الأحد، 8 فبراير 2009

عبدالله عواد: حرب الأمر الواقع




مثلما بدأت - الحرب - المجزرة على قطاع غزة، بقرار احتلالي، فان انهاءها لم يختلف، في السياق نفسه بايقافها من طرف واحد.. اولاً، وفي ذلك لا علاقة لحماس بالموضوع سواء أكانت حركة سياسية مقبولة او مرفوضة، لأن المسألة مرتبطة بنهج احتلالي يرفض التعاطي مع الجانب الفلسطيني سياسياً كما دل من قبل خروج قوات ومستوطني الاحتلال من القطاع بقرار أُحادي رغم وجود سلطة وحركة سياسية مقبولة.ان ترتيبات (معبر رفح)، بعد اعادة انتاج الاحتلال ارتبطت بمعادلة اقليمية - دولية- مصرية اوروبية، أكثر منها معادلة ثنائية لم يكن الحضور الفلسطيني سوى حالة اضطرارية بفعل الدور المصري الواضح.. الذي أصر على استحضار الفلسطينيين، وبذلك لم يكن وجودهم سوى تجاوب مع أمر واقع، حاصل دون علاقة لهم به.ان الدولة العبرية في تعاطيها مع الفلسطينيين ارضاً وشعباً تقوم على عدم وجود شيء رسمي سلطوي فلسطيني، وانما تُقرر وتنفذ وتمارس ما تُريد، وعليهم التلقي فقط، سواء قبلوا أم رفضوا.الملف الدموي السياسيلعبة الضفة في التعاطي مع الواقع مهمة جداً، للوصول الى الحقيقة ووضع ما جرى في القطاع في اطاره الصحيح.. بعيداً عن كل الشعارات والاكاذيب والتضليل، فالدولة العبرية قررت وبغطاء عالمي شن جولة جديدة من التدمير والقتل والمجازر والجرائم ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لهدف اولاً واخيراً سياسي، وهو حشر الفلسطينيين في قمقم التجاوب مع اهدافها.. في حل الامر الواقع والمرتبط بالدفع بقطاع غزة نحو "الحضن المصري" واغلاق هذا (الملف) وبذلك فان الرسالة السياسية لهذه الدموية كانت موجهة نحو مصر (اذا رفضتم أخذ القطاع بالحسنى فان القوة كفيلة بدفعكم لأخذه).. وهكذا ظهر مأزق الموقف المصري منذ اللحظة الاولى..ان ذهاب ليفني لواشنطن وتوقيعها مع رايس ما يسمى باتفاق منع تهريب السلاح للقطاع.. ومن ثم دعم الاوروبيين له، هو رسالة سياسية واضحة لمصر الدولة الوحيدة التي ترتبط بحدود مع قطاع غزة.. التي رفضت ان تقوم بدور الشرطي كما دلت السنوات القليلة الماضية، ولكن - المراهقة السياسية الشعاراتية- المرتبطة بحسابات سياسية اقليمية.. حملت معها مخاطر على المقاومة نفسها وعلى القضية الفلسطينية واهداف الشعب الفلسطيني في الدولة.الرسالة السياسيةولم تكن جولة القتل والتدمير الأبشع في التاريخ الحديث، والتهجير والمعاناة سوى دلالة كافية على ان هدف الدولة العبرية لم يكن اسقاط حكم حماس، فهي لا يهمها من يحكم لا في الضفة ولا في القطاع.. وفقط يهمها تنفيذ رؤيتها.. وسياستها.. الواضحة والمحددة منذ عقود ماضية وهي الدفع بالقطاع نحو مصر.. ولا توجد اي اشكالية عند تل ابيب ليس في فتح معبر رفح فقط وانما في فتح كل الحدود بين القطاع ومصر.. شريطة ان يكون القطاع جزءاً من المنظومة الأمنية التي تربط الدولتين مصر.. والدولة العبرية.. وهذا ايضاً ما عكسته الاتفاقية بين رايس وليفني.. وهي موجهة لمصر اولاً واخيراً..ان "الحكمة السياسية" هي الغائب رقم واحد.. وتلقائياً الرؤية السياسية الفلسطينية غير القادرة على التخلص من الفئوية الفصائلية الضيقة نحو رؤية وطنية شمولية.. خاضعة لحسابات دقيقة.. في رؤية المصالح الفلسطينية من أصغرها لأكبرها.. فالحرب التدميرية ضد القطاع تحت لافتة (حكم حماس) كانت استمراراً لحرب الأمر الواقع الصهيونية وهي موجهة نحو مصر سياسياً.. ولا علاقة لها لا بصواريخ ولا بشعارات.. ربما في بعض مراحل المجزرة صبت في خدمة هدف الدولة العبرية.دم المدنيين أم سلامة المقاومينالذي أوقف (الحرب) المجزرة في القطاع.. ليس سلاح المقاومين.. الذي تراجع نحو الخلف.. ولم يشتبك مع قوات الاحتلال بمفهوم الاشتباك.. وواقع الاشتباك في تجربة مخيم جنين، الذي قاتل فيه واحد وخمسون مقاوماً بالضبط قوات الاحتلال.. بشراسة وعنفوان.. منقطع النظير دون قلق.. وبقتالهم حموا "المدنيين" كان القتال وجهاً لوجه.. ومن بيت لبيت.. ومن بين الدمار والركام.. وكل مخيم جنين لا يتجاوز مساحة وسكاناً "ضاحية صغيرة" لا تُذكر من المناطق التي احتلتها قوات الاحتلال في القطاع طبعاً (السكانية) ودون اي تضليل من دور المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال، لكن.. لو حدث نموذج جنين مع اول تقدم لقوات الاحتلال نحو اول مجموعة بيوت.. لتم توفير كثير من دماء الاطفال والنساء.. والابرياء..ان دم واشلاء وجثث الاطفال والنساء.. والجرحى هو الذي أوقف المجزرة في القطاع، لان هذا الدم هو الذي حرك العالم وفي مقدمته الشعب العربي.. وبذلك الخوف من تداعيات هذا التحرك سياسياً كان وراء قرار الدولة العبرية بوقف المجزرة.. ومحاولة جني ثمارها أمنياً عبر واشنطن واتفاق منع التهريب.. اما سياسياً فهناك حاجة للانتظار.انتصار لمن؟!ان الدم، وحده الدم الذي انتصر على آلة الدمار والقتل والعدوان الصهيوني في قطاع غزة، وبعيداً عن ذلك خطوة واحدة.. هناك حاجة ومن جديد لتحرير (الدم الفلسطيني) اولاً ومن ثم القضية من حرب التجاذبات الاقليمية والدولية.. وقبل ذلك الفلسطينية، لان النتيجة السياسية ستكون شطب (العنوان السياسي الفلسطيني) مهما كان هذا العنوان لصالح العودة نحو المربع الاول - مربع وكالة الغوث للاجئين وغيرها من المنظمات الانسانية.. والعودة للتعاطي مع الموضوع الفلسطيني كموضوع انساني كما هي مقدمات.. ما بعد وقف المجزرة.. والخلاف على من يتولى مسألة مساعدة اللاجئين من جديد في القطاع الذين هدمت بيوتهم.. والذين شردوا، والتعاطي مع الأموال التي أغدقت الوعود لتقديمها لقطاع غزة المنكوب..ان القضية الفلسطينية التي عادت وبالدم من جديد لتكون القضية رقم واحد.. في الاهتمام الدولي والعربي.. سياسياً ربما يقزمها الانقسام الفلسطيني ومرة واحدة كما صعدت الى قضية انسانية من مسؤولية منظمات (الاغاثة) سواء المحلية او الاقليمية او الدولية.. واختصار الصمود والمقاومة.. في بعدها السياسي في هذه المنظمات.اختصار القضية.. في الجانب الانسانينحن نعيش اكثر احتلال فرادة في العالم والتاريخ.. فهو ليس له سوى مهمة واحدة دون أدنى مسؤولية.. يهدم.. ويُدمر ويقتل ويجرح.. ويتولى العرب.. ودول في العالم "المسؤولية" عنه في اعادة ما هدم.. وعلاج ما جرح والصرف على الناس الذين يحتلهم.. وفوق ذلك تقدم له المساعدات العسكرية والاقتصادية، يستنزف الاقتصاد الفلسطيني المستنزف أصلاً بالحصار والحواجز واغلاق الطرق.. والعرب وغيرهم يدفعون عنه.. فأي احتلال هذا؟!يحتل الارض ويصادرها ويحتل الناس ويحاصرهم ويعتقلهم، ويقتلهم ويدمرهم.. دون مسؤولية - أي احتلال مدفوع (الثمن) ويتعاطى مع العنوان السياسي الفلسطيني مباشرة او غير مباشرة.. كعنوان انساني فقط.. لا يتجاوزه خطوة واحدة نحو السياسي، وتجربة غزة بعد المجزرة واضحة.. ولا يختلف الحال في الضفة..انها.. وباختصار حرب الأمر الواقع التي تُشن ضد الفلسطينيين والأخطر بنتائجها على الارض وفي السياسة.. من أية حرب عسكرية.. فهل سيظل الفلسطينيون أسرى لخلاف وصراعات قياداتهم.. التي أعمتهم مصالحهم الفئوية الضيقة.. والشخصية عن رؤية الواقع كما هو..؟!.
الايام

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .