، وأريحية أقل، وأحياناً بخشونة، مع الجماعات الجهادية الـمتشددة. الثانية ــ عودة الإسلام السياسي الـمعولـم، للـمرّة الأولى منذ تغريبته في أفغانستان، وجنوب آسيا، إلى العالـم العربي، عبر البوابة العراقية.ومع ذلك، أخفق الإسلام السياسي في العراق، فقد تسبب في إشعال حرب أهلية على أسس طائفية، وفشل في إنشاء موطئ قدم يتسم بالثبات، وفي إنشاء جبهة لـمقاومة الاحتلال على أسس وطنية. ولـم يكن في مشهد قتل الزرقاوي لضحاياه أمام العدسات، ما يثير الإعجاب أو التأييد لدى الجمهور في العالـمين العربي والإسلامي. ولكن إذا شئنا التأريخ لعودة الإسلام السياسي إلى الـمنطقة العربية، واكتشافه لـما في الجمع بين الدعوة الأصلية لإسقاط الأنظمة القائمة لأنها جاهلية، والكفاح ضد عدو خارجي من فوائد لا تحصى، فإن تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق يمثل نقطة البداية.وبقدر ما يتعلّق الأمر بالعراق فإن للفشل في إنشاء قواعد ثابتة لجماعات الإسلام السياسي الجهادية، تداعيات وتجليات أصبح ظهورها في الـمشهد الفلسطيني، وفي غزة بشكل خاص، مسألة وقت. تحتاج فكرة كهذه إلى مزيد من التوضيح، بطبيعة الحال. بالقياس إلى تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، مثلاً، فقد تحوّل الجنوب في وقت ما، وكذلك بيروت، إلى مركز جذب للراديكاليين من العالـم العربي وخارجه، ولـم يكن هذا رغم إرادة أطراف محلية أو دولية في جميع الأحوال. وكذلك الأمر في الجهاد الأفغاني، عندما تحوّلت بيشاور الباكستانية إلى مركز جذب للجهاديين، وقد حدث ذلك بالتنسيق بين أجهزة الأمن في عشرات من البلدان، من بينها الولايات الـمتحدة. كما حدث أمر مشابه في السودان، في زمن تحالف الترابي والبشير، وبالاتفاق مع أجهزة في بلدان مختلفة.الفكرة هي جذب العناصر الراديكالية وتجميعها في أماكن محددة، لتقليص ما تشكله من مخاطر في أماكن أخرى. من غير الـمنطقي، بالتأكيد، أن يفكر الإسرائيليون في جلب الجهاديين إلى غزة، ليشنوا هجمات عليهم، لكن السيطرة على البر والبحر بطريقة مضمونة، ومن خلال اتفاقات دولية، كما حدث مع الولايات الـمتحدة، ومشاركة دول (الناتو)، وقبول نظام حماس في غزة لقواعد متفق عليها، وخطوط حمر، كلها أشياء تسهم في تحويل غزة إلى منطقة جذب للإسلاميين، ليس لتمكينهم من شن هجمات جديدة، بل لتفريغهم من أماكن أخرى، ضاقت بهم، وحصرهم في مكان جديد.مرّة أخرى، يبدو وكأن الـمشهد مستمد من قصص الخيال العلـمي. ومع ذلك حماس تستميت للحصول على معبر مفتوح، ونظام يحظى بالاعتراف، وإسرائيل مستعدة للقيام بما لا يخطر على البال للقضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية، والولايات الـمتحدة معنية بتأمين العراق، والأنظمة العربية معنية بما يضمن استقرارها، حتى وإن دفعت الثمن من جيوب الفلسطينيين، وجماعات الإسلام السياسي تحتاج إلى قاعدة يحتمي فيها الـمطاردون والـمطلوبون، ومع هذا وذاك تحتاج إلى عاصمة تخصها، وإلى نظام ينطق باسمها.لذا، إسرائيل تصرف النظر عن سفن التضامن، لكنها تجنّد الأسطول الأميركي وبحرية (الناتو) للسيطرة على الخارجين والقادمين، وطلائع الإسلاميين تتسلل إلى غزة عن طريق الأنفاق، كما فعل أحد النوّاب الكويتيين، مؤخراً. الـمهم، الآن، أن مفاوضات التهدئة، وما بعدها، تعني أشياء كثيرة من بينها تحويل غزة إلى بيشاور جديدة، مطوّقة من البر والبحر، ومنـزوعة الأنياب.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .