الخميس، 19 فبراير 2009

عبدالله عواد: لم يعد هناك احتلال!



باستثناء اللحظة الدموية التدميرية في قطاع غزة، فإن الاحتلال اختفى خلف الصورة التي يراد لنا أن نرى انفسنا فيها، فقط صورة الراتب ووكالات الإغاثة الدولية، واعادة إعمار ما دمره الاحتلال، وما يرتبط بذلك من فتح معابر وتهدئة قصة (شاليت) التي يجري النفخ فيها، دون التوقف عند خبرين هامشيين على مدار يومين متتاليين، الاول: يقول باعتقال قوات الاحتلال لأربعة وثلاثين فلسطينياً، والثاني: اعتقال لسبعة وعشرين فلسطينياً. طبعاً في الضفة (الهادئة)، وبفرضية عدم الهدوء لكان عدد المعتقلين تجاوز ذلك بأضعاف مضاعفة.طيلة سني الاحتلال كان خبر الاعتقال يحتل حيزاً اساسياً في الصحافة، وكذلك الاغتيال او الاستشهاد الآن هي أخبار هامشية وفي زوايا معتمة، وفقط نتذكر المعتقلين الذين تجاوزوا عدد الألف بعد العشرة آلاف بمئات والحبل على الجرار، واذا كان الاحتلال داخل السجون والمعتقلات يتعامل مع المعتقلين كأرقام وآخر رقم حملته 20448 فإن المعتقلين وكذلك الشهداء تحولوا الى أرقام، وجسد الإعلام الديمقراطي الفضائي هذا الواقع المأساوي، فهل سيتحول كل شيء في حياتنا الى أرقام مجردة وعابرة؟!أية تهدئة؟!غداً سيتم التوقيع على اتفاق التهدئة. هذا الخبر ظل حاضراً منذ وقف المجزرة وعودة قوات الاحتلال نحو الخلف، ولكن لا تهدئة ولا فتح معابر ولا صفقة تبادل شاليت مع أسرى فلسطينيين، دون حتى التوقف عند حقيقة ان الدولة العبرية تعيش لحظة انتقالية في الحكم وهي لحظة يتم فيها تجميد القرارات حتى المقررة سلفاً، فكيف بقرارات جديدة؟!نحن اكثر (ناس) ربما نمارس الضحك على أنفسنا.. و(قياداتنا) التي تأخذنا يوماً نحو التهدئة كمصلحة فلسطينية ونحو عدم التهدئة ايضا كمصلحة فلسطينية بعد أن دخلت التهدئة سوق البازار السياسي الانقسامي الفلسطيني، دون ان نعرف اننا نضحك مرة ثانية على انفسنا، لأن التهدئة المشتقة من الهدنة تكون بين الجيوش، أما تهدئة بين احتلال وبين شعب محاصر ويعتقل ويُقتل يومياً وتصادر أرضه ويذل ويهان فإنها ووفقاً لأبسط قوانين الحياة مخالفة للمنطق وهي بمثابة اعلان شعب الاستسلام للاحتلال وهذا المستحيل بعينه.من اين وكيف جاء ودخل هذا المصطلح الحياة السياسية الفلسطينية ليتربع على قمتها في هذه اللحظة فإن لا احد يعرف سوى انه البؤس السياسي الفلسطيني الذي لا يعرف ماذا يريد.. يريد مقاومة، ويريد تهدئة، لا يريد مفاوضات، ولا يريد مقاومة، يريد سلطة، ويريد مقاومة، ويخادع نفسه لأن الاحتلال هو سيد الموقف، فأية سلطة هذه ستكون، وأية تهدئة ستكون؟!ألم يحن الوقت لنكف عن الضحك على أنفسنا ولو قليلاً؟!في انتظار المصالحة!!فجأة ودون مقدمات ارتفع حديث الحوار والمصالحة، ولأن الثقة معدومة بعد تجارب طويلة على مدار ثلاثة أعوام، دفع ثمنها الشعب غالياً، ومعه الارض والقضية وكافة مناحي الحياة، فإن هناك شكاً في التعاطي مع هذه المقدمات.ورغم ان الصورة - المقدمة للخلاف - هي بين تيارين، الاول: مقاوم، والثاني: مفاوضات، فإنها الصورة الخادعة، فالمقاومة الاستعراضية فاشلة، والمفاوضات فاشلة، ولا خلاف عند الفئة المثقفة على ان اولاً: هناك حاجة للعودة نحو الوراء في جردة حساب للمفاوضات والمقاومة (بهذا الشكل)، وثانياً: للخروج من هذا المأزق المدمر للقضية، وثالثاً: لإعادة صياغة استراتيجية واحدة، ولكن ليس هذا الخلاف، اي ليس الخلاف على ادارة الصراع، وانما هو خلاف على السلطة، سواء سلطة السلطة او سلطة منظمة التحرير، ولغة المحاصصة التي سادت طوال الفترة بعد الانتخابات التشريعية وحتى استيلاء "حماس" على سلطة القطاع بالقوة، كانت هذه اللغة هي الحاضرة.وعكس الحديث الناري حول تمثيل الشعب بين منظمة التحرير وبين المرجعية الجديدة الذي ظهر على خلفية مجزرة القطاع، حقيقة ان الخلاف هو على السلطة، والمساومات المباشرة او غير المباشرة مع الاحتلال لا تترك اي مجال للشك في ذلك، فهل قرر الطرفان وضع السلطة جانباً والتفاوض على استراتيجية جديدة لإدارة الصراع مع الاحتلال؟!الإجابة واضحة بالنفي.الاحتلال.. ونحنالدولة العبرية ماضية في تنفيذ مشروعها الصهيوني التهويدي للأرض، والديمغرافية بالقتل والتدمير، ومصادرة الارض والاستيطان والتجويع وتتلهى معنا بقصة الجندي شاليت والتهدئة والمفاوضات والتصاريح ونحن غارقون في الخلاف على السلطة، وفي خلافاتنا وننتقل من مأزق الى آخر.ان كل المسلكيات "من فوق لتحت" تبعث بما شاء من الرسائل التي تقول لم يعد هناك احتلال، وفقط هناك مسألة إغاثة المنكوبين في القطاع والتهدئة والإعمار والمصالحة وفوقها تحرير فلسطين من الفلسطينيين وصار (القلق الداخلي) فوق القلق من الاحتلال.. صرنا ضحايا.. لكل ما يقع تحت باب الحسابات السلطوية.. وللراتب الذي اصبح بمثابة (الحبل) في رقابنا.. صرنا ضحايا لأنفسنا وصار الاحتلال بريئاً.صرنا نخاف على انفسنا من انفسنا، وصرنا نخاف على راتبنا اكثر من هدم بيوتنا.. صرنا قلقين على حبنا لبعضنا اكثر من قلقنا على كرهنا لاحتلالنا.ان السلطة ليست مراكز ومؤسسات وأجهزة وإنما ثقافة تغلغلت فينا على حساب ثقافتنا الطبيعية - ثقافة المقاومة - وها نحن ندفع الثمن.. لثقافة سيدناها على انفسنا وأصبحنا رهينة لها ووصلنا مرحلة البحث عن المفقود فينا وهو كل شيء.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .