الاثنين، 9 فبراير 2009

اهتزاز العلاقة التركية الاسرائيلية


ترك الغضب العارم الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي على غزة أثراً حاداً على نبرة الجمهور والحكومة في تركيا تجاه الدولة اليهودية، فانتقد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إسرائيل بشدة لشنها الهجوم على الفلسطينيين. وهو يقاوم، حتى الآن، مطالبات في تركيا تدعو إلى خفض مستوى العلاقات الوثيقة مع إسرائيل أو حتى قطعها، لكن بعض مساندي هذه الصداقة الاستراتيجية بين الدولتين يبدون مخاوفهم من أن هذه الصداقة قد تكون في خطر.أما خلف الكواليس، فإن صانعي السياسة الأتراك، وخاصة العسكريين، ما يزالون يعتزون بعلاقاتهم مع إسرائيل. وأثناء حديثه في سويسرا في الأسبوع الماضي، بدا السيد أردوغان حريصاً على وضع حد للخلاف، فأوضح أنه خرج عن طوره بسبب الحرب على غزة، خاصة بسبب وساطته التي لم تكن متوانية، والتي جلبت إسرائيل وسورية إلى الاقتراب من التوقيع على اتفاقية حول مرتفعات الجولان. وقال أيضاً إنه كان يحاول التوصل إلى اتفاقية مع "حماس" فيما يخص تبادل الأسرى، بما في ذلك إطلاق سراح العريف الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليت.كانت عدة سجالات مشابهة قد وقعت في السابق. ففي عام 2004، تسبب أردوغان بإزعاج إسرائيل عندما وصفها بأنها دولة إرهابية في أعقاب اغتيالها مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بينما كان يغادر مسجداً في غزة. وبعد ذلك، دعا السيد أردوغان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ"حـماس" الى زيارة تركيا. لكن العلاقات الإسرائيلية التركية تحسنت بعد وساطة أميركية، ومضى التعاون العسكري بين البلدين قدماً. غير أن إسرائيل اختارت بثبات أن تعير آذاناً صماء لخطاب تركيا الشديد اللهجة بين الفينة والأخرى بغية الحفاظ على ذلك الارتباط الاستراتيجي. وفي محاولة لتهدئة خواطر اليهود والإسرائيليين، حث وزير الخارجية التركي علي باباكان حماس على اتخاذ قرار "بشأن ما إذا كانت تريد أن تكون جماعة مسلحة أو حركة سياسية".غير أن السيد أردوغان كان هذه المرة أكثر غضباً بكثير، إذ قال: إن إسرائيل "ترتكب هذه المرة جريمة ضد الإنسانية...، ويجب على العالم أن لا يغض بصره عن وحشية إسرائيل... كيف يسمح لهذا البلد الذي يتجاهل تماماً قرارات مجلس الأمن الدولي ولا ينفذها أن يمر من خلال بوابات الأمم المتحدة؟".كما أن تعميماً لوزارة التعليم التركية أزعج إسرائيل لأنه طلب من طلبة المدارس الأتراك الوقوف دقيقة صمت تضامناً مع الأطفال الفلسطينيين. وعندما فكر الأتراك بإجراء مسابقة مقترحة في المقالة والرسم لطلبة المدارس للإعراب عن مشاعر الكراهية التي يكنونها لإسرائيل، أقنعهم الإسرائيليون بالعدول عن الفكرة. وكان المسؤولون الإسرائيليون يزمعون من ناحيتهم الرد على التحرك التركي عبر اقتراح وضع برنامج في المدارس الإسرائيلية لبحث المذبحة التي ارتكبها الأتراك ضد الأرمن في الحرب العالمية الأولى.على أي حال، كان الشارع التركي قد استعر غضباً على إسرائيل خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة. وهتف المتظاهرون في مسيرات عمت البلاد بعبارات من قبيل: "إسرائيل القاتلة، إسرائيل النازية! أيها الجيش التركي، ازحف إلى القدس!" كما علت بوتيرة أكبر دعوات لمقاطعة السلع الإسرائيلية ولوقف التعاون العسكري الإسرائيلي ــ التركي.لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطل بها النزعة المعادية للسامية برأسها في تركيا، ففي مدينة اسكيسير في غرب تركيا، قام أعضاء مجموعة قومية تركية برفع لافتات كتب عليها: "مسموح للكلاب فقط بالدخول: لا أرمن ولا يهود". لكن غضبة على ذلك من جانب الجالية اليهودية في تركيا، والتي يبلغ عدد أفرادها نحو 000ر52 شخص، سوية مع ضغط من وزارة الخارجية التركية، أجبرت أحد المدعين العامين المحليين على إجراء تحقيق بالإكراه. وأصدرت الجالية اليهودية في تركيا بياناً نادراً يقول: "نحن اليهود الأتراك الذين نمثل جزءاً غير قابل للانفصال عن الجمهورية التركية، نشعر بالأسى العميق للتعليقات التي تظهر في الأيام الأخيرة في بعض المنافذ الإعلامية، والتي تغض من شأن ديننا وتهينه وتصورنا كأهداف!"تحالف قديمينكر الأتراك الاتهامات بأنهم معادون للسامية، مشيرين إلى أن السلاطنة العثمانيين فتحوا أبواب إمبراطوريتهم قبل 500 سنة لليهود الهاربين من الاضطهاد المسيحي في اسبانيا. وفي عام 1948، كانت تركيا من بين أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل. وبموجب صفقة تعاون عسكري في عام 1996، يتدرب الطيارون الإسرائيليون في الأجواء التركية. وفي عام 2007، ارتفع حجم التجارة البينية بين البلدين إلى 7ر2بليون دولار. وبين عامي 2006 و2007، صعد عدد الإسرائيليين الذين زاروا تركيا من 362.000 إلى 400ر115 أي أكثر من 7% من سكان إسرائيل. وقد استحقت تركيا الإطراء من الأميركيين بفضل وساطتها الأخيرة بين سورية وإسرائيل.لكن معاداة السامية تظل غالباً جزءاً من شعور عام بمعاداة المسيحية والغرب في تركيا. وغالباً ما تستخدم كلمة "اليهودي" و"الأرمني" كشتيمة. وفي السنة الماضية، وجدت دراسة حول المواقف الكونية، كان قد أجراها معهد "بيو" PEW أن المشاعر المعادية لليهود في تركيا قد ارتفعت، إذ قال ما نسبته 76% منهم إنهم يحملون وجهات نظر سلبية حيال اليهود، في حين قالت نسبة 7% إنها تنظر لهم بعطف.ظهرت نزعة معاداة السامية شديدة الوضوح خلال حملة شنت ضد الممول الإسرائيلي سامي عوفر، الذي كان قد خطط للاستثمار مع شريك تركي في إعادة تأهيل منطقة "غالاتا" التركية التاريخية في استانبول ومينائها بالقرب من القرن الذهبي. وقد ألغي هذا العطاء وسط ادعاءات واسعة بأن الصفقة قد حورت، وأن "الرأسمال اليهودي" يحاول الاستيلاء على الدولة التركية.دأب الإسلاميون الأتراك الراديكاليون على محاولة إيقاظ نزعة معاداة السامية. وهم يعيبون منذ أمد بعيد على مؤسس تركيا الحديثة العلماني كمال أتاتورك أنه "يهودي في الحقيقة". وفي السنوات الأخيرة، انضم اليساريون المتضامنون والكماليون إلى الجوقة المعادية لليهودية، والتي تترافق بين الفينة والأخرى مع العداء لأميركا التي غالباً ما تتهم بالتآمر مع إسرائيل لإقامة دولة كردية في شمالي العراق، والتي تستطيع في نهاية المطاف أن تقضم أجزاء ضخمة من جنوب شرق تركيا.ربما تكون حملات الضغط خلف الكواليس التي قام بها دبلوماسيون أتراك وأميركيون ومن الاتحاد الأوروبي قد أقنعت السيد أردوغان بتخفيف حدة نبرة لغته. فتحدث أمام البرلمان التركي مؤخراً بقوله: "كزعيم، فإنني قلت إن معاداة السامية هي جريمة ضد الإنسانية". لكن الخطاب المعادي لإسرائيل في تركيا إذا كان سيستمر، فإن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة قد يرد عبر دعم قرار للكونغرس يقضي بوصف قتل الأتراك الجماعي لحوالي مليون أرمني بأنه "تطهير عرقي". وكان اللوبي الإسرائيلي النافذ في أميركا قد أوقف مراراً تمرير هذا القرار حتى الآن، مع أن كلاً من الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن كانا قد أشارا إلى عملية "تطهير عرقي" بهذا الخصوص في الماضي، وتعهدا كذلك بأن يدعما مشروع القرار.من جهته، يعارض اللوبي الأرمني في الشتات بشدة المباحثات السرية التي تجرى بين تركيا وأرمينيا لإقامة علاقات دبلوماسية وإعادة فتح الحدود بينهما. ولطالما شعر اليهود الأميركيون بالحرج لدى الدفاع عن تركيا فيما يتعلق بالمذبحة التي ارتكبت ضد الأرمن. حتى الآن، كانت البراغماتية هي التي سادت ووقفوا إلى جانب الأتراك. لكن، وفي حال استمر السيد أردوغان في شن الهجوم على إسرائيل، فإنهم قد يغيرون رأيهم.
تقرير خاص عن "الإيكونوميست

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .