الاثنين، 16 فبراير 2009

طلال عوكل: لماذا لم تتم التهدئة



بعيداً عن الرغبات، وما يدور في كواليس اللقاءات أو علنها التي تجري في القاهرة منذ بعض الوقت، بشأن امكانية التوصل لتهدئة على جبهة قطاع غزة مع اسرائيل، فإن موقف حكومة اولمرت من هذا الملف، كان يشير الى صعوبة تحقيق ذلك.فرغم أن القاهرة نجحت في التوصل مع حركة حماس الى صيغة اتفاق كان يفترض اعلانه يوم امس، وهي لم تكن لتفعل ذلك الا وفق معرفتها بحدود ما تقبل به اسرائيل او ترفضه، إلا أن جواب اولمرت جاء مخيباً للآمال وسلبياً.فلقد عاد اولمرت ليربط عن قصد بين شرط فتح المعابر، بالافراج عن الجندي الاسرائيلي الاسير لدى الفلسطينيين جلعاد شاليت، فضلاً عن مطالبته بألا ترتبط التهدئة بزمن محدد، بعد ان كانت اسرائيل هي من اقترحت ان تكون لثمانية عشر شهراً.الموقف الاسرائيلي المعطل للتهدئة، يعني أن الابواب لا تزال مفتوحة على تصعيد عدواني متواصل، يستجيب لسياسة اليمين الذي يحضر نفسه لتشكيل الحكومة القادمة، هذا اليمين الذي لا يخفي عنصريته وتطرفه في كيفية التعامل مع الوضع الفلسطيني بكليته.وفي الحقيقة فإن صناع السياسة عرباً وفلسطينيين كان عليهم أن يدركوا أبعاد وأسباب الموافقة الاسرائيلية السابقة على التهدئة ثم الرفض اللاحق عبر شروط قديمة ظن البعض ان حكومة اولمرت قد تجاوزتها.اولاً: يبين هذا الموقف ان اسرائيل غير جادة في التوصل الى تهدئة وأن احزاب الائتلاف الحكومي القائم كانوا مستعدين للتعامل مع هذا الملف انطلاقاً من حاجتهم اليه خلال مرحلة الدعاية الانتخابية ولتحسين فرص احزابهم.ربما لهذا السبب الحت القاهرة على انجاز هذا الملف وإعلان الاتفاق حتى الخامس من هذا الشهر، ولكن ما ان انقضى الوقت وانتهت الانتخابات وظهرت نتائجها حتى أصبح هذا الملف غير قابل للاستخدام.ثانياً: قبل الانتخابات كانت حكومة اولمرت تتصرف من موقع المسؤولية عن السياسة الاسرائيلية، وكان عليها ان تستجيب للدعوات الدولية والاقليمية التي تطالب بانجاز ملف التهدئة، وتدعم الجهود المصرية في هذا الاتجاه.أما بعد الانتخابات فقد اصبحت حكومة اولمرت فاقدة للصلاحية، وبهذه الحجة تستطيع التهرب من الدعوات والرغبات الدولية والاقليمية، دون ان تخضع لانتقادات، او ان الانتقادات تصبح غير ذات جدوى طالما ان الامر يتعلق بحكومة تصريف اعمال انتقالية لا حول لها ولا قوة.والحقيقة ان الحكومات الاسرائيلية نجحت مراراً في التهرب من عديد من الاستحقاقات، مرة بذريعة الانتخابات، وأخرى بذريعة ان المعارضة قوية، ومرات بذريعة الصواريخ الفلسطينية وهكذا...ثالثاً: بعد أن نجحت اسرائيل لسنوات في فرض الحصار على قطاع غزة، وحصلت على تفهم دولي لذلك الحصار تحت ذرائع تتصل بسيطرة حركة حماس على القطاع وبالصواريخ الفلسطينية، وبعد ان قطعت شوطاً لا بأس به في تعميق واستثمار الانقسام الفلسطيني لا ينبغي لاحد ان يتوقع من اصحاب هذه السياسة من الاسرائيليين ان يقف متفرجاً او ان يسهل للفلسطينيين استعادة وحدتهم، وإعادة تشكيل نظامهم السياسي على اسس جديدة.ان فتح المعابر بين قطاع غزة واسرائيل يعني عودة وسائل الاتصال الفعالة بين الضفة وغزة، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولذلك فإن اسرائيل ما كانت لتفتح وهي ليست بصدد فتح هذه المعابر وهي ستظل تدفع الامور باتجاه الانفصال واعتماد القطاع على مصر كلياً.رابعاً: وارتباطاً بالدوافع السابقة، فإن اسرائيل تعرف مدى حاجة قطاع غزة لفتح المعابر، بهدف ادخال المواد الاولية اللازمة لاعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي، وهي في هذه الحالة، ايضاً لن تسمح بتسهيل فتح وانجاز هذا الملف.خامساً وأخيراً: لماذا علينا ان نعتقد بأن اولمرت الذي لا فرصة لديه للاستفادة من ملف التهدئة، سيسهل الامور امام حكومة اليمين القادمة؟ ربما حاول اولمرت ان يحسن من صورته نسبياً بسبب ضعفه وملفه العامر بقضايا الفساد، لكنه اليوم وفيما هو يواجه التحقيق للمرة الرابعة عشرة، لم يعد قادراً على تغيير صورته وملفه الاسود.هكذا فإنني لا اعتقد بأي حال ان توافق الحكومة الاسرائيلية الحالية على ابرام صفقة التهدئة حتى لو ان الفلسطينيين تساهلوا الى ابعد الحدود مع الشروط الاسرائيلية، بما في ذلك حتى لو انهم وافقوا على ربط الملف بملف شاليت وهو امر مستبعد.وهكذا ايضاً علينا الا نركض وراء سراب، خصوصاً وأن تجربة التهدئة السابقة والتي استمرت ستة اشهر لا تزال ماثلة للعيان، حيث لم تلتزم اسرائيل بتنفيذ ما تعهدت به من فتح المعابر، ثم قامت بخرق التهدئة عبر اعتداءات متصلة الى ان مهدت الطريق لعدوانها الاجرامي على قطاع غزة والذي كان سيقع في كل الاحوال وبصرف النظر عن الذرائع.أما وأن الامر كذلك، فإن علينا الا نستكين لخبث السياسة الاسرائيلية ما يعني ان نمضي في الاتجاهات التالية:اولاً: فضح هذه السياسة على المستوى الدولي لتعميق فهم المجتمع الدولي للطبيعة العدوانية التي تتسم بها السياسة الاسرائيلية.ثانياً: انجاز ملف الحوار الوطني والمصالحة، بأسرع وقت ممكن، وعدم استهلاك المزيد من الوقت في مناكفات، وشروط وشروط مقابلة وطلبات خاصة، فالوحدة الفلسطينية تشكل الاساس لمعالجة الخلاف العربي العميق الذي ظهر في الفترة الاخيرة، خصوصاً قبل القمة العربية القادمة في شهر آذار.ثالثاً: ان التعامل الايجابي مع بقية الملفات، ان كان ملف المعابر والحصار او ملف اعادة الاعمار، يشترط الوحدة الفلسطينية، والتي ايضاً تشكل شرطاً لمجابهة الاستحقاقات الخطرة للسياسة الاسرائيلية في المرحلة القادمة.رابعاً: من المهم ان ندفع ملف جرائم الحرب الاسرائيلية الى ابعد مدى ممكن وان نستثمر السياسة الاسرائيلية المتطرفة وغير المقبولة، لدفع هذا الملف وفق آليات قوية ومناسبة على المستوى الدولي.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .